قفز على مشهد حظر الفيلم الأمريكي الخروج: آلهة وملوك، لمخرجه ريدلي سكوت منظرو "دعاة التبعية" في الصحافة الصفراء، كي يكيلوا التهم لمدير المركز السينمائي المغربي الجديد، محمد صارم الفاسي الفهري، متوكئين على أسلوب التضليل والخداع لإلهاء الناس عن جوهر حقيقة منع هذا الفيلم. واتهموا المدير، مع سبق الإصرار والترصد، بان "ما قام به يعد ظاهرة فريدة وخطيرة" رضوخا للأمر الواقع وللحكومة "الملتحية" بقيادة عبد الإله بنكيران. وهللت وطبلت "العقول الراجحة" في صحافة العار لقرارات ترسيخ منظومة القيم الشاذة والأفكار الضالة المضللة، مقابل مقدرات اليورو والشيكل الإسرائيلي. وخططت حملة إعلامية ل"إنذار" المغاربة بالخطر المداهم للإبداع على يد المدير "الأصولي" الحالي بعد شرف فتح الباب واسعا على مصراعيه لحرية الإبداع والتعبير على يد سلفه "الحداثي" نورالدين الصايل. وتتطابق منهجية الصحافة المدفوعة الأجر مع كاتبي أعمدتها المتسولين، بقلب الحقائق رأسا على عقب، من دون الخوض في لب الموضوع بالتساؤل الأهم: هل شاهدتم الفيلم؟ لا نعتقد أنهم شاهدوا الفيلم، أما نحن فشاهدناه في نسخته الأصلية باللغة الانجليزية ويحق لنا أن نبدي فيه رأينا. أما هم فليخرسوا لأنهم لم يشاهدوا الفيلم للإدلاء برأيهم فيه وليمسحوا بمقالاتهم التشهيرية الابتزازية حاويات القمامة. وقبل الغوص في موضوع الفيلم لابد من حل لغز سحب الفيلم من القاعات السينمائية المغربية وذب صحافة الإثارة والإساءة في حق صارم الفهري ورميه بالريبة بقولها "إنه انقلب على حرية التعبير والإبداع الفني". وتغنت بما حققته السينما المغربية من "انفتاح عظيم على يد أب السينما المغربية مؤخرا". نحن هنا لا نقف موقف المدافع عن المدير الراهن للمركز السينمائي المغربي، ولا نتطاول على شخص المدير السابق، بقدر ما نسعى إلى تحمل مسؤولية الالتزام بما فيه مصلحة الوطن واحترام ثوابت ومعتقدات الشعب المغربي الدينية السمحة. ولنذكر هنا هؤلاء الانتهازيين والرجعيين والمفلسين فكريا أن المركز السينمائي المغربي على عهد نورالدين الصايل منع تصوير الفيلم الإيراني "محمد" صلى الله عليه وسلم من إخراج الإيراني مجيد مجيدي بدعوى: "أن المغرب حسم الأمر منذ زمن، حيث هناك عديد من المواضيع التي لا يتم التطرق إليها ولا يمكن السماح بتصويرها في المغرب". ولم يقدم المركز السينمائي، على عهد الصايل، أي دليل مادي يستند إليه في هذا الرفض واكتفى بالعمل على "حديث الناس"، الذي يروج "للتخوف" من تشخيص الرسول الأعظم. الم تكن حكومة بنكيران موجودة حين منع الصايل تصوير فيلم مجيد مجيدي عن الرسول محمد؟ وإذا كانت هذه الحكومة متوافرة على عهده هل كتبت الصحافة الصفراء شيئا يدين موقف الصايل من هذا الرفض أو اعتبرته مخالفا لحرية الإبداع السينمائي؟ وهل المغرب الوحيد من بين كل دول العالم الذي يمنع عرض أو تصوير الأفلام؟ بلى، كل دول المعمورة تتبع نفس السياسة في مقاطعة بعض الأفلام بمن فيهم أمريكا وأوروبا التي يسبح بحمدهما المستغربون. أمريكا رأس هرم الإبداع وحرية التعبير حجبت الأفلام منذ تغيبت الأسود واستأسدت القردة. آخر منع طال الفيلم الوثائقي عن هيلاري كلينتون Hillary: The Movie، كما صُرف عرض فيلم المخرج الأمريكي الشهير مارتن سكورسيزي "الإغراء الأخير للسيد المسيح" في ولاية جورجيا، ومُنع عرضه في عدة بلاد أوروبية وقُدم سكوزسيزي للمحاكمة في روما، وخطت إسرائيل على نفس الوقع وأبعدت الفيلم عن جمهورها. ومُنع بدوره عرض فيلم "آلام المسيح" من إخراج ميل غيبسون في العديد من الولاياتالأمريكية. وتعرضت إحدى دور السينما في ولاية ماساتشوست (كنت حينها لا أزال أعيش في أمريكا) للحرق بعدما عرضت فيلم "حمى الحب" للمخرج الأسود "سبايك لي" لا لشيء بل فقط لأنه تطرق لعلاقة حب بين فتاة بيضاء ورجل اسود! والكل يدرك عداء فترة المكارثية التي أدخلت الرعب إلى قلوب جميع الأمريكيين وأخضعت المخرجين ومشاهير هوليود وكتاب السيناريوهات إلى سيل من الرقابة والتهم الملفقة والمحاكمات المسرحية. وحجمت المكارثية الأفلام التي تشم فيها رائحة الشيوعية بالجملة. وكلل زمن هذه الفترة القاتمة طرد تشارلي تشابلن من أمريكا، أعظم وأكبر الأسماء في تاريخ الفن السينمائي العالمي! أما أوروبا فتمنع الأفلام بالعشرات تتصدرهم ألمانيا (منعت عرض 181 فيلما في السنوات العشر الأخيرة)، إضافة إلى رفض أفلام الرعب والجنس الأمريكية المترعة بالفسق والقتل وسفك الدماء جملة وتفصيلا. ولم يتوقف المنع في ألمانيا عند هذا الحد بل منعت عام 2011 عرض الفيلم التركي "وادي الذئاب" الذي ينصف الفلسطينيين في مواجهة عنصرية ونازية الإسرائيليين. تأتي في المقام الثاني بعد ألمانياانجلترا في المنع حيث حظرت ما بين 1995 و2007 أربعين فيلما. ومنعت فرنسا البارحة فقط (2014) الفيلم الأمريكي أنبيل Annabelle وقبله كل الأفلام الرافضة لهمجية وجحيم استعمارها للجزائر دون استثناء. أما الاتحاد السوفيتي الشيوعي القصير النظر فمنع دخول أراضيه وأراضي دول أوروبا الشرقية التي اجتاحها وسرقها بالقوة والنار والتسلط الاستعماري من شعوبها، كل الأفلام غير الشيوعية منذ قيام الشيوعية إلى حين انهيارها في معاقلها! المؤكد أن كل دولة من دول العالم ولاسيما أوروبا وأمريكا تتبنى "مجلس إدارة لفرض الرقابة" على "الأفلام التي لا تناسب الجمهور" منها على سبيل المثال لا الحصر: British Board of Film Censors (بريطانيا)، و Motion Picture Association of America (أمريكا)، و Conseil Supérieur de l'Audiovisuel (فرنسا)، و Film Industry Self-Control (ألمانيا). بعد هذا العرض السريع والموجز (نظرا لضيق المساحة) هل يحق لنا أن نتساءل: من هو الأقل حداثة ودمقرطة: المغرب أو الدول الأوروبية الليبرالية والشيوعية؟ كفانا ثرثرة واستهتارا بعقول المغاربة! ومع شديد الأسف أن يستفيق فجأة من سباته العميق نفر من المنافقين ويخرجوا من فتحة جحرهم الخلفية وتنطلق عقد ألسنتهم ليتقيئوا علينا أوساخهم بعدم جواز كذا أو كذا. ولنكن صريحين مع أنفسنا ونقول لهؤلاء الذين ينصحون بناتهم أو أخواتهم أو أمهاتهم بالحرية المطلقة في ممارسة الجنس متى شئن ومع من شئن وكيفما شئن، والبعض الآخر الذي يشجع بناتهم على العري في السينما المغربية للظفر بالشهرة، أنه لا كرامة لهم ولا وطن ولا