بسم الله الرحمن الرحيم شن الكيان الصهيوني حربه الحالية (2014) على قطاع غزة و هو يظن أن الظرف مناسب له لإلحاق الهزيمة بالمقاومة . فالمرحلة تشهد تصدعات في أكثر من ساحة من ساحات الربيع العربي ، و مصر المحاذية لفلسطينالمحتلة عرفت انقلابا عسكريا على أول رئيس منتخب ، هذا الانقلاب الذي عمل مع إعلامه المأجور على شيطنة حماس و النيل من المقاومة و التزلف للصهاينة . كما ظن أن قبول حماس بالمصالحة الوطنية ناتج عن الشعور بالضعف بسبب الوضع المصري و العربي العام و التوجهات الإقليمية و الدولية المساندة للكيان الصهيوني و المعادية لكل عمل مقاوم مصر على دحر الاحتلال . لكن المفاجأة كانت صادمة للعدو الصهيوني عندما اكتشف التطور النوعي لسلاح المقاومة و رسوخ إراداتها القوية في مواجهة الإجرام الصهيوني رغم قلة الموارد و الإمكانيات . فمعدات الجيوش العربية التي تنفق عليها مليارات الدولارات و يتم تجديدها بين الحين و الآخر بمليارات الدولارات كذلك قابعة في المخازن و ملايير الدولارات من ثروة الأمة البترولية فضل القائمون عليها صرفها في مواجهة موجات المطالبة بالحرية و الكرامة و الديمقراطية في البلاد العربية و خاصة الدعم الذي تلقاه الانقلابيون في مصر و تجاوز من يوم الانقلاب إلى الآن أكثر من عشرين مليار دولار ! و تبقى غزة جائعة و محاصرة و بدون غطاء أو دواء و تهدم بيوت أصحابها على رؤوسهم تحت أعين و أسماع المجتمع الدولي المتحضر. مشروع أصيل متكامل و فعال يحتضن المقاومة مشروع تربوي و فكري و عملي و نضالي متكامل ، منطلق من الإيمان بالله و التوكل عليه ، ناصر المستضعفين ، و يتجه نحو بناء الإنسان المؤمن على أسس العزة و الكرامة و قوة الإرادة و عدم الرضى بالهوان و الإصرار بكل المتاح الممكن على انتزاع الحقوق و مواجهة الظلم و التصدي للعدوان و على العمل الجماعي الأخوي و على التكافل الأهلي الاجتماعي و على الصبر في كل أبعاده الايجابية و الذي يعني الصبر على طلب الحق و الصبر على مقارعة الطغيان و الصبر على العلم و التعلم و الابتكار . لا الصبر على الظلم و على الجهل ، و لا على تحمل الذل و الهوان ( و لله العزة و لرسوله و للمومنين و لكن المنافقين لا يعلمون ) . و لقد ذكر لي أن شبابا مقاومين أثناء حرب 2008-2009 قضوا أكثر من 10 أيام في الصفوف الأمامية للقطاع في الخنادق صائمين قائمين طعامهم التمر و الماء فقط . حالة نفسية إيجابية قوية وعنيدة و عدو مأزوم مرعوب منطلق المقاومة أنها في حالة دفاع عن النفس و عن الوطن و عن هوية و عن مقدسات في قضية عادلة ضد عدو محتل متغطرس لا يحترم أو يقدر عرفا ولا عهدا في حالة حرب أو سلم . هذا المنطلق يعطي للمقاومة ثقة أكبر في النفس و صبرا على تحمل الشدائد و على منازلة العدو. العدو الصهيوني رغم قوته في العدة و العدد و رغم توفره على التحصينات الحديثة فانه مع ذلك جبان لا يجرؤ على المواجهة المباشرة لأشاوس المقاومة و هذا الامر يجعله دائما يقاتل من وراء جدر ، جدر الدبابات و جدر الطائرات و جدر القباب الحديدية و جدر الخوف و الرعب ... لذا تجده دائما يتجنب المواجهة البرية المباشرة مع رجال المقاومة مما يخلق جوا من الانهزام النفسي لجنود الصهاينة و يعطي زخما مستمرا للمقاومة. '' أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَ0نْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَ0للَّهُ لاَ يَهْدِي 0لْقَوْمَ 0لظَّالِمِينَ '' التوبة. يقظة مستمرة و إبداع يسابق الزمن أعطت المقاومة النموذج الرائع في الأخذ بالأسباب في أدق تفاصيلها , فطورت إمكانياتها بكل ما أتيح لها من علم و إبداع و مواد أولية في ظروف قاسية و قياسية . فالصواريخ التي بلغ مداها أربعين كيلومترا (40) في حرب 2008-2009 تطورت إلى حوالي مائة كيلومترا (100) في حرب 2012 ليصل مداها في الحرب الحالية 2014 إلى أكثر من مائة و عشرين كيلومترا (120) و أصبحت تغطي كامل فلسطين تقريبا ووضعت ستة ملايين إسرائيلي داخل الملاجئ إضافة إلى تسيير طائرات بدون طيار فوق عدة مدن في أراضي 48 و اختراق وسائل الإعلام الصهيونية كتوجيه بعض الرسائل للصهاينة بالعبرية عبر قنواتهم التلفزية . كما عززت المقاومة من وسائل رصدها الإستخباراتية فأصبحت أكثر تحصينا عبر كشف العملاء و الحفاظ على المؤسسات القيادية بعيدة عن