يعد المغرب ذي النمط التعددي الحزبي بمثابة ساحة سياسية ثم من خلالها صياغة عدة سياسيات كان لها الوقع المباشر وغير المباشر على مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالنسبة للمواطن والوطن، بحيث أنه ومنذ حصولها على الاستقلال سعت بلادنا إلى محاولة تطبيق بريسترويكا لما بعد العصر الكولونيالي الغاشم ، أمر تكلل بتعاقب حكومات وتقدم دستوري منذ أول دستور للمملكة لسنة 1962 إلى دستور 2011 ، دساتير استطاعت الرقي بالوضع الاعتباري للحياة اليومية للمواطن المغربي من خلال الاهتمام بمنظومة الأحزاب السياسية واعتبارها بمثابة صمام الأمام المعول عليه الرقي بعجلة التنمية إلى أحسن المستويات ولمالا منافسة أنظمة الدول المتقدمة في هذا المجال، مما تكلل بإفراز نخب وكفاءات استطاعت أن تحفر اسمها في ذاكرة الوطن، غير أن الأمر لا يخلو من مشاكل لازالت من وجهة نظرنا تعصف بتعميق اليات التدبير الديمقراطي ببلادنا. وفي نفس المضمار، تعبر العملية الانتخابية عن الممارسة الديمقراطية التي من خلالها يمكن للمواطن التعبير عن تطلعاته وذلك بتعبيره عن اختياراته من خلال البرامج الحزبية المعروضة أو من خلال مشاركته المباشرة وذلك عبر ترشحه هو نفسه لتمثيل من غيره من المواطنات والمواطنين. يعبر الفعل الانتخابي في كنهه عن الممارسة السياسية التي تلعبها الأحزاب السياسية، وذلك بدءا من عملية تأطير المواطنين ووصولا إلى استمالة اختيار الناخب وذلك في أفق بلوغ دواليب تدبير الشأن العان ومن ثمة المساهمة في تدوير عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، غير أن بلوغ مرامي التنمية المتوازنة ببلادنا لازالت تعترضه مجموعة من المشاكل المحورية والتي سنجملها في هذا المقال في افة مول الشكارة . إن العملية الانتخابية لهي المفصل الحقيقي لصنع ملامح الخريطة السياسية وعبرها التنموية للدولة، عملية من المفروض التعاطي مع مختلف مراحلها بشكل شفاف قوامه التنافس النزيه بين جميع ممثلي الأحزاب السياسية ومن ثمة الظفر عن جدارة واستحقاق بأحد المقاعد التشريعية أو الترابية الكفيلة بتأهيلهم لخدمة الصالح العام. ومن هذا المنطلق، وفي محاولة منا لاستقراء واقعنا السياسي والذي لا يخفى على أحد منا، تجذر أحد الشوائب به والمتجلية في ظهور مول الشكارة الموسمي أي فقط غبان الذرة الانتخابية ، هؤلاء الأشخاص الذين لا يهمه سوى بيع وشراء ذمم القوة الناخبة باستعمال أموال طائلة لا يمكننا أن نصنفها إلى في خانة الفساد الانتخابي، أمر لا يمكن لا للفاعل السياسي ولا حتى المواطن السياسي أن ينكر وجوده ، لا لشيء إلا لأنه لازال وإلى حدود كتابة هذه الأسطر حاضرا وبقوة في ساحتنا السياسية ، مما لا زال يجهز معه على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة كفيلة بالدفع قدما من ترتيب بلادنا التنموي إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال. إن هدف العمل السياسي وعبره الانتخابي، لم يؤسس على أهداف التدليس وتحقيق المصالح الشخصية الضيقة ، وإنما جعل من أجل تأطير المواطنين من جهة ، والاستجابة إلى متطلباتهم وتطلعاتهم وذلك من خلال التعبير عن مضامينها في برامج انتخابية قوامها النزاهة والتنافس الشريف والعادل بين جميع أطياف الخريطة السياسية المغربية من جهة أخرى. إن مول الشكارة ليعتبر بؤرة للفساد الانتخابي والذي يجب العمل على اجتثات جذوره ، لا لشيء إلا لأنه لازال يضرب عرض الحائط بمبادئ التنافس التي يجب أن تقوم عليها اللعبة الانتخابية ، ومن ثمة يمكن أشخاصا لا يقربون لا من قريب ولا من بعيد من تدبير الشأن العام طبقا لميولاتهم ومصالحهم الشخصية ، مما يساؤلنا في هذا الباب وخاصة أننا نعيش في هذه الأيام في كنف صراعات سياسية ساخبة