أصل. لقد انحصر فعلا دور هذه الشرذمة "المتحررة" في توظيف أسلحة الدمار "الفنية" على مدى ما يفوق العشرين سنة (بدءا باحتلال القناة الثانية واستعمار المركز السينمائي) لتثقلهما بالمشاهد والأنماط الاجتماعية البخسة لإجهاض احتمالات التغيير بنسف الجسور التاريخية التي تربطنا بمصيرنا، ولضرب الإسلام في العمق وللزحف على القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية داخل المجتمع المغربي. واتهمت في المقابل كل من يقف ضد هذا المشروع التخريبي ب"الظلامية". والأغرب في الأمر أن الذين يقولون إن الفيلم هو مجرد عمل إبداعي-فني لا يؤثر بطريقة أو أخرى في نفوس المشاهدين يجهلون أو لا يملكون معرفة سينمائية سيميولوجية للعبور إلى قاع نوايا الخلفية السياسية التي تتحكم في إنتاج نوعية الأفلام المستفزة. ولا يتوفرون على الثقافة اللازمة لفك طلاسم لغة صورتها وإدراك أبعادها وأسرارها ومدى خطورتها ليس فقط على المجتمع المغربي ولكن على شعوب العالم قاطبة. فالفيلم، حسب الكاتب الأمريكي ادوارد بارنيز Edward Bernays المتخصص في علم السلوكيات البشرية، والملقب في الولاياتالمتحدةالأمريكية ب"أب العلاقات العامة"، هو أعظم الوسائل لصياغة الوعي الباطني لدى شعوب العالم. بل أنجع الطرق لنشر الأفكار والآراء بما له من قدرة على توحيد النظريات والعادات لأي أمة من الأمم. والمقصود في كلام بارنيز ب"الوعي الباطني" هو استعمال السينما كسلاح ثقافي واستراتيجي في مواجهة الإغواء اللاشعوري للسيطرة الخفية في خطة معركة الوعي بحمولته الذهنية في مواجهة غياب الوعي المضاد للنفاذ من خلاله إلى عقول الملايين في العالم اجمع، ولكسر قواعد ومسلمات مجتمعات وعقائد محددة للتأثير على المجتمعات والتحكم في السلوك بفرض وصاية فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية. ولا أحد يمكن أن ينكر الدور الذي يمكن أن تلعبه السينما في قدرة التحكم والتأثير على الهويات الاجتماعية بالإقناع الخفي لغزو خصوصية العقول من دون مراعاة للجوانب الأخلاقية والمشاعر الدينية والتقاليد وطباع المجتمعات. وقد عملت صناعة السينما في هوليوود بالفعل بنصيحة بارنيز وعلى الدوام وعبر توسيع دائرة النفوذ انتشرت معها وعلى نطاق عالمي واسع الثقافة الشعبية الأمريكية. وباتت هوليوود أقوى من أي مدرسة أو جامعة أو كنيسة أو أب أو أم أو أسرة وتحولت إلى"مختبر" يحدد أذواق الناس ويرسم الهوية بأهم عناصر الجذب والتأثير والتغلغل في عقول وقلوب الشعوب قاطبة طوعاً بإرادتها أو رغما عنها. كل هذا يفترض أن "دلالة الصورة" تصبح شريكا لعقدة التخريب الإيديولوجي داخل نسق الدور التاريخي والسياسي المحدد. ولعل أول من فطن وهاجم نزعة لا أخلاقية ولا إنسانية ثقافة السينما والدعاية الخفية أو المبطنة، الناقد والمؤرخ للفنون الكاتب الأمريكي اروين بانوفسكي Erwin Panofsky، حيث أيقن دمارها الشامل في مقطع وجيز شديد الكثافة في البناء والإصابة في المعنى، وببلاغة فائقة على النحو التالي: "إن السينما، سواء أحببنا أم لم نحب، هي القوة التي تصوغ -أكثر مما تصوغ أية قوة أخرى- الآراء، والأذواق، واللغة، والزي، والسلوك، بل