(1) لقد تطرقنا في دراستنا حول مناهج المستشرقين في دراسة القرآن الكريم، إلى جوانب من أطاريح القوم و ما تضمنته بعض مؤلفاتهم حول القرآن الكريم، من شطط و أحكام مبتسرة وحجج ضعيفة، تفتقر للدقة العلمية. وغني عن البيان القول أن المستشرقين، قد شنوا على الإسلام معارك شرسة، وركزوا منذ منتصف القرن التاسع عشر على دراسة تاريخ القرآن: جمعه و ترتيبه، وقراءته وأسلوبه ورسمه... وسوف نتناول في هذا القسم بعض القضايا التي أثارها زمرةمن كبار العلماء الاستشراف الذين تخصصوا في دراسة القرآن و علومه أمثال: ( نولديكه- وجولدزيهر وبلاشير- وجيفري..) وغيرهم... وهنا لابد من الإشارة بان الدراسات التي تتميز بالجد و العمق للإسلام، لم تبدأ إلا منذ القرن التاسع عشر ، حين ذاعت الثقافة الإسلامية في أوربا، وحين بسط الغرب الاستعماري سلطانه على البلاد الإسلامية. عندئذ نهض كثير من علماء أوروبا لدراسة الإسلام و تراثه محاولين التعرف على سر حيوته و بقائه... وكان اهتمامهم أولا بكتب المغازي و السير و التاريخ، ثم اخذوا في دراسة القرآن وعلومه، والفقه و أصوله ، وعلوم أصول الدين، و الفرق الإسلامية، و ما إلى ذلك من مظاهر الفكر الإسلامي. (1). ونذكر من هؤلاء العلماء ارنيست رينان (E. Renan) صاحب كتاب ابن رشد ، والرشدية (ابن رشد و مذهبه) جستاف لبون (Gustave Lebon) صاحب كتاب حضارة العرب la civilisation des Arabes. ونولد بكه (t. Noldeke) المعروف بكتابه تاريخ القرآنوكيتاني (Leon Caetani)مؤلف كتاب حوليات الاسلام و الأب "لامنس" (H. Lammens) صاحب كتاب معاوية و الإسلام وكاردي فو (Carra de vaux) صاحب كتاب مفكرو الإسلام (Les penseurs de L'islam) ومن بين هؤلاء الإعلام (ما سينون) و (نيكلسون) المشهوران بدراستهم في التصوف الإسلامي. ومصطلح " مستشرق" له معنى ثقافي و علمي، فالعلماء هم المختصون باللغات والثقافات الشرقية، ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، أخذ مفهوم "المستشرق" بالتغير في أوجه عدة، بحيث أصبح المستشرقون خبراء داخل المجتمعات الغربية، في جوانب معينة من الإسلام، و المجتمعات الإسلامية وقد خضعت الدراسات الإسلامية و خاصة الأكاديمية، إلى أساليب النقد الفيلولوجي (La Philologie) (فقه اللغة) و الأدبي والتاريخي، وأدى التحليل النقدي الفيلولوجي و الأدب المطبق على القرآن من طرف بعض الباحثين إلى إثارة العديد من الأسئلة، حول تاريخ القرآن و تأليفه.. (2) وتجدر الإشارة إلى أن أول دراسة مفصلة للقران ظهرت في أواخر القرن السابع عشر، قام بها لودفيكو مراشي Ludovico Maracci)-1700-1612) بعنوان (Alcorrani universus -1698 (حيث تطرق مراشي إلى سيرة الرسول عليه السلام من خلال المصادر العربية وقدم في الجزء الثاني ترجمة للقرآن باللغة اللاتينية مع مقابلة للنص العربي زودها بشروح وتعاليق للمقاطع الغامضة.. ويمكن اعتبار عمل مراشي، بداية لإنطلاق الدراسات القرآنية في أوروبا، إلا أن هذا العمل شابه الكثير من الأخطاء الفادحة والحجج الضعيفة التي تفتقر إلى الدقة العلمية و نفس هذه الأخطاء سنجدها بدرجات متفاوتة في كل البحوث و الدراسات حول القرآن التي قام بها المستشرقون، بعد ظهور كتاب مراشي.. (3) لقد ترافق اهتمام المستشرقين بترجمة القرآن، إلى اللغات الأوربية بالقيام بدراسات حول النص تتوخى معرفة أوثق بمضمونه...