بين جميع مكونات الخريطة السياسية أغلبية ومعارضة ، بحيث لطالما لاحظت وكلما تتبعت إحدى جلسات المؤسسة التشريعية بأن كل مكون من هذه المكونات يحاول ضحد مزاعم الاخر بكل ما أوتي من قوة في حين لا أجد بدا من أن أذكرهم بأن صراعهم مع عدوهم الحقيقي لازال لم يصل أوجه، لا لشيء إلا لأنهم لم يخصصوا ولو جزءا من جهدهم ووقتهم للتوقف عند نواة الفساد الانتخابي والمتجلية أساسا في تجذر ظاهرة مول الشكارة داخل مشهدنا الحزبي ، مما لا زال ينتج لنا: ضعف نسب تأطير الأحزاب السياسية للمواطنين، الأمر الذي يضع الاستفادة من ريع الكعكة الحزبية حكرا على أشخاص ألفنا رؤيتهم كلما أرخت الانتخابات بصنفيها الترابي والتشريعي ظلالها؛ قيادات حزبية مفبركة ، لا تؤمن بالرأي الاخر لا لشيء إلا لأنها متشبعة في عمقها بقاعدة فرق تسد من أجل خدمة أجنداتها الشخصية الضيقة وكأننا أمام ضيعة فلاحية لا يحق للغير قطف غلالها، وهذه الفكرة ليست حكم قيمة وإنما هي نتاج لواقع حزبي ألف التعيين عوض المنافسة والبقاء للأصلح، الأمر الذي ميع المشهد الحزبي ببلادنا واصبحنا نراه يعج بأناس لا يتجاوزون العتبة في حال ما إذا ترشحوا في دوائر سكناهم مما يفسر لنا بأن المسألة لا ترتبط بنضال خزبي وإنما تدل على سمسرة حزبية قوامها بيع وشراء الذمم من أجل الظفر بمنصب "قيادي" داخل أي حزب سياسي ولو لم يكن يؤمن بمبادئه وتوجهاته؛ برامج حزبية موقوفة التنفيذ، بحيث أنه وبمجرد انتهاء سخب الحملة الانتخابية، لا أثر لمتابعة تنفيذ هذه البرامج وكأننا أمام حفل به مدعوون يفترقون بمجرد انتهائه، مما يضرب عرض الحائط لمبدأ الاستمرارية والذي من المفروض أن يطبع العمل الحزبي لا لشيء إلا لأن قضايا المواطن تتميز بالاستمرار وبالتالي فهي تحتاج دائما لمن يستجيب لها ، الأمر الذي أسند للأحزاب السياسية هذا إذا ماعلمنا بأنها تتقاضى دعما ماديا من الدولة من أجل الاضطلاع بمهامها الدستورية الخ.. إن المعالجة الحقيقية لهذه المعضلة الفتاكة ، لا بد وأن تقترن بعامل أساسي ، ويتجلى في الجرأة السياسية الحزبية ، جرأة لابد وأن تتلخص في قيام الأحزاب السياسية بممارسة الديمقراطية الداخلية ومن ثمة تصريفها عبر مشاركتها في تدبير قضايا الشأن العام، جرأة لا يمكنها أن تقوم بمعزل عن ممارسة النقد الذاتي الحزبي الأمر الذي نراه من وجهة نظرنا و المقرونة بممارستنا السياسية المتواضعة ، لازالت غائبة إن لم نقل منعدمة في مشهد حزبي يتجاوز الثلاثين حزبا منها المعتدل ، المحافظ واليساري، مشهد تكتنفه الضبابية ، ولا ينم بتاتا عن رغبة حقيقية لجل مكونات الخريطة السياسية للمضي قدما في تنزيل مضامين دستور 2011 ، هذا الأخير الذي نجده يضم مجموعة من الاليات الحديثة من قبيل توسيع سلطات مؤسسة رئيس الحكومة والرقي بوضع المعارضة وتفعيل اليتي المحاسبة والمساءلة ، كل اليات وإن تم حسن التعامل مع مضامينها سيمكننا لامحالة أن نوصد الباب أمام كل من تسول له نفسه العبث بذمم القوة الناخبة ، قوة لا يمكن أن يتم التعامل معها إلا بمنطق الإنصات لانشغالاتها ومن ثمة تنزيلها في برامج جادة ومنطقية قوامها الجرأة وجلد الماضي ، الأمر الذي سيخلق لدينا حالة من التنافس بين مجموعة من المنتوجات الانتخابية سيكون البقاء فيها للأصلح والأقوى من خلاله برامجه وليس من خلال جيوبه المملوءة بالمال الفاسد. أما ان الأوان يا قادة و يا مناضلي أحزابنا السياسية بأن تقولوا كفانا من التصارع الفضفاض وهلم بنا إلى التصارع البناء والكفيل بفتح نقاش عمومي قوامه الفكر من أجل مجابهة التخلف والأمية السياسية ، أمر ليس من الصعب بلوغه إذا ما تم فتح نقاش عمومي قوامه الجرأة ونكران الذات المؤذيان إلى تكريس روح الانتماء الوطني على أرض الواقع. [email protected]