يقصد بالانتخابات الديمقراطية بشكل أساسي استجابة العمليات الانتخابية لتطلعات وآمال المواطنين واحترام الدولة والأحزاب السياسة إرادة الناخب. ولتحقيق هذه الانتخابات الديمقراطية هناك ثلاث آليات: ًأ) تاطير العملية الانتخابية بترسانة قانونية متكاملة تعمل على ضمان استقلالية ونزاهة العملية الانتخابية واحترام اختيار الناخبين. ب) التأهيل الإداري والمالي واللوجستيكي للمؤسسات الساهرة على الانتخابات وإلزامها الاضطلاع بمسؤولياتها القانونية وتدبير كل مراحل الانتخابات بنجاعة وكفاءة أكبر. ج) ضرورة توفر الإرادة السياسية الحقيقية والفعلية عند صناع قرار النظام السياسي القائم ومؤسساته ومواطنيه عبر توفير المناخ السليم والشروط الذاتية والموضوعية لإجراء انتخابات ديمقراطية عبر الالتزام بالمبادئ الدستورية والقانونية وقيم الحياد والاستقلالية والابتعاد عن التحكم القبلي وإشراك المجتمع المدني وقيام القضاء بدوره المحايد في ضبط العملية الانتخابية. بالنسبة للمغرب يعرف الفضاء العمومي منذ شهور نقاشات متعددة حول اهلية الجهة التي ستنظم الانتخابات المقبلة .وقد عرفت هذه النقاشات مواقف مختلفة بين وزارة الداخلية وبين رئاسة الحكومة من جهة ، وبين وزير الداخلية وأحزاب المعارضة وبين ورئاسة الحكومة وأحزاب المعارضة من جهة أخرى ويعود هذا الخلاف الى مسالة التخوف من التحكم في مسار الانتخابات أي ان كل طرف يعتقد ان الطرف الآخر سيتحكم في الانتخابات وقوانينها ليهيمن بعد ذلك على الخريطة الانتخابية والسياسية مما دفع ببعض الأحزاب ان تطالب بتأسيس هيئة مستقلة للسهر على تنظيم الانتخابات. وفي ظل هذه المواقف المتناقضة والسياسوية داخ المواطن ولم يعد يعرف من يقول الحقيقة ومن يناور ومن يريد التحكم وصناعة الخرائط الانتخابية ولأي هدف؟ ومن له أهلية تنظيم او الإشراف على الانتخابات؟ وهل من بعد الدستور الجديد يعقل ان نتحدث عن مسالة التحكم وصناعة الخرائط الانتخابية؟ وهل الديمقراطية هي الانتخابات؟ الانتخابات والديمقراطية : الانتخابات ليست هي الديمقراطية لكنها تبقى من اهم معايير تقييم نزاهة الانتخابات الديمقراطية التي تتطلب حياد وموضوعية كل المؤسسات والفاعلين المنظمين او المشرفين على تنظيم الانتخابات في جميع المحطات : من تحيين او تجديد اللوائح الانتخابية- الإشراف على عملية تسجيل الناخبين والمرشحين-،توفيرالشروط المادية واللوجستيكية والتقنية –مراقبة نزاهة الحملة الانتخابية- مراقبة يوم الاقتراع- فرز الأصوات -إعلان النتائج النهائية- الى حق تقديم الطعن في النتائج . ويتطلب الحياد في هذه الحالة الالتزام بالقانون وتطبيقه على أساس تكافئ الفرص بين كل المرشحين ..لذى فالانتخابات الديمقراطية هي جزء من الديمقراطية وليس كل الديمقراطية. وقد صدق روبرت دال حينما اكد أن الانتخابات الحرة والنزيهة هي "ذروة الديمقراطية وليس بدايتها"، فالانتخابات لا تسبق الديمقراطية، وهي لا تنتج لا الديمقراطية ولا الحريات ولا الحقوق. الدولة والاحزاب والانتخابات : تاريخ الانتخابات بالمغرب هو تاريخ الاتهامات المتبادلة بين الدولة ووزارة الداخلية والأحزاب السياسية والتشكيك في نزاهتها ، حتى أصبحت نزاهة الانتخابات ترادف المدخل الرئيسي لكل إصلاح سياسي لدولة ولمؤسساتها وفي مقدمتها : - المطالبة بإبعاد وزارة الداخلية عن تنظيم او الإشراف على الانتخابات – المطالبة بتشكيل لجنة مستقلة ومحايدة للإشراف على الانتخابات. – المطالبة باشراك هيئات المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات -الالتزام بمبدأ الديمقراطية التشاركية في اعداد الترسانة القانونية لانتخابات.