، وذهبوا مذاهب شتى في تفسيره، وأتوا بتعليلات وتأويلات كلها تنساق في التشكيك في صحة القرآن و في أمانة نقله، و تبليغه، وجمعه و ترتيبه، وقالوا بأن النص نالته تعديلات بالزيادة، و النقصان، وذلك بالتشبث بالروايات الشاذة الموجودة في بعض المصادر القديمة، وخاصة تفسير الطبري والمتعلقة بالإختلافات المنسوبة إلى المصاحف الفردية لبعض الصحابة أمثال ابن مسعود و أبي بن كعب و علي بن أبي طالب، وابن عبد الله و موسى الأشعري... وقد جمع المستشرق ارثر جفري (Jeffrey) هذه الروايات الشاذة والمنقطعة ونشرها مع كتاب "المصاحف" لابن أبي داوود (ت.316ه) بنية مبيتة للتشكيك في موثوقية النص القرآني. إنهم يتحاشون الاعتراف بأن القرآن جمع وفق منهج علمي رصين قوامه التوثيق والدقة والتثبت. وخلافا لمزاعم"جفري" فقد ذكر السيوطي في كتاب " الإتقان في علوم القرآن" بان جميع الصحابة الذين ذكر "جفري" بعضهم في تقديمه كتاب " المصاحف" أجمعوا على المصحف العثماني، وتلقوه بالقبول و العناية و أخذوا بما تضمنه من الأوجه والقراءآت(4). والواقع أن المسلمين يتمسكون منذ أربعة عشر قرنا بالمحافظة على الوحي القرآني لفظا و معنى، ومن نافلة القول أن فعالية مناهج البحث تعود إلى المصادر المعتمدة الأصلية الموثوق بها، لأنها وحدها توصل إلى إكتشاف الحقيقة العلمية و البرهنة عليها بصورة موضوعية.. وقد اعتمد المنهج الاستشراقي المطبق في الدراسات الإسلامية و القرآنية، كما ذكر "مونتجمري وات M.watt) في كتابه " الوحي الإسلامي و العالم الحديث" (Islamic Revelation in the modern world) بأن هذا المنهج مؤسس على النظرة العلمية العقلية الحديثة القائمة على الاعتقاد، بإمكانية تطبيق طرقه في مجالات كثيرة..وفي نفس السياق يقول (رودي بارت Rudi Paret). " نحن معشر المستشرقين، عندما نقوم بدراسة العلوم العربية والإسلامية، إنما لنبرهن على تقديرنا الخاص للعالم الذي يمثله الإسلام و مظاهره المختلفة، ونحن لا نأخذ كل شيء ترويه المصادر على عواهنه، دون أن ننعم فيه النظر بل لا نقيم وزنا، إلا لما يثبت أمام النقد التاريخي، المعيار الذي نطبقه على تاريخ الفكر عندنا.. (5) ومن ثم فإن المناهج الغربية الحديثة التي استخدمت، لتأويل القرآن، ترتكز على فقه اللغة (الفيلولوجيا) وعلم اللسانيات، مع ربط و تقاطع بالمنهج التاريخي النقدي... وفقه اللغة علم يدرس اللغة من زاوية فلسفية وابستمولوجية بهدف الكشف عن القوانين التي تحكم اللغة واستعمالاتها بمعنى فهم المنطق الذي يحكم اللغات من أجل ضبط المعنى أو الدلالة. إنه العلم الذي يدرس النص اللغوي، و التحليل المفهومي للقرآن..