أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم، ناقشت بدون توقف المقاربات الفكرية في تحديد علاقات الناس فيما بينهم. فمن "هوبز" الذي حارب كل توجه فكري يكرس المصلحة الذاتية عبر تركيزه على ضرورة وجود قوانين مشتركة بين الناس، لكي تكون السد المانع لعدم العودة إلى الهمجية مرورا ب "جون لوك" وأفكاره التي تؤطر لتقزيم السلطة المطلقة إلى "جون جاك روسو"صاحب كتاب العقد الاجتماعي، والذي من خلاله خالف رؤيتي "هوبز" و"لوك" في تعاطيهما الفلسفي مع وضع عقد اجتماعي بموجبه يكون أي مواطن في علاقة مع الآخر تتعين بموجبها الحقوق المدنية، و الحقوق السياسية هذه الاخيرةهي مرجعية علاقة الفرد مع هيئة السيادة أو الدولة. كل هؤلاء الفلاسفة وآخرون بالطبع، كانت أفكارهم محركا لأحداث سياسية غيرت مجرى التاريخ الذي نعيشه اليوم.فتحقيق العدالة الاجتماعية عبر إنشاء مؤسسات وآليات قادرة على خلق المساواة في إطار إلزامية معرفة الحقوق والواجبات كان أساس اجتهادات هؤلاء المفكرين. كل هذا يجعلنا نستخلص بأنأي غياب الخلفية الفكرية النظرية المتكاملة لن يؤسس للعمل السياسي ذي الأهداف الإصلاحية في الماهية، فلابد من وجود قراءة متأنية للخيوط المتشابكة حتى يمكن وضع مقاربة تؤسس للطرق الممكن إتباعها من أجل معرفة إحداثيات أهم متطلبات القرن العشرين، ألا وهي الديمقراطية. هذه الأخيرة ليست فكرة تؤخذ أو تترك جملة وتفصيلا، وإنما هي نتاج عصارة أفكار استخلصت من خصوصيات المجتمع. فديمقراطية أمريكا لن تصلح في الصين، لأن هناك عوامل متباينة تؤطر كلا المجتمعين، ومن ثم أصبحنا نتحدث اليوم عن مفهوم جديد يوازي هذه التغييرات التي طرأت على بنية أي مجتمع. دمقرطة الديمقراطية في أبعادها هي شكل من الأفكار التي أصبحت فاعلة، نظرا لمجموعة من العوامل التي أسستها العولمة الحديثة. هذه الأخيرة، رغبنا أم رفضنا ذلك،غيرت الميكانيزمات التقليدية التي نتبناها في رؤية الأشياء والتعامل معها حتى أصبحت القاعدة المعيارية للممارسة الاجتماعية مضببة وغير مفهومة. من هنا وجوب إنشاء القطيعة، إن تطلب الأمر من خلال إزاحة المعوقات الموروثة عن سلبيات الماضي. المجتمعات التي قطعت أشواطا كبيرة في ترسيخ الديمقراطية ،جعلت العنصر البشري الأداة الفعالة لجوهر عملية أي بناء.وهذا الأخير لن يكون صلبا وقويا إلا بجعل الإنسان الجوهر ورفعه إلى مستوى يكون فيه مرجع سلوكه، وهذا ما يسمى بحداثة المجتمع.مجتمع تكون فيه نسبية المصالح وكرامة الإنسان وفوقية العقل أهم محددات نسقه التربوي. كل هذا سيجعل من بناء ديمقراطية المشاعر التي هي جزء حقيقي من تقدم الثقافة المدنية تبنى على ركائز تجعل من التسامح والتضامن العنوان الأبرز داخل أرضية المجتمع المدني. هذا الارتقاء والسمو ركن من ركائز الديمقراطيات الناضجة التي ترتكز في عملها المتوازن على ثلاث قوائم متفاعلة العناصر: الحكومة، الاقتصاد والمجتمع المدني. فالديمقراطية هي مراجعة الجميع والمساهمة فيها في إطار تبادلي وتفاعلي للأفكار، ومن هنا يمكن أن نقول بأن مفهوم المواطنة يسبق الحديث عن الديمقراطية ، ولنا في الحضارة اليونانية المثال. المواطنة و التي عرفتها دائرة المعارف البريطانية بأنها علاقة بين الفرد والدولة وتدل على مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات.ومن ثم وجدت العلاقة بين الفرد والدولة من خلال تحديد الواجبات والحقوق، ومن بين الواجبات إطاعة القوانين وواجب الدفاع عن الدولة وهذا هو صلب المواطنة الديمقراطية. انصهار الثلاثي: الحداثة والمدنية والمواطنة في شيء واحد، يبرز مفهوم الهوية الوطنية والتي هي التعالي عن الذاتية والمصالح النسبية والأخذ بالانفتاح والحركة، لكي لا نقع في أخطاء الماضي ورصد جميع الإمكانيات من أجل مجتمع قوي ديمقراطي حداثي. الأخذ بعين الاعتبار هذه المفاهيم وجعلها داخل النسق التربوي سيساهم في رسم ملامح نظام سياسي يأخذ الماضي كقوة من أجل الدفع من أجل المستقبل، لحماية غد يحتضن الجميع في إطار تشاركي تضامني في علاقة الفرد مع الدولة ،يكون الهدف هو ترسيخ الديمقراطية التي هي في معلم ثلاثي الأبعاد ذات الإحداثياث التالية: الحداثة والمدنية والمواطنة.