اختلف العلماء حول طبيعة إبليس، هل هو ذلك المخلوق الذي أغوى آدم عليه السلام و امتنع عن الامتثال لأوامر الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم فسجدواإلا إبليس. و هل إبليس هذا ، هو أبا الشياطين أينما كانوا و هو زعيمهم، أم أن لكل مكان شيطانه و لكل زمان إبليسه؟ هل هناك فعلا شيطان الإنس و شيطان الجن،بمعنى هل يمكن لإنسان، رغم آدميته، أن يكون في نفس الوقت شيطانا، وإذا كان هذاالشيطان/الإنسان، قمة في المكر و الخداع ليتفوق على باقي الشياطين، فهل هوإبليس نفسه؟ يصعب أن ندخل في نقاشات فقهية قد لا تنفع، و لكن من المفيد أن ندرك صفات إبليس حتى نستعيذ بالله منه كلما رأيناه أو سمعنا عنه أو رأيناه ،لا قدر الله، في منامنا. *الصفة الأولى: الاختفاء* إبليس لا يمكن أن يكون رئيسا مباشرا لهيئة سياسية مثلا أو فريقا برلمانيا أومجلسا بلديا أو مجتمعا مدنيا، فهو يفضل الاختفاء و عدم الظهور إلا في لحظات محددة كما سنوضح في الصفة الثانية، و لكن هو الذي يوسوس ويخطط و الناس نيام، و يناور في الخفاء دون ملل أو كلل. هو صاحب الأمر و النهي دون أن يتحمل مسؤولية مباشرة، و لهذا نجد أن الله تعالى وصفه في القرآن الكريم حين يتبرأ إبليس من الذين قاموا بزلات بسبب إغواءه فيقول لهم " وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ " سورة إبراهيم/ 22 *الصفة الثانية: الظهور في لحظات محددة* رغم الصفة الأولى، يضطر إبليس لأن يطل بنفسه على العالم بين الفينة و الأخرى حسب متطلبات المرحلة، و خصوصا عندما تظهر تباشير الفشل لمخططه، فيقوم جيشه بالاستنجاد به، لأنهم يدركون أنه هو القائد الفعلي ، فيقوم إبليس بإخراج أسلحته ثقيلة، لأن قوته " الخارقة " تجعله يمتلك من "المعلومات" ما ليس لغيره، فيظهر أمامهم أنه المنقذ الذي لديه "المعطيات" بينما هم ليس لديهم الوقت و لا الإمكانات للتفحص و التبين في تلك المعطيات، فلا يملكون إلا أن يصدقوا ويتزودوا من جديد بشحنة من الثقة في مشروعه ومخططاته ، وخير الزاد الملفات المفبركة . وبعد ذلك يعود لصفته الأولى، فيختفي مرة أخرى سواء في بلاده أو في بلاد عربية أو أجنبية أخرى ليستجمع معلومات جديدة، و يتفنن في رسم مخططات أخرى، وهكذا.. *الصفة الثالثة: عدم الاستسلام* لا يمكن لمن أغوى أبانا آدم و رفض السجود له و تحدى أوامر الله تعالى أن يستسلم أو أن يتقبل الهزيمة وينصرف إلى حال سبيله، لهذا فعمله الشيطاني مستمر إلى يوم الدين. قال تعالى واصفا ما يقوله إبليس في إغواء مستمر لبني آدم : "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.. سورة ص / (82)، وعلى منوال هذه السنن الكونية ، فالشعوب في بعض المراحل والأزمنة تستطيع أن تتخلص مثلا من مظاهر الأبلسة من ظلم و قهر و تحكم ، و تطالب ببعض رؤوس الفساد، نجد حينها إبليس يخنس ولكن إلى حين، ثم ما يلبث أن يعود لنفس أساليبه السابقة في التفريق والتخذيل بين فئات المجتمع ويراهن على عامل الزمن وعلى ما يركن إليه بكون ذاكرة الشعوب قصيرة، و هي ليست كذلك.. *الصفة الرابعة: الوسوسة* قال تعالى " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا " سورة الأعراف / (20) ، و الوسوسة تعني أن يلقي إبليس في أذن المستهدف أفكار التشكيك و قلب الحقائق و يزين تدبير المكائد و تزيين المحرمات حتى يوقع بين الناس، بين المرء و زوجه، بين الأخ و أخيه، بين الراعي و الرعية، و هكذا.. شيطان الإنس قليلا ما تجده يحاضر في موضوع أكاديمي أو يوجه أتباعه لطرح بدائل لمشاريع اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، فهو لا تهمه التوازنات المالية أو السعي لمعالجة أزمة السكن أو الصحة، و هو لا ينظم ملتقيات علمية للبحث عن حل إشكالات أو تقريب مذاهب أو وجهات نظر لما فيه خير البلاد والعباد، لأن جل وقته ينصرف للوسوسة و المكائد، سواء في المقهى أو الحانة أو البيت أو المركز..