سلطت نزهة الوفي، الباحثة في علم الاجتماع وقضايا الهجرة، الضوء في هذا المقال الذي خصت به هسبريس، على الهجرة المغربية بصيغة المؤنث في الخارج عموما، وفي بلدان الخليج خاصة"، مبرزة "ضرورة التعريف بأهم كفاءاتها النسائية المتألقة من الأجيال الجديدة". وشددت النائبة البرلمانية، في مقال خصت به هسبريس، على ضرورة إبراز الوجه الحقيقي للهجرة المغربية بالمؤنث بالخارج أو بالخليج، ومواكبة احتياجاتها وتعزيز التواصل معها، من أجل إدماجها بطرق متجددة لا تستلزم العودة النهائية بالضرورة إلى الوطن". وفيما يلي نص مقال نزهة الوفي كما ورد إلى الجريدة: الهجرة المغربية بالمؤنث: قراءة استشرافية من المعلوم أن الهجرة المغربية بالخارج تعرف متغيرات ديموغرافية وسوسيوثقافية عميقة، ويُعتبر التأنيث المتصاعد واحدا من أهم هذه التحولات، وهو ليس ثمرة للتجمع العائلي فقط، ولكن أيضا نتيجة مسارات وبروز كفاءات نسائية شابة ومستقلة من الأجيال الصاعدة بمواطنة عابرة للقارات,transnationale' تبرز الإحصائيات المعلنة سنة 2012 من طرف مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج أن التشبيب والتأنيث هو في تصاعد مستمر حيث تمثل نسبة الاناث 51 بالمائة من مجموع مغاربة العالم، مع اختلاف وضعهن العائلي ومستواهن الدراسي أو فئاتهن الاجتماعية، وأتاحت لي زياراتي المتكررة للعديد من الدول الاوروبية و للخليج مؤخرا كمجمع للمال والاقتصاد والاستثمار في الفترة الأخيرة ملامسة هذا التحول من بروز كفاءات نسائية من اصل مغربي، كأحد مؤشرات التحولات العميقة والمتنوعة التي يشهدها جسم المغاربة القاطنين بالخارج والذي يتطلب قدرة عالية على التحليل والقراءة لاستيعاب ما يتفاعل داخل هذا الجسم بكل أقطار العالم، بالموازاة مع هذه المتغيرات فإن هناك المحافظة القوية على علاقات وجدانية وعاطفية مع المغرب، يتم التعبير عنها بأشكال متعددة، الاستعداد الكامل للمساهمة بكل الأشكال في الأوراش المفتوحة بالمغرب وعلى كل الأصعدة، العودة المكثفة خلال فترات العطل، ارتفاع المبلغ الاجمالي للتحويلات المالية، انخراط مئات الجمعيات والكفاءات في مشاريع التعاون مع البلد الأصل. هذه المتغيرات خاصة بالنسبة للكفاءات النسائية بالخارج تفيد معطيين: المعطى الأول: أن الصورة النمطية التي رسمها الإعلام عن نساء الخليج هي صورة غير عادلة وغير سليمة، بحيث إننا عاينا كفاءات نسائية عالية متواجدة في مختلف مجالات الاقتصاد والأعمال والاستثمار، وفي مواقع متقدمة ومتميزة تعكس صورة المرأة المغربية التي تتميز أينما كانت وتتفرد عربيا وإقليميا بالقدرة على ولوج سوق الشغل والاستثمار والخبرات الدقيقة منافسة بذلك مواطنات من دول متقدمة جداً، نساء من اصل مغربي أو مغربيات رفعوا كل التحديات الاجتماعية المحيطة بمساراتهم داخل فضاء اجتماعي واسري يعج بالصعوبات. المعطى الثاني بالنسبة للكفاءات النسائية من الأجيال الصاعدة هو أن هناك إعادة انتشار للكفاءات شابة من الجيل الثاني والثالث من مغاربة أوروبا بدول الخليج، فهناك هجرة أخرى لهذه الكفاءات ذات الأصل المغربية من بلدانها التي ترعرعت بها كفرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا إلى دول الخليج، خاصة استجابة للسوق الخليجية ذات الصبغة الاقتصادية الدولية المستقطبة للخبرات. والملاحظ أن نسبة النساء المغربيات المرشحات لهذه للهجرة في تزايد ، على اعتبار الاستثمار في سوق العمل الدولي في وظائف تطالُ كلَّ والمؤهلات يزداد بشكل مستمر وهنا لابد من الإقرار ان بروز هذه الكفاءات يفند الأطروحات الأوربية لأقلية متطرفة مدعية استحالة اندماج الجالية العربية والمسلمة المهاجرة إلى البلدان الأوروبية وولوجها