وقد مكنهم هذا المنهج اللغوي من اختلاق الفرضياتو النظريات يستخلصوا منها ، ما يشاءون من نتائج تجانب الصواب (6). فالمناهج التي استخدموها، لا تؤدي إلى نتائج علمية في الدراسات الإسلامية فقد قاموا بعملية إسقاط تعسفية لتصورات ذهنية و أطلقوا أحكاما عامة، لا تراعي خصائص الحضارة الإسلامية و مبادئها. إنهم يحاولون لي النصوص وتطويعها، وتفسيرها وتحليلها لتتوافق مع أحكامهم المسبقة، من أجل الوصول إلى نتائج علمية افتراضية، لا تتفق بحال مع البحث العلمي النزيه.. فالباحث عندما يضع في ذهنه صورة فكرية معينة، لا وجود لها، من الناحية الفعلية، فإنه يجد لها المبررات من أجل إسقاطها على واقع الثقافي و الحضاري لتفسيره، وفقا لهواه ومزاجه و ثقافته و بيئته الدينية...(7) لقد حاول المستشرقون إذن دراسة القرآن الكريم باعتبار أنه نتاج تاريخي وليس وحيا وعقيدة دينية مصدرها الإسلام... فهم ينطلقون من منظور مادي للظواهر الفكرية التي يدرسونها، وعدم تقيدهم بالمقومات الدينية و العقدية أو الروحية نتيجة تأثرهم ببيئتهم الأوروبية التي تربوا فيها وأخذوا منها مناهجها وطرق معالجتها للحضارات، والأفكار الإنسانية وبكونها ترفض كل مصدر سابق للمعرفة باسم الوحي أو الدين أوالحدس..، والاعتماد على الفلسفة الوضعية وإخضاع الدراسات الإنسانية إلى مناهج العلوم التجريبية و لا ريب أن هذه المناهج لا تؤدي إلى نتائج علمية مستساغة عند تطبيقها على القضايا الإيمانية مثل الوحي والنبوة، و دورهما في حياة البشرية.. (8) فالأبحاث و الدراسات التي أنجزت حول التراث الإسلامي خرجت عن المقتضيات المنطقية و المنهجية العلمية في معالجة النصوص الإسلامية وذلك باعتمادها على مصادر خارجية و عوامل داخلية، بذل المستشرقون جهدا ضخما في تأصيلها باعتبارها مصادر للقرآن الكريم بالرغم أنها لا تصمد أمام النقد الموضوعي و البحث المتأني.. (9) ضمن هذا السياق نشير إلى ما ذكره المستشرق هنري لامانس (Lammens) بأن الرسول عليه السلام اعتنق الوحدانية و آمن بالبعث والحساب ووجد نفسه متفقا في هذه المعتقدات مع اليهودية والمسيحية و أنه مادام ليس هناك سوى اله واحد، فليس هناك إلا وحي الهي واحد، وأنه مدعو لنشر هذه الحقائق بين أبناء جلدته و بلغتهم ..أي صياغة الوحي العالمي باللغة العربية.. (10) ويذهب بعض المستشرقين إلى القول بتأثر القرآن بالمذهب اليعقوبي الذي يقر بالطبيعة البشرية للمسيح، وفي هذا الصدد يرى المستشرق "نولديكه" في دراسته حول المصطلحات الدينية المعروفة لدى أهل الكتاب في الجاهلية و التي أقرها القرآن نتيجة تأثر الإسلام بالعهدين القديم و الجديد. (11) أما المستشرق هوبرث جريم (H.Grimme) فيقول بأن محمد لم يكن في بداية أمره يسعى إلى التبشير بدين جديد وكان هدفه محصورا في إصلاح مجتمعه في مكةومن هنا استخدم فكرة الحساب يوم القيامة كوسيلة للضغط على الأغنياء لقبول خطته الرامية في الإصلاح الاجتماعي.. ويقول المستشرق " منتجمري وات" بأن القرآن يندرج ضمن المؤلفات الناجمة عن الخيال الخلاق. وهذه المؤلفات تستخدم رؤى وصورا للتعبير عما وراء المفاهيم الثقافية الانسانية. (12) ويضيف "وات" بأن الأنبياء و المصلحين الدنيين يشتركون في هذا " الخيال الخلاق" طالما يعبرون، عن القضايا الأكثر عمقاوالمعبرةعن التجارب الإنسانية و يستطرد قائلا: من وجهة نظري هناك خيال خلاق متدفق لدى محمد،وأن أعظم الأفكار الناجمة عن هذا الخيال صحيحة، وعادلة، و لكن ليست كل الأفكار القرآنية صحيحة وعادلة..