المغاربة شعب عملي، وفي مجال الإعلام - تحديدا - لا مجال لديهم لشيء اسمه البث التجريبي أو الترويجي. لا وقت لديهم يهدرونه في الدعاية والإعداد لقناة جديدة. تلك بدعة مشرقية لا قِبل لأهل المغرب بها. ينام المغاربة وإذ يستيقظون، يكتشفون فجأة أن قد صارت لديهم محطة إخبارية تحت مسمّى " المغربية الإخبارية ". وإن كان غالب ظني أنّ أكثرهم لم ولن يتبيّن وجودها من عدمه، لما عهد في المغاربة من برود عاطفي تجاه قنوات تنتظر منهم أن يتودّدوا إليها أو يشتهوا وصْلها حتّى وهي شمطاء شعثاء غبراء في أرذل العمر. قبل سنتين، كانت دفاتر الخلفي قد ألزمت المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة جملة شروط من بينها إطلاق قناة إخبارية. والحقيقة أنّ الرجل قد أبان عن عبقرية فذّة في " تنزيل " مقتضيات دفتر تمخّض ليفرّخ من القنوات ما يداخلك العُجب والعَجب حين تعدّهن، لكنهن في النائبات قليل، دأبهنّ التلكّؤ وإخلاف الموعد مع الحدث، حتى ليحصل أحيانا أن تكتمل دورة اليوم من غير أن يظفر منهنّ المشاهد المغربي ببصيص خبر عن واقعة أشبعت تعليقاً وتحليلاً مباشرة من استوديوهات الدوحة وباريس، ولعلّ فاجعتي وادي الموت ( الشرّاط سابقا ) خير دليل وأسطع برهان على الخذلان والتخبّط الذين وصما أداء قنواتنا. في سعيه للإيفاء بالتزاماته إزاء دفاتر التحملات، انبرى العرايشي إلى الرابعة فقلب اسمها قناة ثقافية دون أن يلمس المتتبّع انقلابا يذكر في خطابها. ثمّ فكّر كيف قدّر، ثمّ دبّر فأحال المغربية " إخبارية " من غير أن يطرأ تغيير في محتواها وشبكة برامجها. أسماء تتغيّر وعناوين تتبدّل، وتبقى دار البريهي على حالها. في نهاية المطاف لم يتبقّ من دين للخلفي في ذمّة العرايشي سوى إطلاق قناة للأسرة والطفل. وليس مستغربا أن تُمسخ الرياضية بتدبير من الرجل قناةً للأطفال تبثّ بدلا من مباريات البطولة حلقات الكابتن ماجد وأناشيد طيور الجنّة. من يدري؟ فلربّما أجدى هذا المسخ نفعاً، وصار للقناة جمهور. الأمير السعودي الوليد بن طلال سيفقد عقله حين يعلم أن إطلاق قناة إخبارية في المغرب لم يكلّف فيصل العرايشي أكثر من كلمة خطّت على عجل أسفل شعار قناة تخصصت في اجترار ما تلفظه الأولى والثانية. لن يصدّق بصره وهو يشاهد " المغربية " تتحول إلى إخبارية بين عشية وضحاها، بينما استغرق جمال خاشقجي الذي عينه الأمير مديرا عامّا لمشروعه الإعلامي القادم أكثر من سنتين في الإعداد لإطلاق قناة " العرب " الإخبارية. لربّما اتصل الوليد بخاشقجي موبّخا ومعاتبا إياه على الوقت والمال المهدرين، ولعلّه أنّبه لتقاعسه عن استلهام " التجربة المغربية " التي أبانت عن إمكان إطلاق محطة إخبارية فورا ودونما حاجة لتكوين مذيعين، ولا التعاقد مع مراسلين ومحللين، ولا تجهيز استديوهات ولا هم يحزنون. لسوف يعضّ مالك الشقيقتين " روتانا " و " الرسالة " أصابع الندم لأنه لم يتنبّه لعبقرية بديع زمانه و" الفيصل " بلا منازع في ميدانه، ليفيد من خبرته في إطلاق القنوات بالسرعة نفسها التي يحوّل خلالها عفريت مصباح علاء الدين السحري الأمنيات إلى حقائق. " شبّيك لبّيك " وصارت لدى المغاربة قناة إخبارية تغنيهم عن توسّل أخبارهم من لدن الجيران، أو اللجوء الإعلامي مكرهين لدى قنوات دأبت على الإساءة إلى مشاعرهم الوطنية باجتزاء الصحراء من خريطة بلدهم. بعد اليوم لن ننتظر أنباء عاجلة من الجزيرة والعربية وفرانس 24. من اليوم فصاعدا أخبار المغرب سيشاهدها المغاربة توّاً ومباشرة وحصريا على شاشة " المغربية الإخبارية ". صحيح أن هذا لم يتحقق في يومها الأول، لكن من ذا الذي يحلو له من المغاربة أن يتمّ إفساد الانطلاقة السعيدة للقناة بخبر موت باها وصدمة بنكيران وهيستيريا الرميد؟ أما كان لمأساة كهذه أن تنتظر إلى حين؟ هكذا هم المغاربة، متطلّبون بطبعهم، لا يفتأون عن التباكي ولا يكفّون عن التشكّي. ولو أنهم اتّهموا أنفسهم، ونظروا في المسألة بعين الإنصاف، لوجدوا أنهم، من فرط عنادهم أو بالأحرى غبائهم، يموتون في الوقت الميت، وأن المصائب والكوارث، لنحسٍ ملازم لهم، لا تنزل بهم إلا بعيد الثامنة والنصف مساءً أو قبلها بقليل، وبعيداً جدّا عن كاميرات الأولى وأخواتها. عجباً! يموت المغاربة غرقاً في المكان الخطأ، أو دهساً في الزمان الخطأ، ثمّ تجدهم يسارعون لإلقاء اللوم على العرايشي والشيخ والعزوزي. تنتظرون أنباء عاجلة، حصرية ومباشرة على قنواتكم الوطنيّة؟ لكم ذلك، فلا تستعجلوا! انتظروا، ولسوف تشهدون كما تعوّدتم غداة كل عيد عرش بثّا حصريا وآنيا لوقائع من حفل الولاء لن تجد إليها كاميرات الجزيرة ولا السي إن إن سبيلا. وحدها كاميرات الأولى والمغربية الإخبارية ستحقّق السبق، وتتسيّد المكان من أجل بثّ حصري بجودة عالية الدقّة والوضوح لطقوس ومراسيم غالية في الذلّة والرضوخ ليست تقام إلا في المملكة الشريفة.