لذلك أمرنا الله تعالى بالتعوذ من هذا الوسواس الخناس : " الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس" سورة الناس *الصفة الخامسة: الافتراء* إبليس لا يعرف معنى الصدق، بل يعتبره ترفا يتنافى مع البراغماتية والميكيافيلية، بل قد يهدد مشروعه المبني أصلا على الدسائس والكذب والافتراء واختلاق الملفات والقصص والحكايات التي لا أصل لها. إبليس لا يخجل و لا يشعر بالندم عندما يفبرك ملفات لأشخاص نزهاء فيلقى بهم في السجن، فهو ليس له إحساس بألم زوجة ذلك الشخص ولا يتأثر ببكاء أطفاله و لا تهمه سمعة فلان أو علان، لأن رغبته في الانتقام و البطش أقوى من خجله من افتراءاته و كثرة دجله ..هذه الصفة الخامسة تجعل البعض يفضل أن يطلق على إبليس إسم آخر:..المسيح الدجال *الصفة السادسة: التلبيس* تلبيس إبليس، كما وصفه ابن الجوزي، هو أخطر صفات إبليس على الإطلاق. إنه أخطر من الكذب و الافتراء، لأن الكذب حبله قصير عندما تظهر الحقيقة. لكن التلبيس هو أن يشيع إبليس خبرا فيه "شيء من الصحة" بالفعل، فيظهر لحوارييه أن الخبر الذي جاء به إبليس تلك المرة مبني على "معطيات" ، وإن بدت للمتفحص والمتابع الواعي معطيات عادية أو في أسوأ الأحوال لا تضر صاحبها ، لكن إبليس ينطلق منها ليضعها في سياق آخر وينفخ فيها بما أوتي من أبواق ، لتبدو لدى المتسرعين أو البسطاء من متلقفيه أمرا خطيرا و فضيحة مدوية. ومن مظاهر التلبيس العصري ، أن يصرح إبليس أن لديه "وثائق" مجهولة ليضفي هالة من الصدقية والاهتمام وجذب الانتباه لاكتشافاته دون أن يفصح عن تلك الوثائق ، إن وجدت، أو يعمل على تسريبها لجهات إعلامية تقوم بترويج "مخدوم" لتلك الوثائق، و بطبيعة الحال دون بذل أي عناء في البحث والتحري أو الرجوع إلى المعنيين بالأمر، طالما أن الهدف المنشود أصلا من دسيسته هو نشر حالة من اللبس عند المتلقي وفي إشاعة جو من التشويش و البلبلة و بالتالي قد يكون إبليس قد نجح في مسعاه طالما استطاع استدرج خصمه لجولات من ملهاة الرد والتوضيح والتعقيب ، فيضيع الوقت والجهد، و يكون التلبيس قد حصل على العموم رغم أن الخبر أو تلك " المعطيات والوثائق " .. هي أصلا زائفة ومجتزأة عن سياقاتها،.. ولهذا يذهب كثيرمن الشراح ..إلى أن صفة التلبيس هي أخطر صفات إبليس . فإذا رأيتم اليوم رجلا قائدا ولكنه دوما في الخفاء، يدعي الحداثة والمعاصرة وهي منه براء، و يدعي الأصالة وهي عنه بعيدة، وإذا ظهر مرة فما يلبث أن يختفي من جديد ، ديدنه أن يوسوس دون ملل، ويمكر ويخدع ويكذب دون كلل منه حتى يصل إلى أهدافه، يوقع بين الناس وبين الحاكم والمحكوم، يتقن فبركة الملفات والتلبيس على الناس وزرع الفتن في كل مكان، ويسعى بالليل والنهار لضرب أي قيم للخير ومد أي جسور للتعاون أو التسامح أو التقريب بين الناس ،.. فإذا رأيتم اليوم رجلا بتلك الصفات .. فاعلموا أنه إبليس هذا الزمان .. وربما هذا المكان .. إذا رأيتموه، فلا تنسوا الاستعاذة بالله منه، بقوله تعالى " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ، فسيحفظكم الله تعالى بإذنه، وهو الذي قال في محكم كتابه وهو يخاطب الشيطان:" إن عبادي ليس لك عليهم سلطان.." صدق الله العظيم