(!؟) إن "الوحي" أو الخيال الخلاقأسمى من تصرفات الإنسان العادية باعتبارها مصدرا لوقائع تاريخية مجملة. وإن الخيال الخلاق فتح آفاقا عميقة، وأنتج أفكارا ارتبطت بالقضايا الرئيسية للوجود الإنساني، بحيث أصبح دينه يتمتع بجاذبية ليس في زمانه فحسب، ولكن خلال القرون التي تلته.(13) ويذهب "جولد زهير" إلى إنكار الوحي الإلهي طبقا للرؤية الإسلامية ويرى أن ما جاء به النبي العربي ليس سوى مزيجا، منتخبا من معارف وآراء دينية، عرفها واستقاها بسبب اتصالاته بالعناصر اليهودية و المسيحية و غيرها. (14) هذه بعض آراء الغالبية العظمى من المستشرقين حول ظاهرة الوحي و النبوة ومصادرها المفترضة.. وهي في مجملها تفسيرات باطلة و مصادر تفتقر إلى الدليل العلمي الصحيح. وآفة هؤلاء المستشرقين، ضيق الأفق العقلي فهم ينكرون الرسالة النبوية لأنهم لا يقدرون على تصورها في غير الصورة التي يرفضونها لأنها تتماشى في طبائعهم مع شهرة الإنكار التي تتسلط على عقول المسخاء من أدعياء العلم و التفكير.(15) وقبل التطرق إلى المسائل التي تناولها كبار المستشرقين في دراساتهم للقران الكريم، وما أثاروه من قضايا حول مضامين النص القرآني.، وهنا يجب الإشارة إلى مسألة هامة تتعلق بجمع القرآن وترتيبه على قاعدة التواتر الذي اعتبره علماء المنطق وعلماء الكلام وعلماء الأصول، طريقا قاطعا، من طرق النقل والتبليغ للخبر، يجعلهثابتا ثبوت اليقين... وهو ليس راجعا إلىالكثرة ولاإلى عدد معين كما توهم بعض الباحثين، و إنما يرجع حسب تعريف علماء الأصولإلىكونه اتفاق عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب... واستحالة التواطؤ على الكذب لا تأتي من الكثرة العددية و إنما تأتي على اختلاف المبادئ، واختلاف الأفكار واختلاف المصالح، بحيث لا يكون للأطراف المتفق على خبر من الأخبار من المصالح أو من المبادئ ما يتفق مع ما يكون للطرف الآخر، مما يبعد عن الاتفاق قرينة التآمر أو التواطؤ أو الكذب أو الاختلاف.. ذلك هو الذي جعل التواتر طريقا قطعيا من طرق نقل الأخبار، فضلا على أن القرآن الكريم إنما نقل في أصله بالطريق الشفهي أي الحفظ و التلقي اللفظي وشيوع النص على الحفظ... (16) ولابد من التأكيد بأن القرآن هو الكتاب الوحيد بين الكتب السماوية الذي يوجد بلغته الأصلية أي لغة البيئة التي نزل فيها القرآن.. في حين نجد التوراة (العهد القديم) مكتوبة باللغة الآرامية التي هي العبرانية الحديثة، وهي لغة نشأت في القرن الخامس قبل المسيح باختلاط اللغتين الساميتين السريانية والعبرانية القديمة التي تعتبر لغة منقرضة، وبالتالي فنص العهد القديم الآن هو في لغة ليست لغة العصر أوالبيئة التي ترجع إليها أخبار