قامت الدنيا ولم تقعد في العالمين العربي والإسلامي لما قامت به سويسرا من خرق لحق الإنسان في اختيار عقيدته. فالكل يتحدث ويكتب وينتقد و يشتم و يلعن هذا البلد ومسيّريه. والكل تذكر حقوق الإنسان وحرية الاعتقاد والديمقراطية والتعددية. وهذا شيء جميل أننا واعين بكل هذه الأمور. لكن ما يثير التعجب هو كوننا نطالب بكل هذه الحقوق من غيرنا و ننسى أنفسنا. إننا ننتقد سياسة المعياريين و نحن منتهجيها. نتحدث عن حرية الاعتقاد و نحن من يرفضها في مجتمعاتنا. نغازل الديمقراطية في بلدان الآخرين و نقمعها داخل حدودنا.. والحديث هنا ليس عن المخزن أو السلطة عموما بل عن مؤسسات المجتمع المدني وأفرادها. هذه المؤسسات التي لا تفوتها أية فرصة لاستغلال سياستها الشعبوية قصد ركوب الشارع و استقطابه بأية وسيلة. كيف يعقل أن نتهم سويسرا أو غيرها بخرق حقوق الإنسان في اختيار العقيدة، مع التسليم أن الأمر فعلا كذلك، و نحن من يضطهد الديانات الأخرى في مجتمعاتنا و لا يسمح لها ببناء الكنائس أو القيام بالتبشير/ الدعوة في الوقت الذي لا تعارض الدول الأوروبية في القيام بالدعوة الإسلامية داخل ترابها الوطني ومجتمعها المسيحي. تابعوا استطلاع الرأي الذي تقوم به هسبريس هذه الأيام حول السماح ببناء الكنائس ببلادنا لتتأكدوا من هضمنا لحقوق الديانات الأخرى. ربما قد يقول البعض أن نتيجة هذا الاستطلاع إنما رد فعل على ما قامت به سويسرا، لكن ألم نحارب نحن ما سميناه بالمد الشيعي في بلادنا؟ ألم نتعرض للتبشير المسيحي في مجتمعنا و ضطهدنا من تأثر به؟ أم أنّ الأمر يكون منافيا للعدالة فقط حينما يتعلق بنا وبعقيدتنا، و يختلف عندما يخص غيرنا؟ إن حرية الاعتقاد وحق الإنسان في ممارسة شعائر دينه تشمل كل الأديان و الأمم و ليست مخصصة للمسلمين دون غيرهم. فالقاعدة تقول: كما تدين تدان. لذلك وجب علينا نحن أولا احترام معتقدات غيرنا والإيمان بحق كل شخص في اختيار العقيدة التي يراها تناسب فكره و نظرته للعالم و الحياة، ثم بعدها نطالب بحقوقنا. أما أن نحرم على غيرنا ما نحلله على أنفسنا فما هذه بعدالة. يجب أن نفهم أنّ ما هو مقدس لدينا قد يكون في مجتمعات أخرى غير كذلك و العكس صحيح. لذلك جُعل من حوار الأديان و الحضارات وسيلة للتواصل بين المعتقدات المختلفة إستراتيجيتها حصول التفاهم بين عالمنا و عالم غيرنا و احترامنا لبعضنا البعض. فما بالنا نجعل أنفسنا فوق العالمين و نحن في أسفل السافلين خلقيا و فكريا و ديمقراطيا و ..؟ علينا بأنفسنا أولا. ختاما أذكر قصة حدثت لمحمد عبده مع مستشرق بريطاني فحواها أنّ هذا الأخير اشتد اهتمامه بالإسلام وكثر سؤاله حول العقيدة الإسلامية، فكان محمد عبده يجيبه على كل ما حيّر عقله. في النهاية قرر البريطاني اعتناق الإسلام و السفر إلى بلاد المسلمين. عندما وصل إلى الإسكندرية ما وطأت رجله التراب المصري حتى سُرقت منه نقوده. و لما أخبر مستضيفه بما حصل له كان جواب محمد عبده كالتالي: إنما كنت، في رسائلي، أحدثك عن الإسلام لا عن أحوال المسلمين. بالطبع جواب محمد عبده كان ديماغوجيا، لأنّ العقيدة إن لم تجسد في أهلها لا يمكن الاقتناع بها. *كاتب وجامعي مغربي مقيم في بيلاروسيا