مدينة أيت ملول نموذجا كان الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو يقول : كم تمنيت لو بدأ الخطاب قبلي . في إشارة لصعوبة البدء وعسره . ومع ذلك دعوني أقول أن البداية ومن بعدها الكتابة هنا يحكمها منطق الضرورة فإما أن نكون أو لا أكون وهي مسألة سأعود للحديث عنها في نهاية هذا المقال , ولكن قبل ذلك وحتى لايفقد الموضوع راهنيته سوف أبدأ بالحديث عما حدث عندنا في مدينة أيت ملول بعمالة إنزكان على مقربة من أكادير برسم الدورة الأخيرة للمجلس البلدي لأيت ملول وواقعة طرد مستشار من المعارضة بعد استشهاده بآية قرآنية وحديث نبوي شريف. واعتبار المحسوبين على التسيير ذلك قذفا في حقهم , وهي أحداث وإن كانت مرتبطة بسياق محلي فإنها تنسحب على كل المدن المغربية حيث تصبح الديمقراطية هي استبداد الأغلبية بدل حكمها بالقانون , -إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة : عجبت كثيرا لما حصل من لغط داع صيته وانتشر وطفا كالزبد على موج البحر ...بلغني أن عنوان الدورة التي استحالت إلى مثلث للتراشق هو الغضب والضعف الملحوظ للفكر الأخلاقي . ممارسة السياسة بمنطق البوليميك الفارغ . ماحدث أيها السادة أزال ورقة التوت وكشف عورة أولئك الذين صنعوا من أنفسهم أصناما في زمن أفولها . ما حدث بالنسبة إلى لايعدو أن يكون مسمارا أخيرا في نعش الحداثة السياسية ودعوة باكية لكل الملوليين للخروج من قوقعتهم في موكب جنائزي نبكي فيه جميعا حال مدينتنا المنكوبة إلا من بعض الكائنات التي لا أجد لها من التوصيف أدق من الكائنات الفطرية التي تأبى الاحتكام لقوانين الطبيعة التي حكمت على بني جنسها بالانقراض. فأن يصبح القرآن والحديث قذفا ويطلب سحبه ويحتج عليه وينصر هذا الرأي وبئس الرأي ... فعل أقل مايقال عنه أنه فعل ينتمي إلى جنس أفعال الشياطين مع العلم أن الشياطين كائنات تنتمي إلى عالم مفارق ليس عالمنا حتى يفهم كلامي على أنه مقارنة وتشبيه في إحدى الصفات لا نعتا ولاقذفا . إننا ياسادتي الأعزاء أمام مشهد تعتمل وتتفاعل فيه ألوان العار والخزي ولأن الأمر يتعلق بمشهد أو صورة فاسمحوا لي أن أقدم فيه قراءة سيميائية تستنطق في حدود الممكن العلامة والرمز داخل هذا السياق الواقعي لأن السيميائيات " علم يدرس حياة العلامة داخل الحياة الاجتماعية " في قاعة البلدية ... التي تعود من حيث الشكل إلى القرون الوسطى تذكرني بكنائس أوربا القديمة التي صنعت تخلف القارة العجوز وأسكنتها في ظلام دامس علامة تحيل بمنطق المماثالة إلى عقول القائمين على أمرنا المظلمة يوزعون صكوك الغفران أو صكوك الغضب " كالنفي إلى المستودع البلدي " انفلت من بين الحضور صوت يقول ، إذا ولي الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " تماما كما صرخ غاليلي يوما الأرض تدور لتنقض عليه الألسنة المارقة عن قوانين الحوار كما تنقض الذئاب على فريستها المنهكة ... تماما كما فعل قساوسة روما بغاليلي فخيروه والحق أنهم أجبروه على التراجع عن كلامه أو الإعدام فخرج من محكمة العار وهو يقول "et pourtant elle tourne فخرج صاحبنا بجور الديمقراطية وظلمها ولسان حاله يقول إذا ولي الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة هكذا قيل قول يرقى عندنا إلى مستوى العقيدة لأن منطوق غاليلي علم يقيني لا يقل عنه كلام الحبيب المصطفى يقينا وهو الذي لاينطق عن الهوى. إن الذين ضايقهم الاستشهاد بكلام الرسول عليه أزكى الصلاة والسلام وكلامه عندنا تاج على الرؤوس ليس بعده تاج ولاتتويج . بعيدون كل البعد من ولاة الأمر الأشاوس الذين طبعوا تاريخنا بمجد العزة . فأين هم من عمر بن الخطاب الذي قيل له يوما " اتق الله ياأمير المؤمنين " فلم يستل سيفه وهو القوي الجبار وإنما رد قائلا " والله لاخير فيكم إن لم تقولوها لنا ولاخير فينا إن لم نسمعها منكم هؤلاء الذين احتجوا وانتفضوا من سباتهم العميق بعدما بلغهم من معنى الحديث مااستعصى على غيرهم من المجتهدين ... فأولوا ونسوا أن التأويل تأويلهم وماضرهم منه إنما ضرهم من أنفسهم لأننا نقول بلغة الشارع مستسمحا ذوق القراء " مول الفز كايقفز فهؤلاء كما يقول ر. بارط صنعوا المعنى سلفا وصدقوه "la signification a priori " فأعطوا للحديث دلالة لاتوجد مسبقا إلا في أذهانهم أو قل بلغة رائد التحليل النفسي فرويد أن الأمر كان فلتة لسان تعبر عن شعور راكم من المكبوتات ما راكم حتى خرجت مكرهة بعدما ضاق الحال بها وبئس الخروج يا ليتها ماخرجت ... لغة كلها حقد وكراهية وتحامل لايبدو واضحا مع من أو حتى ضد من ؟ لتترك لنا حق التاويل هل هو حقد دفين ضد الشخص ؟ لعمري تلك مصيبة كبرى أم هو حقد ضد الحديث ومنه ضد دين الله وحديث رسوله ؟وتلكم مصيبتان وأعظم. أعود إلى القاعة اليتيمة للبلدية وللسيميائيات ومكمن الربط أنها تشبه الكنيسة ... قديما قيل أن أحب الأماكن إلى الشياطين هي الكنائس وفي كنيستنا اليوم يحضر الشيطان على نحو مختلف لأن الشيطان يحب التجسد فيحضر كرمز يحمل في ذاته نقيضه وحجة دعوتي كالآتي : اعتبر الرمز في اللغة اللاتينية نقيضا للشيطان لأن الرمز يجمع ويوحد والشيطان يفرق . فالرمز symbole كان يطلق على قطعة فخار يقوم الرجل الذي حل عنده ضيف بعدما يكون اجتهد في إكرامه بشطر القطعة الخزفية شطرين يمنح الأول لضيفه والثاني يبقيه لأسرته حتى أنهما إذا التقيا بعد مدة أو التقى أبناؤهما قاموا بتجميع القطعتين لاستذكار مادار بينهما من كلام وأحداث وهنا بالتحديد تكمن خاصية الجمع والتوحيد في الرمز . ولعل صاحبنا بطل القصة نجح في توحيد صف المعارضة في التصويت ضد مؤامرة المنع وصالح بين كيانين سياسيين متناقضين ليقول بلسان فصيح الدين أولا وأخيرا . وأن المشروعية الدينية أم المشروعيات وإن كان البعض ينعتها بالتقليدية . أما الشيطان في المشهد فأترك لك عزيزي القارئ مطمئنا جدا على فطنتك في كشفه والقبض عليه . ولك مني جزيل الشكر وعلى الهامش أقول من دخل كنيستهم أقصد صالة البلدية فاليتعوذ ,,, وأذكر هنا بدعوة أمريكا لحدف بعض الآيات القرآنية من المصحف ومنع تداول بعض الأحاديث فأجمع علماء الأمة على رفض ذلك ونعتها بالشيطان. قرأت بإمعان البيان الذي أصدره الحزب الذي ينتمي إليه المستشار المذكور وأثارني من بين ماأثارني الإشارة على سبيل التضمين وإن كان الأمر قابلا للتعيين حديث عن مستشار ذا مستوى تعليمي جامعي عالي لم يسعفه مستواه ذلك في التعامل على نحو سليم مع الواقعة فذكرني ذلك بكلام بن خلدون رحمة الله عليه حينما قال في مقدمته الشهيرة إن الكيس والذكاء صفات قلما تتوفر في رجل السياسة . والحق يقال أنني كنت أعتبر كلام ابن خلدون تبريريا لواقعنا العربي الذي تسند فيه الأمور إلى غير أهلها قبل أن أتدارك الآن والآن فقط معتقدا جازما أن الرجل كان واصفا فذا لواقع ملولي بامتياز لسان حاله يقول " إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة عود على بدء لماذا الكتابة هنا ؟ لأن هنا مشروعا نحتاج أن نكون فيه أكثر من حاجته إلينا ... من أجل اجتراح كلمة صادقة وصورة حقيقية تكون أيقونة لواقعنا المشترك ... من أجل أصابع مشاكسة واكتشاف قارة سادسة لم تأت على عذريتها أقدام المكتشفين ... فالكتابة هنا محاولة مستحيلة لإدخال العالم في ثقب إبرة لكن ذلك لايمنع من إدخال الإبرة في ثقوب عالمنا الكثيرة . من أجل زاوية رحبة نصفق فيها لبعضنا البعض ليس فقط إعجابا قد يؤول إلى مستوى الاعتداد بالذات والأنانية وإنما ضدا على الإرادات الأنانية والشريرة التي تحب أن تصطنع العواصف حتى ترانا نغرس رؤوسنا بأنفسنا في التراب كالنعام ... ضدا على من يضره أن نحيا بسلا م ... أن نكون عيونا لا تنضب ويأمل أن يسدد لنا رصاصات ليلقي بنا في قاعات العناية المركزة ... نحن نتلقى الرصاص ونصنع منه أقلاما نسجل بها الحقيقة للتاريخ ونموت من أجل ذلك تماما كما هو حال قلم الرصاص يكتب من أجلنا فينقص طوله كلم كتب . من أجل رد الاعتبار لكتابة الظل والهامش وطرد تجاعيد الزمن من على وجوهنا ... من أجل إعلان العصيان والشغب الفكري والتمرد على المألوف ... من أجل كتابة جريئة وعقلانية ترفض الفوضى تحت طائلة الفوضى الخلاقة وتتحدى الانحناء مع سبق الإصرار والترصد . من أجل ذلك كله وحتى لا يأتي يوم عصيب نتعرض فيه لإخصاء جماعي ...تشرفت بالكتابة هنا غاضبا لا من فعل الكتابة بل لأنني أحمل سجلا ضخما من الغضب عن واقع يصرخ عاليا كما صرخت مظلومة المعتصم وا معتصماه ... من أجل الوقوف في وجه خبراء المفرقعات المتخصصون بالفطرة في تفجير أحلامنا وتحويلها إلى كوابيس أسعد اليوم بأخد قلم الرصاص بين أناملي منبها أن قلم الرصاص قد يصير قلما ورصاصا يطلق طلقاته من على صفحات الانترنت وهي طلقات افتراضية يصعب التصدي لها. [email protected]