يستكثر بعضهم على الريفيين أن يحتفوا بالأمير عبد الكريم الخطابي في مناسبة أو غير مناسبة. وكثيرا ما سمعنا: "ريافا صدعونا بهداك الريفي ديالهم". وكأن الخطابي لا يستحق الاحتفاء، وكأن الريفيين لا يحق لهم استحضار شخصية هذا المجاهد والمقاوم والأمير القادم من عمق الريف. وفي الجانب الآخر، يغالي بعض الريفيين في تصوير عبد الكريم وكأنه الوحيد الذي ولدته أمه، وما عداه لا قامة له أمامه. ينزهونه إلى درجة التقديس، ويفسرون تاريخه وفق منظور ضيق خانق، جاعلينه شخصية محلية تشبه أحد الأولياء الطارئين على التاريخ. فهو عند البعض منهم 'عبد الكريم الريفي‘، وعند البعض الآخر 'عبد الكريم الورياغلي‘، وفي أحسن الأحوال 'عبد الكريم الأمازيغي‘. طيب. هو أمازيغي، ريفي، ورياغلي ولكن ماذا بعد؟ أعتقد أن الجانبين على خطأ. كلاهما يغاليان إما انتقاصا وإما تقديسا. والصواب، في نظري، أن يعطى لعبد الكريم حقه لا أقل ولا أكثر. عبد الكريم نفسه، كما ينقل عنه من عايشه عن قرب، كان إنسانا متواضعا في مظهره وملبسه ومأكله. لا يفرق بين السفراء والوزراء والفقراء. بل كان يفضل هؤلاء على غيرهم من علية القوم. ألم يصنع المجد بالفلاحين البسطاء؟ مثلما كان الخطابي متواضعا، كان في الوقت نفسه فارسا شهما وطودا شامخا، وصلدا لا يلين لدرجة أن بعض رجال الحركة الوطنية المغاربية وصفوه بالعسكري الذي لا يصلح للمشاورة ولا للمعاشرة. وكان أيضا شخصية عالمية نهل من تجربته التحريرية زعماء عالميون قادوا شعوبهم نحو التحرر والانعتاق. وحينما وصل إلى القاهرة في العام 1947 والاستقرار فيها قادما من منفاه في جزيرة لاريونيون، سرعان ما طغت شخصيته المتواضعة والعظيمة في آن واحد، على الآخرين من رموز الحركة الوطنية في المغرب والجزائر وتونس. وعندما قام عبد الناصر بانقلابه/ثورته في يوليو 1952، استشعر مكامن القوة في شخصية عبد الكريم، فعمد إلى تجاهله، بل إلى حصاره حصارا 'وديا‘. فهو لم يمنعه من الكلام، ولم يمنع عنه زواره، ولم يمنع أولاده من السفر والتنقل كما تفعل بعض الأنظمة العربية في الوقت الراهن بسبب أو بدونه. عبد الكريم، كما ينبغي أن يكون، ليس (فقط) ورياغليا، ريفيا، مغربيا، أمازيغيا، عربيا، إسلاميا. هو كل ذلك بل أكثر بكثير. هو شخصية عالمية بامتياز. إرث إنساني فلا ينبغي أن يقتل مرة أخرى ونحن على أبواب استعادة ذكرى وفاته ال 47. في ما دون من تاريخ المغرب المعاصر، كثيرا ما يرد اسم عبد الكريم مقرونا بلازمة "الريفي". ولا يخفى على القارئ اللبيب أن هذه اللازمة ليست مكرمة من كاتبها أو كتابها. وإنما هي مقصودة لذاتها، وإلا فلماذا يطلقون على 'رموزهم‘ هم ألقابا أبعد من أحجامها الحقيقية بمسافات ضوئية. أريد فقط أن أقول: عبد الكريم الخطابي ليس صكا عقاريا معروضا للمزايدة. عبد الكريم ملك للإنسانية جمعاء فلا تقزموه رجاءا. [email protected] mailto:[email protected]