قدماء المحاربين المغاربة بالفيتنام بين التهميش فرنسيا والتسول مغربيا حرب لاندوشين أو حرب الفيتنام كانت نزاعا بين جمهورية فيتنام الديمقراطية (فيتنام الشمالية)، المتحالفة مع جبهة التحرير الوطنية، ضد جمهورية فيتنام (فيتنام الجنوبية) مع حلفائها (وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا إحداهم بين سنتي 1956 و 1973. بدأت الحرب في 1956وانتهت في 1975وفي عام 1957م بدأت قوات الفيت منه في الجنوب في التمرد على حكومة ديم، وقد عُرف هؤلاء بالفيت كونغ، وفي عام 1959م أعلنت فيتنام الشمالية تأييدها لهذه الفئة وأمرتها بشن كفاح شامل ضد حكومتها، سنة 1960م شكل الثوار جبهة التحرير الوطنية التي أوكلت إليها مهمة قيادة الثورة، ورويداً رويداً تشعبت الحرب وازدادت ضراوة، وفي الخمسينيات كانت الولاياتالمتحدة قد شرعت في إرسال مستشارين مدنيين وعسكريين لفيتنام الجنوبية، وبحلول عام 1965م بدأت في إرسال قوات عسكرية وشن غارات جوية على فيتنام الشمالية حيث إستمر التورط الأمريكي في هذه الحرب حتى عام 1973م بعد أن سحبت فرنسا جنودها وفيالقها المسماة " الكوم" بشكل مفاجئ حيث تكبدت خسائر كبيرة في العدة والعتاد، وللإشارة فإن فرنسا إستعانت بجنود مغاربة وصل تعدادهم كما ذكرت مصادر إلى أزيد من 28 ألف جندي وهو ما تنفيه دوما السلطات الفرنسية، أغلبهم أقتيد عنوة لتلك الحرب ولم تكن أعمارهم تتجاوز حينئذ السابعة عشر سنة، وهو ما إكتشفناه عند حديثنا مع العديد من قدماء المحاربين بالفيتنام ونحن ننجز هذا الروبورطاج ل "هيسبريس " في جولتنا بمناطق الأطلس المتوسط والكبير. منذ سنة 1958 وإلى الآن مرت أكثر من خمسين سنة على إنتهاء رحى الحرب الفيتنامية الأمريكية التي شارك فيها المغاربة إلى جانب فرنسا حليفة أمريكا آنذاك مرغمين، دون أن يحقق قدماء المحاربين أي إمتياز يذكر، خصوصا الذين كانوا ينتمون إلى مناطق يصعب على الإنسان بها معرفة ما يجري ويدور في هذا العالم الذي يحكى بأنه أصبح قرية صغيرة. " هسبريس" زارت العديد من هؤلاء في جماعة أيت اعتاب النائية وبقرى أخرى تابعة إداريا لإقليم أزيلال، فكانت الحكاية أكبر من مسلسل لا تنتهي فصوله بكل سهولة.... في إنتظار موغا تردد النساء في الكثير من حفلات الزواج أو العقيقة بقرى الأطلس المتوسط، أغنية "جاء موغا فأخد البلار وترك حياتي" وهي إشارة إلى معمر فرنسي كان يقطن بإحدى السهول القريبة من إقليم أزيلال، الذي أخد حسب ما يأتي على لسان النسوة " البلار" كناية إلى شبان المنطقة العظماء الذين أخدهم الإستعمار الفرنسي بقيادة المعمر" موغا " وترك "حياتي" التي تعني الشيوخ المسنين والعجزة في تلك الدواوير المنتشرة بجماعة ايت اعتاب والذي لا يحمل قدومه إلى المنطقة حينذاك فألا حسنا على العديد من الأسر التي حرمت ولا تزال من أبناءها، بعد أن زج بهم في صفوف المحاربين إلى جانب الفرنسيين، كما تحكي "ماما نجمة" السيدة التي فقدت أثار إبنها إلى الآن. "لقد أخد المستعمر رجال صنعوا بهم تاريخهم في كل المجالات فلما عادوا وجدوا أن حالهم ذهب أدراج الرياح