لم نكن ننتظر يوما ما أن نجري حوارا مع الأستاذ المناضل والمفكر السياسي والأمين العام لحزب البديل الحضاري المصطفى المعتصم ، في مثل هذه الظروف حيث الاعتقال والإضراب عن الطعام . بالرغم من العياء والإنهاك الجسدي أبى الأستاذ المناضل إلا أن يلبي دعوتنا لإجراء حوار خاص مع موقع "هسبرس" ، حيث تطرقتا إلى قرار الإضراب عن الطعام وأفاق حزب البديل الحضاري بعد الحل ومال تجربة الإسلام الديمقراطي بالمغرب . مع الإشارة إلى أن الحوار أُجري قبل قرار الأستاذ المعتصم وإخوانه في المعتقل تعليق إضرابهم عن الطعام كحسن نية من جهتهم لأجل تحقيق شروط محاكمتهم العادلة. من هو المصطفى المعتصم؟ من مواليد 1954 بالدار بيضاء مواطن مغربي بسيط عاش و تربى في وسط فقير و نشأ في الأحياء الشعبية للدار البيضاء وبالتحديد في درب السلطان القريعة أستاذ جامعي في مادة الجيولوجيا بالمدرسة العليا للأساتذة بالدار البيضاء متزوج وأب لأربعة أطفال: عبد السلام ،زينب، سمية، ومحمد . شغلت منصب أمين عام حزب البديل الحضاري منذ تأسيسه إلى اليوم. بعد خروج نجيبي كيف ترون هذا الملف ؟ تماما كما كنت أراه عند اعتقالي. ملف مفبرك سيناريو ردئ النص والإخراج . هذا الملف كما قلت ولا زلت أقول يأتي في صيرورة إعادة ترتيب الساحة السياسية المغربية. على أساس تحالفات وتكتلات وعلى أساس تجميع السياسيين المغاربة حول "المشروع الديمقراطي" الحداثي. وحيث أن حزب البديل الحضاري مؤسس القطب الديمقراطي مع فعاليات يسارية و أخرى أمازيغية قد استعصى على التصنيف والترتيب وللحيلولة دون أن يقوم هذا الحزب بخلط الأوراق من خلال تحالفاتمع مكونات حزبية يسارية، فقد كان لزاما إيداعي وأخي محمد الأمين الركالة في السجن وحل حزب البديل الحضاري . اليوم هذا الملف و ملفات أخرى شغلت الرأي العام المحلي والدولي وأساءت كثيرا إلى سمعة المغرب وأضرت كثيرا بمصالحه وبقضاياه المصيرية كقضية الوحدة الترابية. أصبح لزاما الابتعاد عن هذا النهج الذي قاد المغرب إلى المأزق والانسداد و ليس أمامنا من حل سوى بتحقيق انفراج سياسي و حقوقي والعودة إلى المصالحة الوطنية ورد الاعتبار إلى المتضررين و الضحايا والعودة إلى سياق الانتقال إلى الديمقراطية الذي تعطل في السنوات الأخيرة. وصدقا لا أتوقع حلا قضائيا للملف بعدما انسحبنا من المحكمة وانسحب دفاعنا فانا لا أنتظر الكثير من قضاء يجمع الكل على فساده و خضوعه للتعليمات. الحل في مثل هذه الحالات: حالتنا وحالة ملفات أخرى لن يكون إلا سياسيا وبقرار من أعلى سلطة في البلاد. لماذا لجأتم للإضراب عن الطعام و هل استنفدتم كل الوسائل المشروعة؟ نعم استنفدنا نحن ومحامونا كل الوسائل المشروعة من أجل الحصول على محاكمة عادلة لإحقاق الحق و إزهاق الباطل. وحينما اخترنا خيار الإضراب المفتوح عن الطعام كنا نعرف أن الخطوة التي نحن بصدد الإقبال عليها خطوة انعكاساتها ستكون خطيرة. أولا خطيرة على سلامة أبداننا . فنحن مصرون على الإضراب عن الطعام و لو أدى ذلك إلى الشهادة.كما أن له انعكاسات سلبية على زوجاتنا و على أولادنا و عائلاتنا و إخواننا و أصدقائنا. ولكن الأهم أن له انعكاسات سلبية على سمعة البلاد خصوصا في هذه اللحظة التاريخية و العصيبة التي تمرمنها قضية وحدتنا الترابية. ولكن ما العمل صبرنا سنتين على الظلم والاعتداء على حريتنا و كنا دائما نتوقع أن يجد أولائك الذين ورطونا وورطوا المغرب في هذه الورطة حلا لهذه القضية من خلال توفير شروط محاكمة عادلة كانت كفيلة بتبرئتنا وإعادة الاعتبار إلينا، ولكن كلما رأينا سرابا بقيعة نظنه ماء نكتشف أنه السراب والوهم، لم يعد مقبولا باسم حب الوطن أن نقبل بالمهانة و الذل والمس بالكرامة والمعاملة معاملة العبيد. كنتم من المتحمسين للانتقال الديمقراطي والمتفائلين بالعهد الجديد فهل ما زلتم عند هذه القناعة؟ كنت ولا زلت متحمسا. وليس سجن 25 شهرا وتوقيفي عن عملي وحصاري ماديا وتشويه سمعتي ومحاكمتي محاكمة ظالمة وفق تعليمات، أقول ليس مثل هذه الأمور هي من سيبدل قناعاتي الراسخة. أكثر من هذا ازددت قناعة بأن الخيار الديمقراطي هو الخيار و أقول الخيار الوحيد أمامنا. و لنكن واقعيين ولنقارن بين المرحلة التي كنا نتقدم فيها في حقوق الإنسان و الحريات العامة ونعيش توسيع هوامش ديمقراطية. كانت سمعة المغرب في الأوج باعتبارها البلد العربي الأكثر ديمقراطية (كل شيء نسبي) و حينما اقترح المغرب حكما ذاتيا للصحراء وجد صدا عالميا (أنظر سمعة بلادنا حينها) استطاع المغرب أن يراهن على حصوله على الوضع المتميز في علاقته مع الإتحاد الأوروبي . عندما عرقل مسار التحول إلى الديمقراطية وعدنا إلى زمن الرصاص الجديد القديم ماذا حصل؟ و أنا في السجن وكنت أعرف أن أحكاما ظالمة ستنطق. وجهت في الكلمة الأخيرة نداء الأمل من أجل ثورة ملك وشعب ثانية. بعد اعتقالكم مباشرة ، تم حل حزب البديل الحضاري الذي يمثل الإسلاميين الديمقراطيين بالمغرب فهل دخل هذا التيار مرحلة الاحتضار أم انه منعطف جديد ؟ لا قيمة لأي تجربة تنتهي لأن أمينها العام اعتقل لسنتين بمعية ناطقها الرسمي و حل الحزب بقرار إداري غير قانوني و غير معلل أعطوني تجربة سياسية ناجحة في العالم لم تعاني معيقات وواجهتها صعوبات وتعرضت للمحن أليس يقول الله سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: "أ.ل.م أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتون، و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" القول باحتضار حزب إسلامي ديمقراطي وسطي متحضر بهذه السهولة معناه أننا كنا في حزب البديل الحضاري كمن وصفهم الله عز وجل بالكاذبين. الضربة التي لا تقسم ظهرك تقويك كما كان يقول عمرالمختار رحمه الله فبإصرار الرجال تنتصر المبادئ و تعيش. يجب الاعتراف أننا حينما اخترنا الخيار الديمقراطي لم نختر الخيار السهل في بلد ما زال فيه لقلاع الفساد نفوذ كبير. انتم من المفكرين الإسلاميين المعروفين بالنقد والنقد الذاتي فهل قمتم بنقد ذاتي لتجربة البديل الحضاري؟ كنا في بداية التجربة الحزبية و ككل بداية كانت صعبة جدا و لكن بالرغم من قلة الإمكانيات والعون والأطر استطعنا بين شتنبر 2006 و شتنبر 2007 أن نبني قواعد بناء تنظيمي واعد و ربما هذه من الأشياء التي أخافت خصومنا. إننا خلال هذه السنة التي كانت انتخابية اهتم فيها غيرنا بالبحث عن أعيان و أشخاص يدخلونهم للبرلمان و يقوون بهم أعداد ممثليهم في هذه الهيأة كنا نقطع المغرب أنا و أخي محمد الأمين الركالة من شماله إلى جنوبه و من شرقه إلى غربه لوضع لبنات هذا التنظيم وتخيل أننا في شتنبر 2006 كان لنا مكتب جهوي واحد و في شتنبر 2007 أصبح لدينا 34 مكتب جهوي ومحلي. أقول هذا ولا أنفي أننا كنا نفتقد إلى الكثير من المقومات لبناء حزب قوي قادر على رفع التحديات و مواجهة أسئلة الواقع كما يجب. هذا وقفنا عليه في آخر لقاء لبرلمان الحزب الذي انعقد أيام 15-16-17 فبراير 2008 و كان يمكن أن يكون انطلاقة حقيقية لنا لكن في 18 فبراير سنعتقل و يوم 19 سيحل الحزب بشكل غير قانوني. ولكن بكل موضوعية إذا وازنا بين الإمكانيات و الإنجازات فيمكن أن أقول أن الحصيلة لا بأس بها، هناك الكثير من الملاحظات و هناك الكثير من الاقتراحات و هناك فترة تأمل حقيقية قضيتها وقضاها أخي محمد الأمين الركالة. وبعد الإفراج عنا إنشاء الله وعودة الدفء والتواصل مع الأحبة في الحزب سنفصل في العديد من الأمور. المهم أننا لا نخشى أن نقول أخطأنا إن نحن أخطأنا أو جانبنا الصواب و لكن أيضا أن نثمن انجازاتنا وندعمها إن كنا أحسنا الصنع. فقط سأقولها بصراحة، الفتنة و الابتلاء قدر المؤمنين ليمحص و يفصل الثابتين على مبادئهم من الذين هم على حرف إن أصابهم خير اطمأنوا به و إن أصابهم شر(أو نسمة من الشر) انقلبوا على أعقابهم لهؤلاء أقول قد أجد الكثير من الصعوبة لأستمع إلى ملاحظاتهم و تقويماتهم لتجربة البديل الحضاري. في الأخير ماذا تقول لأعضاء البديل الحضاري والمتعاطفين معكم؟ إنما الصبر صبر ساعة إن بعد العسر يسرى و كم من محنة انقلبت بفضل الله و منته إلى نعمة. أقول للإخوان والأخوات كسبنا أول معركة ضد الفساد الذي لم يستطع تشويهنا كسبتم معرفة الناس لكم ولحزبكم كسبتم تعاطف الناس معكم و حبهم لكم. نلتم درجة الشرف أصبحت مسؤوليتكم كبيرة، عليكم أن تكونوا في المستوى عندما سيأتي نصر الله. "فاصبروا وصابروا ورابطواواتقوا الله لعلكم تفلحون". عرفتم فألزموا ومن تساقط أو فضل مغادرة القطار في أول محطة وقفها فكونوا على ثقة بأن الله سيأتي بقوم يحبون هذه التجربة و خياراتها و يكونون أكثر تعلقا ووفاء بمبادئها. يقول الله سبحانه وتعالى"وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"سورة محمد(صلى الله عليه وسلم) صدق الله العظيم.