الوحي التي اشتملت عليها كتب العهد القديم في ذلك العصر وتلك البيئة أي العبرانية القديمة،والتوراة الموجودة الآن ليست بالعبرانية القديمة، وهي في لغة منقولة إليها، تترجم عن النص الأصلي، و ليست اللغة التي تكلم بها موسى عليه السلام، إنها لغة لم تكن موجودة بحكم تاريخ اللغات في العصر الذي نزل فيه الوحي على موسى.. أما بالنسبة لكتب العهد الجديد، نجدها بإحدى لغتين إما اللغة السريانية و إما اللغة اليونانية وذلك باختلاف الأناجيل، وكل من هاتين اللغتين، ليست لغة المسيح عليه السلام، وليست لغة البيئة التي ظهرت رسالة المسيح فيها و العصر الذي أتى فيه المسيح بآياته، وبذلك تكون أيضا منقولة إلى لغات أجنبية، عن بيئة الوحي و أجنبية عن بيئة التنزيل، فالمسيح كان يتكلم الآرامية و هي العبرانية المحدثة، في حين أن نصوص الإنجيل لا توجد بالآرامية و إنما بلغتين منقول إليهما مترجمتين عن اللغة الأصلية. (17) من هنا يتضح مدى الخلط الذي وقع فيه بعض المستشرقين الذين قاموا بمقارنات ومقابلات بين القرآن و هو نص أصيل في لغته و لفظه و معناه، وبين نصوص مترجمة أومنقولة أو كتبت بغير لغة صاحب الرسالة. القرآنالعظيم نوهبشأن بالكتب السماويةالأخرى و بين أنها اشتملت على الهدىوالنور وأحكام العبادات و المعاملات.. فإذا وضع القرآن موضع مقارنة موضوعية ، مع كتب الوحي السابقة على علاتها وبعيدا عن المجادلات الدينية، ولجأنا إلى فحص دقيق ودراسة معمقة لأركان الخطاب الديني (أي النص) و هي أربعة: ركن الأسلوب. ركن القصد. ركن طريقة النقل. ركن اللغة.(18) لوجدنا أنالقرآن إمتاز بخصوصيته عن غيره من الكتبالسماوية من زوايا مختلفة تتلخص في ركنين أساسيين اللغة و الفكر. فالقرآن الكريم كتاب أدبي وعقدي بنفس الدرجة. الخطاب القرآني يتميز بكونه كنز من الأفكار التي تتكشف من ثنايا أسلوبه الرفيع، سواء تعلق الأمر بالجانب المعرفي والسلوكي، بهدف بناء منظومة القيم والأخلاق،التي تسمو بالإنسان إلى مراتب الكمال والخير والإصلاح،فالأخلاق مصدر القوة الروحية والنفسية وهي أرفع من القوة الآلية.. فالفضائل المثلى التي يحض عليها القرآن الكريم، هي التي ترتفع الى هذا المصدر وتجري فينسقه.. فالصبر و الصدق و العدل والإحسان و المحاسنة والأمر و الحلم و العفو و هي أمثال الكمال الذي يطلبه لنفسه المؤمن بمصدر هذه الأخلاق المثلى و كلها مما يحمد أن يروض نفسه عليه وان يطلب منه أوفى نصيب يتاح للإنسان من جميل الخصال والأفعال.. (19) إن القرآن برسالته يقصد الإنسان حيث يكون حين يوجه نداءه إلى العقل و الذوق السليم، والشعور النبيل، إنها دعوة عالمية تهدف إلىتطهير العادات،و توضيح العقائد والتقريب بينها و إسقاط الحواجز العنصرية والوطنية، وإحلال قانون الحق والعدل محل قانون القوة الغاشمة. (20) والجدير بالملاحظة في هذا المقام أن الإيضاحات التي قدمناها أردنا أن نمهد بها لقراءات المستشرقين للنص القرآني، خاصة عند المستشرقين من أمثال غوستاف فيل وتيودير نولديكه ورتشارد بيل و بلاشير و جولد زهير ووليام