بل ولم يعد من يقدم لهم حتى نصيحة ما يفعلون لكسب قوت يومهم في بلاد تركوها مرغما عنهم، تركوها شبابا وعادوا إليها شيبا - يحكي موحى اوباسو- أحد شيوخ المنطقة، فأصبحوا بذلك كمثل بقايا صور حيث بقي الإهمال والنسيان حليفهم إلى اليوم كما ترون. هذا حال العديد من قدماء المحاربين المغاربة بالفيتنام ينتظرون الإنقراض كلما حلت هذه الذكرى الأليمة في مخيلاتهم، ليصبحوا في غضون سنوات قليلة مجرد حكايات لملئ ثغرات التاريخ الذي لم يرحمهم في حياتهم ، فكيف سيكون حال أسرهم في مماتهم؟ خصوصا بعدما إستولى "آل ساركوزي" على السلطة السياسية والثقافية في دولة حاربنا من أجل أن يقال لها " دولة فرنسا العظمى" حسب ما صرح به "محماد" أحد أبناء مشارك سابق في تلك الحرب. إن ثقافة النسيان قد سيطرت على ذاكرة فرنسا ، فمشاركة المغاربة في الحرب الفيتنامية لم تحض بما فيه الكفاية من الدراسة سواء من طرف الأجانب أو المغاربة، نظرا لصعوبة البحث في الموضوع، حيث أن مجمل المصادر هي عبارة عن تحليل عسكري للأحداث أو عبارة عن بيوغرافيا للجندي المغربي منذ إلتحاقه بصفوف الجيش وخروجه عن طريق : الوفاة ، الإعفاء، التقاعد أو الإندماج في صفوف القوات المسلحة الملكية ( ممن ساعفهم الحظ طبعا) وهذا ما جعل قدماء المحاربين المغاربة بالفيتنام بالإضافة إلى تهميشهم ماديا ، يتعرضون للمسخ والتشويه وتلطيخ سمعتهم أكاديميا ، فما أن وضعت الحرب أوزارها سنة 1958 حتى بدأت معانات هؤلاء مع الحكومة الفرنسية آنذاك التي أنهكت الحرب قدراتها في جميع المجالات، دون أن يتم التفكير في أمر صرف تعويضات لهم، وفي هذا الصدد صرح العديد ممن إلتقتهم " هيسبريس " بأنهم عاشوا لحظات عصيبة حين يهم أحدهم بالمطالبة بتعويضات كانت في ذمة السلطات الفرنسية مباشرة بعد التحاقه لقضاء عطلته بمعية أفراد أسرته الأمر الذي جعل بعض الجنود يقتادون مباشرة إلى السجن ، ويلاحظ من خلال البرامج الوثائقية والأفلام السينمائية أو في جميع الوسائل السمعية البصرية الفرنسية، تهميشا وتجاهلا للدور الفاعل للجنود المغاربة في حرب الفيتنام، التي تكبدوا فيها كل أنواع الهزائم بصدر يتمزق ألما ويعتصر زخما من المعانات حاملين وإلى اليوم شكواهم في جميع الحالات إلى الحل الذي قد لا يأتي... الحلم فقط بثمن الكفن يعيش قدماء المحاربين المغاربة بالفيتنام والذين ينتمي العديد منهم إلى مناطق مهمشة بإقليم أزيلال في فقر مدقع لأن أغلبهم لا يزالون يسكنون في دواوير وقرى لم تصلها لا الكهرباء ولا الطرق بعد، ومن جماعة أيت اعتاب نقلنا جزءا من معانات وحكايات هؤلاء. ايت اعتاب القرية التي غادرها أكثر من 500 جندي مغربي حسب إحصائيات غير رسمية رغما عنهم، أكبرهم سنا لم يكن يتجاوز حسب شهادات إستقيناها من بعض " الشيوخ " الجنود القدامى سن السادسة عشر، إقتادهم الجنود الفرنسيون من عتبات أبواب منازلهم و من الحقول القريبة من سكناهم ومن أمام أسرهم، اليوم لم يتبق من هؤلاء الجنود سوى خمسة شيوخ تراهم كل ستة أشهر يفترشون الأرض قرب ساحة البريد المحلي بتاونزة أو بالكاراج، لعلهم ينعمون