إلى الحياة العامة داخل هذه المجتمعات بسبب دينها وثقافتها. نجاح هذه الكفاءات يفرض على الدولة المغربية اليوم سن سياسات عمومية متناغمة ومؤسسة على الالتقائية بين كل المتدخلين في تدبير قضايا المغاربة القاطنين بالخارج من أجل التخفيف على هذه الأسر التي أهدت للعالم هذه الدرر من الكفاءات النسائية المشرفة للوطن، مما تعانيه من مشاكل في الاندماج التربوي والاجتماعي والثقافي خاصة بعد التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها بلدان الإقامة والتي انعكست سلبا على التركيبة الأسرية للجاليات العربية وباتت تهدد الاستقرار الاجتماعي والنفساني لهذه الشريحة. ثم إن التحوّلات التي يعرفها العالم في هذه المرحلة الحاسمة ، و بخاصة منها التحولات التي تفرضها حركة الهجرة العالمية، باعتبارها إحدى أهم الظواهر المرتبطة بدينامكية الحياة في هذا القرن، قد حولت دول الاستقبال إلى مجتمعات متعددة الثقافات و الأديان، وهو ما أدى الى إنتاج فضاءات مقاومة للنموذج الثقافي الواحد على المستوى العالمي، فبقدر ما ترتب على الاتصال الثقافي من التأثير و التأثر بين شعوب المعمورة ما يفوق عدداً وحجماً ما ترتب على التبادل الاقتصادي والاجتماعي غير المتكافئ، نجد أن المجموعات الثقافية والدينية حاولت فرض تواجد وتجدر عابر للقارات، وهو ما جعل المسؤولين في الغرب يضعون مخططات اجتماعية وثقافية وتربوية، لدمج المواطنين الجدد، خففت من حدة الانكفاء على الذات وما ينتج عنه من تهميش يكون أثره سلبا على الأجيال خاصة في مجال التعليم والولوج إلى الفضاء العام، فضلا على الظرفية الدولية التي تعقدت بعد أحداث 11 سبتمبر، ونتج عنه وضع جملة من التشريعات المتشددة ضد المهاجرين كان له أثر سلبي على الأسر العربية عامة ومنهم المغاربة التي لم تعد تشعر بالأمان في هذه البلدان رغم إقرار مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المهاجرين والسكان الأصليين. ناهيك على آثار الازمة الاقتصادية التي عرفتها الدول الأوروبية من خلال انتشار ظاهرة البطالة بين صفوف المهاجرين وخاصة منهم ذوي الكفاءات المحدودة والمتوسطة، حيث بينت دراسة أجراها المعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية سنة 2009 أن معدل التشغيل بين صفوف الشباب الفرنسي من المهاجرين من شمال إفريقيا أقل بحوالي 20 نقطة من أبناء السكان المحليين، حيث بلغت هذه النسبة 56 بالمائة مقابل 74 للنساء و65 بالمائة مقابل 86 بالمائة للرجال، كما تشير هذه الدراسة إلى أن أهم أسباب صعوبة اندماج الأجيال الجديدة للهجرة في الدورة الاقتصادية يتمثل في التمييز في العمل عند الانتداب وما بعد الانتداب. لعل كل هذه العناصر تجعل بروز ونجاح هذه الكفاءات يرسم ممن ذهب في تاريخ الهجرة المغربية، ثم إن إعادة الانتشار القوية للكفاءات النسائية خاصة بالخليج يعبر عن قدرة كبيرة لرفع التحدي كقطب اقتصادي ومالي يجمع أهم خبرة بشرية بالعالم، ويرمز إلى ارتباط بالأصول وبحث وطيد عن عالم لا تنعت فيه هذه الأصول بالغريبة و.... من أجل إبراز الوجه الحقيقي للهجرة المغربية بالمؤنث بالخارج او بالخليج خاصة كمسار لا يخلو من تحديات ورهانات وللتعريف بهذه الفئة المتنوعة نحتاج الى مواكبة احتياجاتها وتعزيز التواصل معها للتبادل الفكري والعلمي والخبراتي بينها وبين بلدها وتعبئتها، من أجل إدماجها بطرق متجددة لا تستلزم العودة النهائية بالضرورة إلى الوطن وتعريفها بالأوراش الاقتصادية والمعرفية التي يمكن أن تساهم فيها بالطرق الحديثة التي تراها مناسبة خاصة فيما يخص جلب رؤوس الاستثمار الخليجية في إطار التعاون الاستراتيجي بين المملكة المغربية والخليج. فمن واجب إعلامنا العمومي الوطني