وتهييئ شروطها. ويلاحظ المتبع للشأن السياسي كيف تحول سياق الانتخابات بالمغرب لذريعة لتصفية الحسابات السياسوية بين وزارة الداخلية والحكومة والأحزاب السياسية خصوصا حول أهلية الجهاز الذي سيشرف على تنظيم الانتخابات وكأن الانتخابات هي كل الزمن السياسي في حين انها مرحلة منه. بين الإشراف وإدارة الانتخابات: يعد الجهاز الذي يشرف او يدير العملية الانتخابية عاملا محوريا في توجيه الفعل الانتخابي اما اتجاه التحكم او اتجاه النزاهة والدمقرطة، لذلك يطرح كل استحقاق انتخابي ضرورة تحديد الجهة التي تتولى تنظيم او الإشراف على كل مراحل العملية الانتخابية، لما لذلك من تأثير على مسار نتائجها .والمتتبع للنقاشات المثارة حول الموضوع يلاحظ الخلط بين مفهومي الإدارة والإشراف في حين ان لكل مفهوم دلالاته ووظائفه. أ- إدارة الانتخابات: الإدارة الانتخابية هي هيئة تدير بعض أو كافة الجوانب الأساسية في العمليات الانتخابية. وتتوزع بين ثلاثة أشكال : -الإدارة الانتخابية المستقلة ويمكن أن تتمتع هذه الادارة بمستويات مختلفة من الاستقلالية الإدارية والتدبيرية والمالية لادارة الانتخابات، وتتشكل – غالبا- من شخصيات غير منتمية سياسيا .وتعتمد عدة دول نظام الإدارة الانتخابية المستقلة منهم: أستراليا، ، جنوب أفريقيا، كندا، والهند . -الإدارة الانتخابية الحكومية : هي الإدارة الانتخابية التي تعمل فيها السلطة التنفيذية على تنظيم وإدارة العمليات الانتخابية، وذلك من خلال إحدى الوزارات وعلى رأسها وزارة الداخلية التي تكون مسؤولة امام رئيس الحكومة .وتعتمد عدة دول هذا الخيار نذكر من بينها بريطانيا ، الدنمارك،، سويسرا، نيوزيلندا والولايات المتحدةالأمريكية. وفي كل من بريطانيا، السويد، سويسرا والولايات المتحدة. - الإدارة الانتخابية المختلطة:. تتكون هذه الادارة من مكونين رئيسيين يشكلان تركيبة مزدوجة للإدارة الانتخابية: هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية تتحمل مسؤولية السياسات الانتخابية العامة والإشراف عليها ، وهيئة انتخابية تنفيذية تعنى بتنظيم الانتخابات وإدارة الفعاليات الانتخابية وتتبع لإحدى الوزارات أو للسلطات .وفي هذه الحالة تقوم الإدارة الحكومية بتنظيم وتنفيذ العمليات الانتخابية، وذلك بإشراف من قبل الإدارة المستقلة ، وتطبق عدة دول هذا النموذج من بينها أسبانيا وفرنسا واليابان. يتبين من هذه النماذح ان هناك أشكالا من الإدارات الانتخابية لكن هناك مبادئ عامة يجب ان تتوفر في الإدارة الانتخابية مهما كان شكلها من أهمها : المهنية –الحياد- الشفافية- الحكامة- النزاهة- الاستقلالية عن السلط التنفيذية والقضائية ولوبيات الانتخابات والمقربين لصناع القرار السياسي. ب- الاشراف على الانتخابات: ويقصد بها لجنة او لجن لها مسؤوليات وصلاحيات محددة لتدبير العملية الانتخابية عبر تمكينها من صلاحيات قيادة العملية الانتخابية من حيث الموارد البشرية والمالية، يتم إخضاعها للمحاسبة على أساس الأداء والنتائج. تتولى هذه اللجنة –فقط- تقديم المساعدة في بعض مراحل العملية الانتخابية، كإعداد تسجيل في اللوائح الانتخابية أو فرز أوراق التصويت وإعلان النتائج وفي هذه الحالة نكون أمام ” لجنة الانتخابات المستقلة” التي تكون بمثابة فريق مساعد للجهة التي تنظم على الانتخابات.