مصطفى ملو "كل قلوب الناس جنسيتي" الشاعر محمود درويش. علي الظفيري: أنت مع دولة إسلامية في الشمال دكتور؟ حسن الترابي: "نعم بالطبع لا بد لدولة إسلامية والجنوبيون بالمناسبة لم يخرجوا كارهين للإسلام، كارهين للمسلمين الذين ظلموهم، صدقني، صدقني، طبعا في الغرب من الخير أن تقول هذه الكلمة لتروج كلمتك، لكن هم ما خرجوا يكرهون الإسلام عينا ولكن يكرهون المسلمين الذين ورطوا في هذه الظلامات في وجههم". حسن الترابي في برنامج في العمق ليوم 3/1/2011. "إن تفجير الكنائس ليس فقط جريمة ضد المسيحيين، بل جريمة ضد الأمة العربية جمعاء" المطران عطا الله حنا,معلقا على تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، في برنامج ضيف المنتصف ليوم 5/1/2011. وهنا أضيف وأقول: " إن تفجير الكنائس والاعتداء على المساجد وتخريبها,ليس فقط جريمة في حق المسيحيين ولا المسلمين، ولا هي جريمة ضد الأمة العربية فحسب، إذ أن ملايين المسيحيين ليسوا بالضرورة عربا، ونفس الشيء بالنسبة لملايين المسلمين، بل إنها جريمة ضد الإنسانية جمعاء". يعتقد البعض أن الدفاع عن الإسلام لا يكون إلا بالتهجم على الآخرين ومعتقداتهم، وفي مقابل ذلك تجدهم يتحدثون عما يسمونه بالاحترام والتسامح والتعايش والحوار بين الأديان، فكيف يستقيم الحديث عن الاحترام والتسامح مع وصف الأخر المختلف عنا دينيا بالكافر ونعت عقائده بالباطلة؟!
الغريب هنا أن هؤلاء الذين يصدرون مثل هذه الأحكام والأوصاف، لا يحكمون على عقائد من يختلف عنهم دينيا إلا انطلاقا من الإسلام الذي هو دينهم هم والذي لا يؤمن به الآخرون أصلا ممن يوصفون بالكفار، فكيف يصح أن أحكم على شخص انطلاقا مما أومن به أنا، في حين لا يؤمن هو بذلك,بل ربما لا يعترف به؟
إن الاحترام والتعايش الحقيقيين إذن لا يمكن أن تقوم لهما قائمة إلا باحترام معتقدات الآخرين ودياناتهم كيفما كانت، والتوقف عن مهاجمتها ووصفها بأبشع الأوصاف من مثل؛المحرفة والمزورة والباطلة، والمؤسف حقا أن الذين ينشرون مثل هذه الخطابات يظنون بأنهم بذلك يحسنون صنيعا، في حين أنهم يدفعون بالناس إلى الحرب والإرهاب والتقتيل,لا لشيء سوى لأن الآخر يرونه كافرا,وديانته أو معتقداته باطلة، وعليه فهو عدو يجب محوه من الوجود، لاعتقادهم بأنه يشكل خطرا على ديانتهم التي يظنون أنها الأفضل والأحسن والأقوم وبالتالي فلا مجال لمعارضتها أو الاختلاف معها,فإما أن تعتنق ديانتي وأنت معي، وإما أن تعتنق ديانة أخرى فأنت ضدي، في حين أن الآخر الذي تهاجم عقيدته ينظر إليها هو -كذلك- على أنها الأفضل ويرى بأنه على حق، وربما يرى في دين الآخر مجرد أباطيل و خرافات وطقوس تدعو للسخرية. إن نهج أسلوب التكفير والهجوم على الديانات الأخرى أو حتى على معتقدات المنتمين إلى نفس الديانة اعتقادا من البعض أن الدفاع عن الإسلام يبيح لهم ذلك، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نتائج لا تحمد عقباها، إذ نجد السني يهاجم الشيعي ويكفره، والشيعي يهاجم السني ويجرمه، وهو ما ينجم عنه ما نراه اليوم من أعمال قتل وإرهاب تتم بتفجير المساجد من طرف المسلمين أنفسهم، وتفجر الكنائس والمعابد ويسقط ضحايا أبرياء ليس لهم ذنب، ولم يرتكبوا جرما، سوى اختلافهم عن "المهاجم" دينيا وعقديا، فيكون رد الفعل بمهاجمة المساجد وتدنيسها في أوربا ووصف المسلمين بالنازية، ليكون الضحية هو الإنسان ومستقبله، نتيجة تصرفات طائشة وغير مسؤولة، ونتيجة فتاوى وأحكام وأوصاف نمطية وجاهزة يروج لها مجموعة ممن يعتقدون أنفسهم أوصياء على الدين ومتحدثين باسمه، ولا يحق لأحد غيرهم فعل ذلك أو حتى التنبيه إلى خطورة تصرفاتهم.
