لا شك أن تناقل وسائل التواصل الاجتماعي لصور الفاجعة بالمناطق الجنوبية خصوصا بمدينة كلميم ونواحيها، ليجعل المتتبع يسبح غرقا هو الآخر في موجات التساؤل والتيه، طالبا النجدة والجواب، رافعا يديه ملوحا بهما علهما يصلان إلى من يهمه الأمر، غير أن الذي كان، أن الفاجعة والنكبة استمرت على مدار أيام، وليست لساعات أو لحظات، ومع ذلك اختبأت كل وسائل المساعدة خلف الجدران خائفة هي الأخرى من قطرات المطر، طبعا هذا حالها ولا عجب، فالماء يصيبها بالتآكل والصدأ، لا تدرك تلك العقول المسيرة للشأن المحلي وهي مقصود مثلنا، أن الصدأ الذي تخافه وتهابه قد غطاها من كل جانب، وأن سوءة الفعل والتفاعل والتجاوب، عرتهم ومنذ زمن لكل ناظر، وأن الناس لا ينسون من أحسن لهم فأنى لهم نسيان من أتاهم بالعيب والسوء. إن صورة الجثامين وهي تنقل في شاحنات القمامة، فعل لا يقبل معه أي تبرير، وكل محاولة للرد هي جريمة أخرى تنضاف إلى الجرم المشهود، فلم يكفهم أنهم لم يوفروا لهم طرقا مناسبة وقناطر آمنة ومسالك مرور تحمي الحق في الحياة، ولم يكفهم أن شغلهم غلب عليه التهاون والاستهتار بأرواح الناس، ولم يعني لهم شيئا تمرير صفقات البنى التحتية بطرق مشبوهة، وأخذ العملات وتوزيع المشاريع وكأنها غنائم حرب أو سبايا معركة، بمنطق ينظر للمال العام وكأنه الدم الحلال الذي ليس له ذرية ولا أصل، فلا خوف من انتهاكه أو سفكه أو امتصاصه، فاليوم لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، هكذا يصارحون بعضهم بعضا وهم يعلنون بشكل عملي ومستمر أن لا محاسبة ولا عقاب ولا جزاء ولا ثواب. كم القلوب تحزن وتتألم وتئن، وهي ترى قناتنا الجهوية بالعيون تقدم خبر الفيضانات وأرقام الضحايا، وصاحبة التقديم بأبهى حلة وبأفضل حال، بل تعلوها الابتسامة وكأنها تلميذ كسول في مدارس الاعلام، بل تلميذ كسول في مدرسة الإنسانية، فأنى لها أن تبقي على ملامحها هي هي في أخبار الأفراح والأتراح، وفي السعيد والتعيس، وفي الإحتفال والتعازي. ثم تنضاف إلى القائمة قناتنا الوطنية الثانية، التي أوردت تقارير الحفلات والموسيقى والمهرجانات، عقب تقرير الفاجعة بكلميم، ولذلك خرج أبناء هذه المدينة ونواحيها، يرفعون شعارات مكتوبة "شكرا الجزيرة"، فقد كانت من هناك على بعد مسافة الفصل أكثر حيادا ومهنية وإنسانية، أما إعلامنا فنسأل الله أن يرد به إلى جادة الصواب. إن ما سبق من اختلالات مفجعة تزاوجت بشكل غير مسبوق مع الحدث الطبيعي، لتنذر بأن الدولة الشريفة لا تقوم على أي أسس متينة، فما دامت بناها السفلية مهترئة، وما دام التلاعب يطال كل مناحي التسيير الجماعي والبلدي في كثير من المدن والدواوير، وما دام الشعار المرفوع محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة في حين ان الواقع المشاهد هو تكريس ممنهج للإفلات من العقاب واستمرار في سياسات التماطل وحلول الترقيع. إننا بحاجة أن نحاسب كل المسؤولين عن الفاجعة من أكبر مسؤول إلى أصغرهم، حتى نستطيع أن نرفع الصوت في القادم من الأيام بالقول إن المغاربة جميعهم متساوون أمام القانون، وأننا في دولة الحق والعدالة والمساواة، وأننا في دولة جوهر فعلها وتفكيرها هو هذا الفرد المواطن.