كتاب "نزار والتأسيس لنهضة شعرية وفكرية.. ثورة لم تكتمل" الذي صدر مؤخرا للناقد السوري إسماعيل إسماعيل مروة دراسة تحليلية لتحولات الشاعر الكبير نزار قباني عبر رؤية نقدية سلط من خلالها الضوء على كثير من البنى التركيبية والمعنوية لقصائد الشاعر في الفترة الحياتية التي عاشها وسجل على صفحات التاريخ أجمل قصائده التي لم تترك جانبا من جانب الحياة إلا وتطرقت إليه. ورأى الدكتور نبيل طعمة في مقدمته للكتاب أن الباحث مروة بكتابته هذه عن قامة شعرية سورية بهذا الشكل قدم عمل تاريخياً لأجيالنا القادمة وصنع سلماً ممكن الارتقاء عليه وصولاً إلى العطاء الثقافي حيث خاض غمار الشاعر ودخل شعابه مما يدل على قدرة الباحث على استخدام لغة التدوين المؤدية للأصول والفروع المزهرة والمثمرة وهذا إثراء للمكتبة العربية. أما الدكتور مروة فقد بين في كتابه أن الشاعر نزار قباني كان الجراح الماهر الذي استل بمشرطه بادئا باستئصال الدمامل من المجتمع السوري والعربي فكان مؤلماً لأنه لم يستعمل أي نوع من المخدر بل اختار أن يكون مواجهاً وقاسياً ومباشراً فكان صوتنا الداخلي كما أنه دخل إلى نفوسنا وعرفنا ما في داخلها. وأوضح مروة أن نزار قباني استطاع أن يحول مفرداته إلى أدب رفيع وذلك من خلال وصفه عندما كان يلتقط الصورة الفنية الجميلة ليقدمها في ثوب من الأدب الذي يستخرج كوامن النفس الإنسانية التائقة إلى مكامن الجمال. كما رأى مروة أن الشاعر نزار قباني لم يقف موقفاً حيادياً من الحياة الاجتماعية التي كان يراها ويعيش فيها وكان محللاً وناقدا للظواهر الاجتماعية مما دفعه لإنصاف المرأة وتقديم كثير من الصور الاجتماعية التي تخصها سواء كانت إيجابية أم سلبية. وبين مروة أن نزار قباني شاعر صورة وإحساس بالمرتبة الأولى استطاع بما ملك من روءية بصرية عالية أن يرسم لنا صوراً غاية في الغنى عن كل سكنة من سكنات المرأة وهو بذلك يعطيها قيمة وأهمية فلكل حركة لون ونكهة قد لا يستشعرها الآخرون فجاء بصور ملونة كثيراً ما كانت خارجة عن الأعراف كقوله.. “مرحبا يا رداء يا صيحة الطيب وصبحت بالرضي يا رداء يا مريض الخيوط .. يا أصفر الهمس صباحي عليك ورد وماء” . وفي شعر نزار قباني حسب ما جاء في كتاب مروة نجد اختلافاً عند الشاعر في الحب حيث يتصف الغزل بالمباشرة التي تغطيها الشهوة ورغبة الجسد كما يهتم بالتفاصيل الصغيرة إذ تحول الحب عنده من حب للشخص المتكامل إلى حب الأشياء الصغيرة التي لا تعني شيئاً عادة إلا للمحبين فهو يقف عند الضحكة وثوب النوم والخصر والأنامل وأحمر الشفاه والضفيرة كقوله.. قامت إلى قارورة .. محمومة الرحيق طلائها الوردي .. وهج الكرز الفتيق واستلت المبردة من غمد له رقيق ينحت عاج ظفرها المدلل النميق كما وقعت قصيدة نزار قباني تحت تأثير الواقع الاجتماعي المرير فجاءت صوره بشكل يجعل المتلقي متواصلا بشكل عاطفي وإنساني مع النص الذي جاء به نزار هذا ما كان في قصيدته رسالة من امرأة حاقدة التي خذلها الرجل بعد أن أحبته وعاشت في نعيم مواعيده ثم خذلها وذهب إلى غيرها كما يقول في قصيدة حبلى.. ماذا أتبصقني .. والقيء في حلقي يدمرني وأصابع الغثيان تخنقني .. ووريثك المشؤوم في بدني والعار يسحقني .. وحقيقة سوداء تملأني .. هي أنني حبلى ولفت مروة إلى أنه لم يأخذ شاعر ما أخذه نزار قباني من جدل في قضايا المرأة التي تناولها في شعره من منتصف الأربعينات من القرن العشرين وعلى خواتيم هذا القرن لتطوى الصفحة المضيئة من شعرنا العربي الحديث الذي بدأ بمنظومة أخرى ولقد صنع نزار قباني كما جاء في الكتاب من الشام محبوبة لا تدانى وجعل نفسه عابداً في محراب جمالها وقداستها وأخذها من عبق التاريخ والفخار والحضارة ليجعل منها محبوبة متحضرة ويتعشقها بكل تفصيل من تفاصيلها فكانت أشيائها وجمالياتها رموزاً ساهمت في تكوين تعبيره الشعرية ومدلولاتها وهذا موجود في قصيدة دمشق.. فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا .. فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا حبيبتي أنت فاستلقي كأغنية .. على ذراعي ولا تستوضحي السببا. وفي الكتاب تناول مروة مواضيع أخرى بين فيها مواقف نزار قباني من قضايا الأمة إضافة الى نثر نزار قباني الذي يعجز فحول الشعراء أن يأتي بمثله لافتا الى حضور دمشق في أغلب كتاباته بصفتها تشكل جغرافية كبيرة من جغرافية الأدب النزاري. اعتمد الكتاب في قراءته لنزار قباني الرؤية التحليلية الخاصة فابتعدت عن تفكيك البنى التركيبية للنصوص الشعرية التي كتبها الشاعر في مسيرة حياته وذلك بسبب حاجة دراسة نزار قباني ونقده إلى مجلدات قد تأخذ وقتا وزمنا طويلا كما ظهرت عاطفة القارئ الدكتور مروة واضحة في عرضه لبعض النصوص التي كانت بين يديه دون أن يظهر المؤثرات الثقافية التي تجلت في شعره. إلا أن العاطفة الجياشة والثقافة التعبيرية التي يمتلكها مروة عوضت عن الأدوات النقدية مما جعل القراءة شائقة ومثيرة للمشاعر. يذكر أن الكتاب من منشورات دار الشرق للطباعة والنشر يقع في243 من القطع المتوسط.