الاختراق . مقاومة ناجحة و إدارة مدنية و سياسية ناجحة أيضا أتقنت المقاومة إدارة المعركة مع العدو بشكل مواز و متكامل مع تثبيت الإدارة المدنية الناجحة للقطاع في مختلف مستوياته الخدماتية و العمرانية و الصحية و التعليمية و الإدارية و الأهلية الاجتماعية العامة ... و هذا أمر يدعو إلى التقدير و الإكبار في وضع كالذي يعيشه القطاع من حصار جوي و بري و بحري و من انحياز القوى العالمية الكبرى للكيان الصهيوني و تخاذل عربي مخز . وفقت قوى المقاومة و في قلبها حماس في العمل على تغليب المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني عبر مدها لجسور التواصل مع جميع الهيئات و الفعاليات الفلسطينية و الحرص على الالتقاء إلى أبعد حد على الأسس الجامعة رغم ما يعتري المصالحة الفلسطينية من صعوبات كبيرة خصوصا أثناء المواجهة مع العدو كما يحدث الآن حين يصرح وزير خارجية حكومة الوفاق الفلسطيني أنه من حق الإسرائيليين أن يدافعوا عن أنفسهم و يصرح مندوب فلسطين في الاممالمتحدة بأن إطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني جريمة ضد الإنسانية . على الرغم من أن المطلوب الذي كان يرجى أن تعزز هذه الحكومة وحدتها الداخلية و موقفها تجاه العدو بما تحقق من إنجازات المقاومة. الأمة تسند المقاومة عززت حالة الارتياح العام التي تسود عموم فلسطينالمحتلة و الأوساط الشعبية في العالم العربي و الإسلامي و الأشكال التضامنية السائدة الآن في عدة مناطق وسط الأمة و من قبل عدة جهات من أحرار العالم ، عززت هذه الحالة الجوانب النفسية و المعنوية المندفعة لقوى المقاومة ، كما عززت الشعور القوي بالانتماء العضوي العالمي الواسع الذي يرى في إنجازات المقاومة آمالا مبشرة في ظل الانتكاسات التاريخية للأمة و حالات الإعاقة السائدة الآن في بعض بلدان الربيع العربي . كما تتعزز حالة الإطمئنان العام لجماهير الأمة التي تقف سندا للمقاومة خصوصا من الناحية المادية ، إذ رغم البخل الفظيع للأنظمة الحاكمة في البلدان العربية فإن ما يصل لأيدي المقاومة الأمينة و لقطاع غزة من قبل الأمة يباركه الله عز و جل و يصنع كرامات النصر و الاعتزاز و ترى ثماره الآن في دحر العدو الصهيوني و نشر الرعب بين صفوفه . العمل المؤسساتي الشوري و استقلال القرار السياسي لقوى المقاومة يعتبر الحرص الدائم على المواقف السياسية المستقلة من قبل المقاومة و الحفاظ على مسافة واحدة تجاه أطراف الصراعات المختلفة في الأمة ، يعتبر هذا الأمر عنصر قوة أساسي في بنية العمل الوطني الفلسطيني المقاوم و في تماسكه و في آدائه في الميدان و في مكانته المعتبرة داخل الأمة مما جنبه الإنحرافات الخطيرة التي سقطت فيها بعض الأطراف المقاومة عندما أصبحت ظهيرا لأنظمة مستبدة تقتل شعوبها . العمل الكبير الناجح الآن سواء على مستوى الحركات أو على مستوى الدول هو العمل المؤسساتي الشوري الديمقراطي الحر و النزيه الذي يحترم خيارات و اختيارات مؤسساته و ميزة المقاومة في قطاع غزة أنها لبست هذه الأوصاف و عملت على تجذير روحها في الصفوف و عبر الأجيال . الثبات و الوفاء إن تربية الأجيال على الوفاء لروح المبدأ المؤسس للعمل يقوم بمهام كبرى في رص الصفوف و بعث الإرادات و الحرص على إمضاء الخصال الشريفة البانية المنبثقة من هذا المبدأ جيلا بعد جيل . فما نراه اليوم من إنجازات يمثل ثمرات لما غرسته أيادي الشهيد أحمد ياسين و الشهيد فتحي الشقاقي و إبراهيم المقادمة و عبد العزيز الرنتيسي و غيرهم كثر رحم الله الجميع . إن الأمة الآن في حاجة ماسة إلى أناس أوفياء أقوياء أمناء يغلبون جانب العمل و الإنجاز و الفعل في الواقع بعد إحكام التفكير و التداول و التخطيط اللازم على جوانب كثرة الجدل و القيل و القال و التفريعات المملة التي أنهكت الأمة و ضيعت أوقاتا طويلة من عمرها . باختصار إن المقاومة الآن في قطاع غزة تفري فري سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك عندما قال : ''فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه " ( في صحيح البخاري عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ) يفري أي يعمل العمل بجد و إتقان كبيرين ، و العبقري من الناس هو القمة في القوة و الإبداع و الحذق و الكمال البشري . * مسؤول العلاقات الخارجية لجماعة العدل و الإحسان