الأسد أو ملك الغابة لم يعد يمتلك تلك السطوة التي يستمدّها من القوة الجسدية والعددية، والتي أهّلته لنيل لقب "الملك" على امتداد السنين.. فمملكته، كغيرها من ممالك البشر، أصابها الوهن وبرزت على ملامحها علامات الاضمحلال في القارة الافريقية، خصوصا في غربها. تآمرت أسباب عديدة لتطيح بعرش الأسد.. أدت لأن يفقد 75 في المائة من مناطق تحرّكه الأصلية على مستوى القارة وتراجع أعداده من 100 ألف إلى 35 ألف خلال العقود الخمسة الأخيرة، وفقا لتقارير منظمات معنية بالحفاظ على الحيوانات في القارة السمراء. مثل هذه الاحصائيات أثارت دفعت بالعديد من هذه المنظّمات غير الحكومية إلى السعي لابتكار الحلول بعد أن تبين لها أن تزعم الأسد للحيوانات في إفريقيا "لم يعد أمرا هيّنا"، طبقا لما ورد بتقرير صادر عن منظّمة "بانتيرا" غير الحكومية، والذي نشر بالمجلّة العلمية "بلوس وان" في يناير 2014. وحذر هذا التقرير بوضوح من ان الأسد في طور الانقراض، وخاصة في غرب افريقيا حيث لم يتبقّ منه سوى 400 حيوان. من بين الأسباب الرئيسية التي ساهمت في انهيار مملكة الأسد في غرب افريقيا هي الهيمنة المكانية للشعوب المتنقّلة بمعية مواشيها، وهو ما نجم عنه تقلّص الغطاء النباتي وتراجع المساحات المخصّصة لهذا الحيوان إلى نسبة 1.1 في المائة فقط من المساحة "التاريخية" (والمقدّرة ب 49 ألف كم مربّع مجتمعة) بالمنطقة الغربية للقارة، طبقا للتقرير المذكور. هذا التفسير لقي تعقيبا من لدن الكثير من المتخصّصين، بيد أنّ أكثر التعليقات أهمية تعود إلى مؤسّس ورئيس منظمة "كريزام" الناشطة في مجال المحافظة على الأنواع الحيوانية البرية المهدّدة بالانقراض في افريقيا "جون- إيف روتيي"، والذي عاد في حديث لمراسل الأناضول إلى نظرية "المنافسة بين المفترس والانسان"، مشيرا إلى أنّ "الفلاحة وتربية الحيوانات غزتا مناطق الأسود". فبالنسبة إليه، ينبغي حاليا "التصدّي بكلّ السبل إلى انقراض هذا النوع من الحيوانات من المنطقة". وبسؤاله عن الحلول الكفيلة بحماية تواجد الأسود، قال "جون-إيف روتيي" "توجد حلول للمحافظة على الأنواع الحيوانية"، من ذلك تشكيل "مناطق صغرى معزولة"، فالقول بمثل هذه المناطق يعني آليا اقترانها بمفهوم "شعب محدود العدد".. إلاّ أنّ هذا الأمر يطرح، في المقابل، إشكالية إضعاف العلاقات الجينية.. لذا ومن أجل الحصول على حلّ نهائي، ارتأت منطمة "كريزام" "الإعتماد على طريقة التلقيح الاصطناعي، باستخدام السائل المنوي من الذكور إلى الإناث المتواجدات في مكان محدّد". طريقة "أثبتت نجاعتها" عقب تجربتها على الفهود، وذلك حين اعتمدت المنظمة خلال مهمة قامت بها في جنوب افريقيا في العام 2007 على تقنية التلقيح بالمنظار، لتكلّل العملية بولادة أربعة فهود صغيرة كانت شاهدا على نجاح التجربة آنذاك. وتعتزم المنظمة تطبيق هذا الحل على الأسود في غرب إفريقيا في الأشهر القليلة المقبلة، بحسب روتيي. في غرب افريقيا، تحتفظ خمس دول فقط بوجود الأسود على أراضيها، وهي البنين، بوركينا فاسو، النيجر، نيجيريا والسنغال.. وعلى مساحات هذه الدول مجتمعة، لم يتبقّ في العام الحالي في غرب إفريقيا سوى 250 أسدا و150 شبلا، أي 400 إجمالا مقابل 850 في عام 2004 بحسب ما ورد في تقرير "بانتيرا". أمّا "الأمراء بدون الممالك"، (أي الأشبال المحتجزة بالحدائق) فيصل عددهم إلى 10 بحديقة "نيوكولو كوبا" بالسنغال، 200 بالمنطقة الحدودية بين بوركينا فاسو، البنين والنيجر "آرلي بندجاري"، بينما تتمركز آخر المجموعات بنيجيريا في مساحات طبيعية ب "كانجي- لاك" (أقلّ من 20 أسدا) وب "يانكاري". وبحسب المعطيات العلمية المتوفرة، تمتلك أسود غرب افريقيا خصائص جينية قادرة على منع انقراضها، شريطة أن يعترف الاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة بالسلالة المتفرّعة عنهم. ومن هذا المنطلق، يمكن أن تصنّف ضمن الأنواع "المهدّدة بالانقراض"، وهو ما سيمنحها تأشيرة العبور نحو برامج الحماية التي تتبناها الهيئات الدولية. * وكالة أنباء الأناضول