حتى المظهر البدني لجمهور يضم أكثر من 60 في المائة من سكان الأرض". باختصار، إن هوليوود، يشرح لنا هذا المقطع، خدعت واستولت على شعوب ثلثي الكرة الأرضية تقريبا وأبعدتها عن ميراثها الثقافي وغيبتها عن قضاياها الاجتماعية وسخرتها باسم النذالة الامبريالية الأمريكية لثقافة العبودية البربرية وفرضت عليها ما تأكل وما تلبس وما تحب وما تكره وربطتها في وعيها بعجزها بتحويل انتباهها وإبعادها عما يشغلها لإخضاعها كليا إلى هيمنة فوضوية الإمبراطورية الكونية الأمريكية. الآن نأتي إلى تحليل فيلم الخروج: آلهة وملوك، الذي شاهدناه في نسخته الأصلية باللغة الانجليزية كما وضحنا أعلاه، لقطع رؤوس ثعابينه المدسوسة في ثناياه والعازمة على لدغ القيم والمعتقدات الدينية الإسلامية. يحكي الفيلم قصة خروج سيدنا موسى عليه السلام من مصر مع اليهود في ساعتين ونصف الساعة (أطول مما ينبغي) غطى فيها المخرج تفاهة المضمون بالضجيج الفارغ والعنف الغير الواقعي والنماذج البطولية المزيفة وميزانية الديكورات الضخمة. ولولا بداية الفيلم ونهايته المثيرة بالمؤثرات البصرية الخاصة لما تحمل المشاهد عناء إكمال مشاهدته حيث أنجز على شاكلة لعب فيديو الكمبيوتر الخاصة بالأطفال. المشكلة مع هذا الفيلم (بغض النظر أن المخرج كذب على السلطات المصرية وقدم سيناريو مغايرا لسيناريو "الخروج" حتى يتسنى له التصوير في مصر) انه جسد شخصية النبي موسى عليه السلام كمجرم وقاتل وسفاح جماعي ومجنون وحانق وطالب للثأر، وأشنع من ذلك تطاوله على الذات الإلهية وإبرازها في صورة طفل صغير (والعياذ بالله) وإنكار معجزة شق البحر بعصا موسى. وصعّد الفيلم من حدة المعارك التي خاضها سيدنا موسى ضد المشركين بشكل همجي وصوره على انه متعطش للدماء، ويزداد الفيلم غرابة في احد المشاهد المقززة حين يظهر الله إلى موسى (لا يراه إلا هو في خضم المنازلة) ويسأله موسى هل شبع من لذة إراقة حمامات الدم وهل يرى في ذلك غضاضة؟ فيرد عليه الطفل-الإله (مقهقها) بالتمادي في قسوته وبطشه. تلك لهجة سيناريو الاستفزاز والاستياء والمشاكسة الحاقدة الموحدة التي يسميها عندنا بعض المنحرفين عقليا وأخلاقيا، بمداراة انخفاض الوعي، بالإبداع! وقصة نهوض سيدنا موسى عليه السلام ضد رمسيس، فرعون مصر، وعبوره البحر الأحمر مع الآلاف من المستضعفين شيء نعرفه ويشهد به التاريخ. لكن الذي نجهله هو جدل المخرج ريدلي سكوت على نحو قذر وحقير ليصنع من فيلمه أكبر زبالة يقذفنا بها ويكسب من ورائها أكبر قدر ممكن من الربح الخيالي. ولا يخفى على احد أن الرجل عنصري متغطرس ومغرور (انجليزي الأصل لا يزال يعتقد أن بريطانيا لا تغيب عنها الشمس) يظهر ذلك من خلال السيناريو المبني على الخداع لتشويه وتزييف التاريخ (لم يتمرد سيدنا موسى على رمسيس الأول كما جاء في الفيلم بل عصى رمسيس الثاني) باستقطاب النجوم البيض من هوليود في الأدوار العرقية الأساسية وإسناد الأدوار الثانوية إلى النسل الأسود من المصريين "المستعبدين" على عهد فرعون ليقلل ويخفف من شأن تاريخ بريطانيا الشائن واسترقاقها لملايين الأفارقة بحكم لون بشرتهم بعد اكتشاف وقرصنة القارة الأمريكية. فالمخرج