ببعض الريالات التي كتبوا من أجلها آلاف الطلبات وحرروا ملايين الرسائل دون أن تشفع دموع جاك شيراك وهو يشاهد أول فيلم سينمائي عن تلك الحرب شارك فيه الممثل المغربي جمال الدبوز في إيجاد حل سريع ومقنع لهؤلاء المحاربين. فعلى مستوى هذا المعاش الذي يتلقونه كل نصف سنة بدأ منذ حوالي ثلاث سنوات تقريبا بطريقة غريبة يحكي محند نيكنان - أحد قدماء المحاربين بالفيتنام - نأتي كل ستة أشهر ونأخذ 6000 ريال خلال شهري يناير ويونيو، وهذا يعني أن راتبنا يتجاوز كما ترى 30 ريال في اليوم الواحد، ويضيف: الحمد لله أظن أننا دخلنا كتاب غينيس للأرقام القياسية بهذا الراتب اليومي المحتشم، وبجانبه يقف شيخ آخر شارك بدوره في تلك الحرب ليضيف مستهزئا : لم نكن سوى أكباش فداء بيع واشتري فينا بثمن بخس، وها نحن نجتر مأساتنا مشوهين معطوبين يظل الواحد منا يترقب كل ستة أشهر ليتقاضى ما لا يكفيه لشراء كفنه. وجميع هؤلاء المحاربين لا يتوفرون كما يدعي بعض المسئولون المغاربة على تغطية صحية تسمح لهم بإجراء فحوصات طبية وعمليات جراحية، خصوصا وأن أغلبهم مع تقدم العمر، أصبحوا يعانون من أمراض مزمنة سببتها الظروف الصعبة والجروح التي أصيبوا بها خلال الحرب الفيتنامية، ومع ذلك رفضت جميع طلباتهم من أجل العلاج بدعوى أن القانون الفرنسي لا يشملهم بهذا الشأن، بل وأكثر من ذلك هناك ردود من القنصلية الفرنسية بالدار البيضاء على تلك الطلبات تحتوي على قسيمة لدفع أكثر من 1000 أورو يدفعها المعني بالأمر لكي تنجز له بطاقة صحية،وقد استغرب البعض من مثل هذا التصرف وأرجعوه إلى أن القيمين على ذلك يعرفون فقط لغة الضحك على الذقون، حيث أن الكثير ممن تبقى من قدماء المحاربين بالفيتنام ينتمون لفئات فقيرة لا تعرف سوى البحث عن لقمة عيش مضمونة عملهم يتأرجح ما بين قطع الأشجار وبين بيع مكنسات الدوم لإعالة أسر تتكون من ست إلى ثمان أفراد، كما هو الحال السيد محند نيكنان الذي يحمل بين ذراعيه ابنه البالغ من العمر أربع سنوات وهو يحدثنا : لقد سئمت تكاليف الحياة وندمت على كل رصاصة واحدة أطلقتها من بندقيتي وأشهرتها في وجه شعب أحب الموت على أرضه على أن يسلمها للفرنسيين أو الأمريكان، ومن معهم من الحلفاء الغزاة، لم نكن نترجى هذه الحالة،طرقنا جميع الأبواب فكان الجواب إنتظروا ... إلى متى؟؟؟ نبش في واقع مؤثر لمحارب: إن حكايات أبي عن لاندوشين يقول احد أبناء محند نيكنان عبد الفتاح عندما كنا صغارا تشبه عربون أمل يمدنه إلينا وكأننا بمشاركته في تلك الحرب ستغير حالنا في يوم من الأيام وسيتغير حالنا أما بعد فوات كل هذه المدة أقول بكل صراحة للعالم : ياعالم لقد بهدلتنا فرنسا وبهدلت آباؤنا الذين كانوا جنودا لبوا نداءا لم يكتب لهم إلا بمداد القمع ومادامت تقويسة ظهر أبي هكذا فإننا سوف لن نحمل المسؤولية إلا للحكومة المغربية والمعنيين بهذا الشأن على اعتبار أنهم هم من كان بإمكانهم المطالبة بتعويضات للشيوخ الذين تراهم اليوم هنا . كان بودنا أن ننقل تفاصيل حكايات أبناء الجنود المغاربة القدامى بالفيتنام أو لاندوشين كما