ويمكن ان تتشكل من هيئة قضائية أو من ممثلي الأحزاب والجهاز الإداري للدولة. المهم في الاشراف ترسيخ مبدأ الحياد الذي يرسخ تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين. لذا ، فتواجد إدارة الانتخابات او لجنة إشراف عليها ، يتطلب توفر إرادة سياسية وتوافقات بين كل الفاعلين وتوفير كل الموارد البشرية والمادية واللوجستيكية لإجراء الانتخابات في مناخ سليم يحتكم لمبادئ القانون والديمقراطية ، نشير-هنا- إلى أنه يمكن الإشراف على إدارة الانتخابات من طرف الإدارة، مع إشراك الأحزاب السياسية، من خلال لجان انتخابية. الانتخابات في المغرب بين وزارة الداخلية والاحزاب والهيئة المستقلة وزمن الفرص الضائعة: زمن إجراء الانتخابات بالمغرب هو زمن تباين المواقف بين وزارة الداخلية والاحزاب ، وزمن النقاشات الهامشية وزمن الصراعات حول من يدير او يشرف على تنظيم الانتخابات وزمن إعادة الشك والحذر وطرح مسالة التحكم وصناعة الخرائط المخدومة وغالبا ما يتم الخلط في هذا الصراع بين الجانب القانوني وبين الجانب الارادوي ونقصد به الإرادة والجرأة السياسية لضمان سلامة نزاهة هذه الانتخابات.ونشير ان الصراع حول الانتخابات لم يبق محصورا بين الاحزاب ووزارة الداخلية بل تحول لصراع بين رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية، وقمة العبث ان يحدث هذا الصراع الهامشي والسياسوي في ظل دستور 2011 . الملكية ضابطة ايقاع الزمن الانتخابي : حسم الملك محمد السادس بالمجلس الوزاري الأخير في مسالة الصراع السياسوي بين رئاسة الحكومة وبين وزارة الداخلية من جهة وبين وزارة الداخلية وأحزاب المعارضة من جهة ثانية والإقبار النهائي لفكرة الهيئة المستقلة عبر حث وزراء الحكومة على احترام نزاهة الانتخابات بصفتهم يمثلون جهة الإشراف عليها، مؤكدا على دور رئيس الحكومة في تولي الإشراف عليها، وأعطى تعليماته، إلى وزيري الداخلية والعدل للسهر على سلامة العمليات الانتخابية، والتصدي لكل الممارسات التي قد تسيء إليها ليضع بذلك حدا للصراعات التي نشبت بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية من جهة وبين وزير الداخلية وأحزاب المعارضة التي كانت تطالب بتشكيل هيئة مستقلة للسهر على الانتخابات من جهة اخرى. لكن ما يحير في سلوك وخطاب الدولة والأحزاب السياسية هو هل تقوم هذه المؤسسات بنقد ذاتي لسلوكها وخطابها؟ وقبل ان تتباكى على الديمقراطية هل هي ديمقراطية مع نفسها ؟ و هل هي مقتنعة بما تردده حول الانتخابات المقبلة؟ وهل المشكل الحقيقي والتحدي الأكبر يكمن في الجهة التي ستسهر على تنظيم الانتخابات ام في نسبة المشاركة والاستعداد القبلي الجيد لها؟ وهل الخوف من التزوير والتحكم في مسار الانتخابات تخوف حقيقي ام مزايدة سياسوية؟ وماذا قدمت وستقدم الدولة والأحزاب السياسية لإقناع المواطن بالتصالح مع صناديق الاقتراع والتصويت؟ الأكيد ان التحدي الحقيقي بالنسبة لإجراء الانتخابات المقبلة ليس في الجهة التي ستنظم الانتخابات هل هي وزارة الداخلية ام هيئة مستقلة بل في مدى توفر الإرادة السياسية عند الجميع والتفاعل الإرادي للدولة وللأحزاب مع تطلعات المواطن الذي يدرك انه دون رادع أخلاقي سياسي تتحول الانتخابات إلى مجابهات شكلية للوصول إلى سلطة مزيفة وعابرة تقودها حكومة وبرلمان واغلبية ومعارضة من انتاج الريع السياسي .. وهذا اكبر خطر يهدد مستقبل المغرب. [email protected]