إن التسامح الديني يفرض السماح للناس باعتناق الديانة التي يريدون، والتي هم مقتنعون بها ويجدون فيها راحتهم النفسية وإجابة عن تساؤلاتهم حول الكون والحياة، وحول كل ما يحيط بهم وما ينتظرهم وما عليهم القيام به وما يجب عليهم تركه، فالدين أولا وقبل كل شيء سلوك ومعاملات واحترام للآخر، إذ ليس بأسلوب التكفير والتهجم سندعو الناس لاعتناق الإسلام، بل بحسن معاملتنا لهم، فكم من مسيحي اعتنق الإسلام عندما تعامل مع مسلم أحسن معاملته فوجد فيه أحسن رفيق وخير صديق؛ لا يغشه ولا يكذب عليه ولا يسرقه ولا يخونه، ونفس القول ينطبق على مسيحية تزوجت مسلما فوجدت فيه الزوج الصالح,الحنون والصديق الودود فأعلنت إسلامها، وكم من مسيحي أسلم بعد أن اكتشف في زوجته المسلمة العشيرة الأمينة والمخلصة، وفي المقابل فكم من مسلم غير ديانته عندما كان ضحية للنصب و الاحتيال والغش والخيانة من طرف أخيه في الدين، بينما وجد في شخص مختلف عنه دينيا نعم الخليل، وكم من مسلمة غيرت ديانتها عندما وجدت في مسيحي مصدرا للرحمة والرفق والمودة، وكم مسلما تنصر لما وجد أن عشيرته المسيحية نموذج فريد في حسن المعاشرة والمعاملة. يتضح إذن أن حسن المعاملة و الاحترام بين الناس هو الأساس، والدين الذي لا يهدف إلى خدمة الإنسانية وإشاعة المحبة والتسامح بين الناس لا يصلح أن يكون عقيدة أو منهجا يتبع في الحياة، فالإنسانية هي الأصل؛ إذ قبل أن يكون الإنسان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو بوذيا فهو إنسان، وكما يقول ج.ج روسو فحاجيات الإنسان هي هي والإنسان هو في كل مكان، وهذا يعني أن المسلم إذا أراد أن يحترم الآخرون ديانته فعليه هو أولا أن يحترم ديانتهم ولا يهاجمها و ألا يصف المؤمنين بها بالكفار والملحدين، و القول بأنهم ليسوا على شيء وعقائدهم فاسدة، باطلة ومحرفة.