يحلو لهم تسميتها إن صفحات وصفحات لن تكفي ل كتابة روايات هؤلاء ومحنة البؤس التي لا يزالوا يعيشون إيقاعها وما إن تسمع احدهم ينبس ببنت شفة ، حتى تتأكد بان النسيان قد طال شريحة من المجتمع المغربي شريحة لا تعرف حتى الحديث بالعربية الدارجة لكنك يمكن أن تسمع من أفواههم كلمات بفرنسية واضحة قفز احدهم من مكانه فعاتب بصوت مرتفع وسائل الأعلام الوطنية التي بدورها نسيت معاناتهم أليس بالأحرى توطين هوية حقيقية لدى هؤلاء يقوا احدهم نريد رويدا نقلة نوعية من الفقر المدقع إلى الواقع الذي يبادر الواحد منا إلى دخول غماره وترى اذرع العديد من قدماء المحاربين الذين التقيناهم وقد كتبت واكتويت بصباغ زرقاء داكنة علامة تدل على أنهم قضوا ما تيسر من السجن علامات وشم زرقاء تشي بكون هؤلاء تعرضوا للاهانة تلك العلامات التي ما إن تقدم على محاولة تعريتها تعري واحدا من ذراعه حتى يرفض على الفور مخافة أن تلومه رجولته كلما نظر إلى الخلف ويقول في قرارة نفسه ربما يا ليتني لم ادفن أحدا في رمد العاصمة الفيتنامية هانوي أو سايكون اللتان وقفتا على أرجل لم تتصدع بمرور الأمريكان والجنود المغاربة من هناك. الحل الموعود لعله وبفعل صعوبة تغيير القانون المنظم لمعاشات قدماء المحاربين المغاربة بالفيتنام، يبقى النظر إلى وضعيتهم المأساوية بصفة إنسانية هو السبيل الوحيد لرد الإعتبار لهم، فقضية الزيادة في معاشاتهم وصرف تعويضات صحية مهمة لهم تبقى بدون معنى بسبب وفاة الأغلبية القصوى منهم ، وفي هذا السياق نفتح قوسا لنشير إلى أن القانون الفرنسي في زيادة قيمة معاشات قدماء المحاربين المغاربة يبقى دون الطموح ، إذا لم يأخذ بعين الإعتبار القيمة الإجمالية للراتب والذي يظم بالإضافة إلى المعاش ، التعويض عن الميدالية " الورقية " طبعا التي نالها البعض من المحاربين في ساحة لاندوشين جراء مشاركتهم في" القذف نيشان " كما يحلو لناصر نايت واحمان أن يسميها . والكثير ممن تبقى من هؤلاء لا يزالون يحتفظون بميداليات حربية على شكل شهادات وطوابع لا تغن من جوع يضيف احد المقاومين، لهذا فالاهتمام بأراملهم وأبناءهم هو السبيل الوحيد لضمان عيش كريم، وذلك عن طريق تعويض الأرامل بقيمة مالية محترمة تمكنهم من انجاز مشروع يضمن لهم القوت اليومي ، أما بالنسبة للأولاد أو الأحفاد فيمكن أن تعطى لهم مثلا فرص الاستفادة من تأشيرات الدخول إلى التراب الفرنسي من أجل العمل أو على الأقل الإستفادة من عقود العمل الموسمية التي توفرها السلطات الفرنسية كل سنة في هذا الصدد. روح الجنود المغاربة بالفيتنام هو ذلك الأثر الذي ينطبع بسرعة في الدماغ ويحرك فيك كل الذاكرة المدفونة والذي تناستها مداخل قنصليات فرنسا بالدار البيضاء والرباط وطنجة واغادير وغيرها من المدن التي يهم بإيلاجها كل محارب فيتنامي القرن الماضي عندما يستسيغ كلاما قيل له عن وجود خير إذا تقدم بطلب الحصول على التعويض ولمن ساعفهم الحظ في الحصول على وثائق بين سرداب بيته المتواضع أما الذاكرة لدى هؤلاء فتختزن مجلدات أيام قاسية بالاذغال الأسيوية إبان حرب الفيتنام.