التعريف بمسار الكفاءات النسائية البارزة من الأجيال الجديدة من أصل مغربي بالخارج أو بالخليج وفتح النقاش حول التحولات المحيطة بها والرهانات الكبيرة، والأسئلة التي تهمهن وتهم انتمائهن المزدوج. وكيف يمكنهن أن يكن فاعلات في التنمية المحلية والوطنية، بل أن هذه المسارات التي تعرفت عليها عن قرب تستحق أن تقدح كمدرسة تقتبس منها دروس كثيرة كنموذج للتفوق في فضاء معقد بالإشكالات الثقافية والاجتماعية المقاومة لبرامج الإدماج الموضوعة من دول الاستقبال جهلا لمبادئ دينهم و ثقافتهم التي تقوم أساسا على مبادئ العدالة الاجتماعية و المساواة المطلقة بين بني البشر والمساواة بين الرجل والمرأة ، ويعود مبعث تلك المقاومة إلى خوف المواطنين المسلمين من الذوبان داخل مجتمعاتهم الجديدة و حرصهم على التمسك بذاتيتهم الثقافية وخصوصيتها الإسلامية المتمركزة على الكثير من التحفظات الخاصة بالأنثى.. وبهذا فنجاح وبروز هذه الكفاءات يجب ان يستحضر كل هذه العناصر المحيطة بوضعيتهن ووضعية النساء بالمهجر حسب معاشهن وتمثلاتهن لمكونات البلد الثقافية وغير ذلك من القضايا. ووجب كذلك الاشتغال على جعلها جسرا جاذبا بينها وبين بلدها الأصلي، وكذلك تسويقها كنموذج ناجح بالنسبة للأجيال المتتالية وجسر بين هؤلاء والوطن العزيز المغرب. ولعل أبرز المطالب التي تقدمت بها الكفاءات النسائية بالخارج هو المطلب التعليمي والثقافي حتى لمواصلة ربط الأجيال الصاعدة بالهوية الحضارية المتنوعة لبلدهم كما يقتصي ذلك الفصل السادس من الدستور، وللمفارقة فالمغرب هو الدولة العربية الوحيدة التي لا تتوفر على مدارس مغربية بالخليج مما يضطر الكثير من الأسر لتدريس أطفالهن بالمدارس التونسية والمصرية وإذا كنا مستوعبين للأهمية الاستراتيجية الشراكة مع الخليج فمن اللازم ان ننظر إلى أهمية انشاء مدارس ومراكز ثقافية مغربية ببلدان الخليج للتعريف بالزخم الحضاري المتميز الذي يتفرد به المغرب، ولكي تكون مدارس المغرب ومراكزه الثقافية تنطق بثقافته المتميزة بتعدديتها والعميقة والمتجذرة في تاريخ وتراث يحق له أن يشع ويبرز ببلدان نتقاسم معها المرجعية الاسلامية والثقافة الصحراوية الغنية، وستساهم كذلك للتعريف بما يشهده المغرب من تحولات على كل المستويات. وما انتهيت إليه رفقة هذه الدرر ذوي التنشئة الأوربية والأصول المغربية المعتزة بأصالتها اللواتي يشعن عملا والتزاما مهنيا عاليا أن الواجب الوطني اليوم يفرض أن يفتح النقاش والتفكير العلمي حول رهانات الهجرات النسائية، وحول المسألة النسائية بالمغرب وبالخارج بشكل عام وفق مقاربة منفتحة على المتغيرات التي يعرفها السياق الدولي، مع تناول موضوعات تستشرف المستقبل تتسم بالتنوع، وتسلط الضوء على الأنماط الجديدة من الهجرات ومن المهاجرات...). ودراسة تلاقي المسارات والحركات من أجل المساواة وكرامة النساء بالداخل والخارج أيًّا كان وضعهن، والذي يختلف حسب بلدان الإقامة، والسياسات العمومية المناسبة لكل بلد، وكل منطقة مستوعبين الوضعيات الجديدة، بهذا سنساهم معية هؤلاء الأمهات، الأسر، الشابات والصانعات لمستقبل مخفف من أورام التطرف والانحلال في وقت يعرف فيه مواطنينا بالخارج تجذرا واضحا، وتشهد تحولات سريعة، وهذا يفرض على الحكومة و المؤسسات المعنية بتدبير الهجرة المغربية إنضاج رؤية وطنية موحدة تتطلب تغييرا جذريا وتحيينا يقارب الإشكالات الجديدة والمعقدة المرتبطة بالهجرة المغربية بشكل عام و النسائية خاصة لمركزيتها ومطالبة ببلورة أجوبة عن أسئلة جديدة تطرحها الأجيال الجديدة والتحولات العميقة تستهدف القضايا الحقيقية للمغربيات والمغاربة بالخارج في بعدها القانوني الحقوقي والثقافي والاجتماعي والسياسي.