يحاول أن يقنعنا على امتداد الفيلم (بالحوار الضعيف) أن حكام مصر كانوا بيضا وبقية الشعب سودا، لكن الذي عانى الأمرين هم اليهود الذين عذبهم المصريون واستعبدوهم في بناء الأهرامات (تطالب إسرائيل مصر حاليا بدفع ثمن سنوات عبودية اليهود على عهد الفراعنة). هذا الرسم المزيف موضوع إنشائي من المدارس الابتدائية لا يقبله المنطق ولا التاريخ ولا الجغرافية، فتته أكثر من خبير ومتخصص يتزعمهم المؤرخ الكبير "مارتن برنال" في مؤلفاته الثلاث المتميزة "أثينا السوداء" (Martin Bernal: Black Athena) حين تصدى للعديد من النظريات المسلم بها تاريخيا ودحضها بالحجة الدامغة كالجزم أن المصريين القدماء كانوا زنوجا ولم يجربوا الاسترقاق. وفند فكرة بناء الأهرام على يد "اليهود المستعبدين" (يقول لنا احد المثقفين المغاربة أن الفيلم ضد الصهيونية) وأقر صراحة انه لم يعثر، في بحثه الشاق والمزمن، على أي أدلة أثرية أو تاريخية تبرهن أن اليهود شاركوا في بناء الأهرامات على الإطلاق مؤكدا في الوقت ذاته أن الذين بنوا الأهرامات لم يكونوا عبيدًا، بل كانوا من الفراعنة الأحرار والمتطوعين من مختلف الطبقات! وأوضح، بما لا يدع مجالاً للشك، أن المصريين هم من شيدوا الأهرامات حوالي 2540 سنة قبل الميلاد، و500 سنة قبل مجيء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأثبت انه لم يكن هناك أي وجود لليهود في مصر لدى بناء الأهرام! ليس فيلم الخروج أكثر من قماش الأطفال الداخلية التي تحميهم من التبول على السرير ليلا. كل شيء فيه يفقد معانيه ولا يمكن أن يرقى إلى أي مستوى فني أو إبداعي لأنه هزيل جدا ومضحك وسخيف ويستحيل مقارنته بجمال التألق الفني الذي انتهى إليه فيلم "الوصايا العشر" من إخراج سيسيل ب. دوميل أو فيلم "آلام المسيح" من إخراج ميل غيبسون. الفارق الأساس بين فيلم ريدلي سكوت والفلمين الآخرين أن سكوت لا يشوه التاريخ ويتحامل على سيدنا موسى عليه السلام وكفى، بل يحاول أن يتفلسف على طريقة الفيلسوف الانجليزي "جون لوك" الذي خلص إلى أن الهوية الشخصية لا يمكن أن تقوم على أساس الاستمرارية المادية، وبدلا من ذلك، تقوم على استمرارية الوعي (هنا يكمن احتقار المخرج للدين كونه ملحدا)، وهنا مربط الفرس حيث يلتقي مع الكاتب "فرانسيس فوكوياما" صاحب كتاب "نهاية التاريخ" برؤيته العنصرية الساعية إلى وضع حد للقيم الإنسانية والتشكيك في المعتقدات الدينية وتعويضها بالأفكار الليبرالية. ولفهم خبث عمق هذا الفيلم، بمعادلة فكرة الجنس الآري النازية البغيضة، وجب فهمه في سياقه السياسي وعدائه الثقافي للمعتقدات والثوابت الإسلامية. انه فيلم مليء بالسموم المخفية والهوس الاكتئابي والمزاج النفسي الغير الطبيعي (كرس المخرج فيلمه لأخيه المخرج كذلك طوني سكوت الذي انتحر مؤخرا). إننا نشعر بخيبة أمل كبيرة أن يرخص المركز السينمائي المغربي لهذا الفيلم من جديد بعد حذف مشهدين منه لا أكثر. نحن لسنا فقط مع منع هذا الفيلم من العرض في المغرب بل مع منع ريدلي سكوت من دخول المغرب أبد الدهر. -كاتب صدر له مؤخرا كتاب: السينما المغربية والعولمة، المطبعة الوطنية، مراكش، 2014