أكاد أشعر بمزيج من الشفقة والرأفة على هؤلاء المتطوعين من أجل نصرة النيني ولسان حاله المسعور المساء. أشعر بالشفقة لأنهم يتحملون مشاق لاتطاق على قدراتهم الفكرية من أجل فبركة حجج من التفاهة التي تعطي رغبة في القيئ. حجج باردة أعيد تسخينها مرارا إلى درجة أن حتى الكلاب عافتها، وحجج من كثرة الإستعارة والتداول تدنت أسهمها في برصة الكلام الفارغ .كل هذا من أجل البصق في قصعة سيكونون هم من سيتناولون عصيدتها الساخنة ولو أنهم لن يتجرؤن على وضع أصابعهم فيها من كثرة خوفهم وضعف جرأتهم . وعندما أرى أن المتداولين يضعون أنفسهم في خانة المثقفين،ويتصنفون فيما بينهم بالنخبة ، من باب "ادفع ليا ندفع لك". تماما كما يصنف قراء القرآن في المقابر بعضهم لبعض بالفقهاء، فإن هذا يجعلني أقلق على سمعة المثقفين في مغربنا الحبيب. أعترف أنني عانيت الكثير لأقرءا كل هذه التفاهات وكأنني أتجرع كأس خليط مر من فواكه لم تجنى وإنما جمعتها زمرة النيني من تحت الشجرة بعد أن تساقطت. إن قطف الفواكه الطازجة ليس بمقدور من يعيش دوما بين الحفر. ضرب وبكى، سبق واشتكى ولعل أول هذه الأكاذيب هي قلب الحقائق، فلباطرون المساء قدرة فائقة على قلب الأدوار. فبعد أن سرج النيني بغلته وتسلح بقلم ذخيرته الكذب والبهتان والحقد، سار على رأس جيش من أزلامه ،و دخل حربا، بل هجوما باسم الأخلاق والمبادئ الظلامية على مواطن بريء إلا مما لفقه له عبدة الظلامية والرجعية من تهم لست قاضيا حتى أحكم عليها. ولما غالى في ظلمه وارتفعت أصوات الإدانة طلع علينا النيني بدموعه يشكو من حملة شرسة ضده. ولربما أن هذا ما أوحى عليه فكرة "العالم بالمقلوب". تضامننا مع الأستاذ الصايل يتلخص في توقيع عريضة وكلمة هنا وهناك حسب ما أعطينا من حيز. من هو الهاجم المعتدي، هل من يكتب فيما أعطي له أم من يمتهن الكتابة وفي خدمته ترسانة إعلامية؟ وحتى يضفي على اعتدائه الإيديولوجي هذا ضربا من الشرعية، قاده تحت ذريعة ما سماه بهدر أموال الشعب. وحتى وإن بدت هذه الطريقة مكيافيلية فإنها لم تتمخض داخل جمجمة النيني بل ليست سوى قدرته الباهرة على استنساخ أفكار الآخرين. إن ذريعة سلاح الدمار الشامل "عاقو بها القومان." قد يلاحظ معي كل من قراء تعليقات النيني وأنصاره أن جلها إن لم أقل كلها تمر مر الكرام على قضية مايسمونه ب "هدر أموال الشعب" لتدخل في صلب الموضوع و لتصب جام حقدها على ما آلت إليه السينما المغربية التي أخرجت، في ظرف وجيز، من سينما العصور الوسطى إلى سنيما الأنوار والعالمية والمهرجانات الدولية والجوائز المشرفة. إن داخل النيني وأتباعه، بالرغم من هيئتهم الأوروبية، يقبع ملتح بلباس أفغاني يحمل في يده سوطا وسيفا. فلولا الأقدار التي جعلت من بلدنا متنفسا ديمقراطيا لكانت الأفلام من المحرمات ولأغلق ماتبقى من قاعاتنا ولدمرت كل صحوننا الهوائية ولأجبرونا على أكل أقراصنا المدمجة. كان عليكم، لو كنتم تملكون جزءا يسيرا من الشجاعة أن "تخرجوا ليها نيشان" وتعلنونها حربا جهادية بدل اللف حول القصعة الخاوية. إنه الجبن بعينيه أن تتذرعوا بالمال العام لتطعنوا شخصا في عرضه وحرمه وفي حياته الشخصية وطريقة عمله. إن الدفاع عن أموال الشعب ليس حكرا عليكم وليس لكم أدنى وصاية عليها. عندما أسمعكم تتحدثون عن أفلام ماتسمونها بالخلاعة والعري أفهم من حديثكم أنكم شاهدتموها أو "غير عاودو ليكم"'؟ لا أحد أجبركم على مشاهدتها ولم نحشركم بسيوفنا داخل القاعات وما جلدنا أحدا في الساحات العمومية لأنه تخلف عن موعد بتها كما يفعل حلفائكم الطالبان لمن تخلف عن موعد الصلاة أو ضبط بحوزته كتابا أو قرصا مدمجا. أن تشاهد فيلما معناه أنك نويت مشاهدته وتحريت في موضوعه ومخرجه وممثليه وأن تصطف مع الناس و تؤدي بطاقتك. إنها نعمة الحرية التي أنتم أعداء لها. فكرة أخرى تروجونها وتتداولونها وتتبنوها بالإجماع وهي أن كل من وقع على عريضة التضامن مع مدير المركز السينمائي المغربي إلا وهو مرتزق ولم يقم بذلك إلا ردا للجميل لأنه أكل حراما من المال العام. لقد كنت من أوائل الموقعين على عريضة التضامن مع المساء حينما صدر حكم الإعدام في حقها وما فعلت ذلك إلا بقناعتي بوقوفي ضد الظلم والحيف الذي طال أحد ركائز المشهد الإعلامي المغربي وليس من أجل نقب فتات من أيدي النيني. أنا كموقع على هذه العريضة التضامنية أشعر بإهانة وبصق على كرامتي وسمعتي، أنا الذي أعيش في المهجر مند ثلاثة عقود ونيف لم ألتقي أي سينمائي مغربي قط ولا حتى ممثل واحد وإن مواكبتي للأحداث تتم عبر الإعلاميات فقط. إن كنتم أخطأتم في حقي، وهدا لوحده كاف بأن أقاضيكم، فإنكم أخطئتم بدون شك في حق كل موقعي العريضة. بفعلكم هذا تقايضون ما تبقى لكم من شرعية. إن أخطأتم في شخص واحد معناه أنكم غير متأكدين من معلوماتكم وبالتالي فإنكم باتهاماتكم تخبطون خبط عشواء فمنا من أصيب ومنا من ينتظر وما أفزعتنا اتهاماتكم الخبيثة. كم ستكونون مخلصين لأنفسكم لو قلتم علانية أن رموز الحرية والمعاصرة ترعبكم، ولها العداء تكنون، وباسم أخلاقكم انتم لها متربصون. وكم ستكونون أوفياء للديمقراطية لو لم تنصبوا أنفسكم قضاة وتصدرون أحكاما على الناس بدل ترك المسألة لأصحابها. إن عهد بلاد السيبة ولى وإن المحاكم مفتوحة أبوابها لكل من تضرر.