مير وجريم وغيرهم... ولاشك بأن الحروب الصليبية، وحملات التبشير، والتهديد العثماني لأوروبا، كان لها أكبر الأثر في اهتمام المحافل الفكرية بدراسة القرآن، و التعرف على مضمونه.. وكانت صورة الإسلام في أوربا مطبوعة بالطابع التركي،وفي هذا العصر صدرت ترجمة ألمانية للقرآن قام بها "دفيد فريدرش مرغلين(Megerlin)عام 1772 بعنوان الكتاب المقدس التركي،(Dir. Turkische bibel). كان ينظر الى القرآن من منظور الكتاب المقدس، ومقارنته به بحيث كان الهدف من الانكباب على دراسة القرآنأن يدافعوا عن المسيحية وقد حظي القرآن باهتمام كبير من المستشرقين وبدا يكتسب من الدارسين طابعا مميزا.. واعترف ادم مولير (1858-1796) بأن القرآن الكريم كتاب ديني ذا نكهة خاصة وبأنه نشأ نتيجة لخبرة دينية أصيلة يعبر عنها بتأملات، تحرك المشاعر ويتغذى به الملايين الناس، ويهتدون بتعاليمه ولابد انه مستقى من منبع فياض. (21) ووصف الشاعر لألماني غوته Goethe ترجمة مغرلين للقران 1772 بأنها " نتاج تعس" معبرا عن الحاجة الماسة إلى ترجمة أخرى ينجزها شخص مفعم بكل الأحاسيس الشعرية، والنبوية، ويفقه كل ما يختزنه الكتاب من معان و قال في الديوان الشرقي بأن الأثر العظيم الذي تركه القرآن على النفوس، إنما يعود إلى أسلوبه الصارم الرائع.( 22) الهوامش: 1- العقيدة و الشرعية ايجانس جولدزيهر، ترجمة محمد يوسف موسى و آخرون، المركز القومي للترجمة ، ط: 2013/ العنوان الأصلي للكتاب، (محاضرات في الإسلام) ص:4 2- يرجع إلى ترجمة الدكتور أنيس عبد الخالق محمود: المستشرقون للأستاذ جان دي جاك وارد نيرغ، نقلا عن موسوعة الإسلام الطبعة الثانية(Encyclopedia of Islam). 3- د- عبد الرحمان بدوي ، دفاع عن القرآن ضد منتقديه- المدبولي الصغير- ط1، ص: 7. 4- د. حسن عزوزي : آليات المنهج الاستشراقي في الدراسات الإسلامية، ط: 1، 2007، ص: 16-17. 5- د. محمود حمدي زقزوق (الاستشراق و الخلفية الفكرية للصراع الحضاري ) كتاب الأمة، ط: 1، ص: 77. 6- دفاع عن القرآن مصدر سابق، ص: 8 7- د. ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي في الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ، جزء1، دار المدار الإسلامي 2002، ص: 169 8- المصدر السابق، ص:165 9- نفس المصدر السابق، ص: 283 10- نفس المصدر السابق، ص: 270 11- نفس المصدر السابق، ص: 292 12- نفس المصدر السابق، ص: 299 13- نفس المصدر السابق ص: 300 14- نفس المصدر السابق ص: 303 15- عباس محمود العقاد / حقائق الإسلام و أباطيل خصومه دار الكتاب العربي ط:3/ 1966/ص: 389. 16- الشيخ محمد فاضل بن عاشور / ومضات الفكر / الدار العربية للكتاب ط:1/1982 ص: 21 17- المصدر السابق ص: 23 18- المصدر السابق ص: 15 19- عباس العقاد، الفلسفة القرآنية ص: 28. 20- د. محمد عبد الله دراز مدخل إلى القرآن ترجمة محمد عبد العظيم على دار العلم ط: 5، 2003، ص: 15. 21- نولدكيه تاريخ القرآن، نقله إلى العربية جورج تامر منشورات دار الجمل، ط: 1، 2008، ص: X 22- المصدر السابق، ص:XI