إن التسامح كذلك يفرض احترام حرية الإنسان في تغيير ديانته متى شاء دون قيد أو شرط، ودون إجبار أو إكراه سواء باعتناق ديانة أخرى أو البقاء على ديانته، ويدخل ضمن ذلك أيضا حرية ممارسة شعائره وتوفير الأماكن المخصصة لذلك، وهذه هي حرية التدين و الاعتقاد الحقيقيين، وليس بإجبار الناس على البقاء على دين هم غير مقتنعين به وتهديدهم بإقامة حد الردة عليهم إن هم تجرؤوا على تغييره,وكذا منعهم من الجهر بتغيير ديانتهم بدعوى المس بحقوق وحرية الآخرين ودينهم، وهذا قول باطل لا يستند على أساس عقلي، ولا قاعدة دينية، إذ كيف يعقل أن نطالب بالتوقف عن إصدار قوانين تمنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة بفرنسا مثلا، وندعو إلى السماح ببناء المساجد والتوقف عن تطبيق قانون يقضي بمنع بناء المآذن في سويسرا، في حين لا يحق لإنسان ببلدنا تغيير ديانته، وحتى إن سمح له-وهذه حالة نادرة جدا إن لم أقل منعدمة-، فلا يسمح له بالجهر بذلك، وإن فعل فلا يلوم إلا نفسه وسيعرض حياته للخطر، فأي تسامح هذا؟ وكيف نطالب الآخرين بالسماح لنا بأداء شعائرنا واحترام عقائدنا والسماح ببناء معابدنا في عقر دارهم، بينما نضطهد" مواطنينا"ونجبرهم على عدم تغيير دينهم، بل وقتلهم لمجرد أنهم يختلفون عنا دينيا كما يحدث مع الأقباط في مصر، فأي تعايش هذا وأية مواطنة؟ ولماذا يسمح للأوربي بتغيير ديانته إلى الإسلام وإطلاق لحيته,حيث نجد آلاف الأوربيين والأوربيات دخلوا الإسلام كما في فرنسا وإنجلترا بالخصوص، ولا يسمح لمواطن في "بلاد الإسلام والتسامح" بتغيير ديانته؟!، وكيف نسمع دعوات تدعو إلى ضرورة منع الاحتفال بأعياد رأس السنة تحت ذريعة تجنب التشبه بالنصارى "الكفار"، و في المقابل نطالب بتخصيص عطل للمسلمين ببلاد المهجر في الأعياد الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى وتخصيص أماكن لذبح الأضاحي,وكيف لا يمنع المسلمون في هذه البلاد من الصيام طيلة شهر كامل بدعوى أن ذلك يؤثر على القدرات الذهنية والعضلية للعمال,خاصة العاملين بقطاع البناء، أو العاملين بقطاعات تتطلب التركيز,قلت كيف لا يمنع هؤلاء من الصوم، بينما تتعالى دعوات هنا وهناك تأمر بضرورة منع الاحتفال برأس السنة الميلادية ليوم واحد، علما بأن الأب نويل لا يتكلم ولا يسمع ولا يفجر مسجدا ولا يقتل أحدا، بل يكتفي بإدخال الفرحة على قلوب الأطفال "الأبرياء من كل دين"، كما أن بيع ألعاب الأب نويل يعد مصدر رزق لمئات الأشخاص والباعة المتجولين الذين في الغالب لا يعرفون من هو الأب نويل، بل ولا يهمهم أن يعرفوا؟؟
إن ما قيل عن بعض الذين يزعمون الدفاع عن الإسلام بالتهجم على أديان الآخرين وتكفيرهم وخاصة المسيحيين، يصح أن يقال كذلك عن بعض القساوسة ممن يعتقدون أنفسهم مدافعين عن المسيحية، فتجدهم عوض الدفاع عن المسيحية متخصصين في مهاجمة الإسلام في مواقعهم الإليكترونية ووصفه بأبشع الأوصاف، كالدين الهمجي والإرهابي و الدموي، والبحث عن مكامن ما يعتبرونه تناقضا وتحريفا أو تخريفا، فيأتون بآية من سورة قرآنية ويقارنوها بآية من سورة أخرى ليبينوا ما يعتبرونه تناقضا في القرآن، وكأن الدفاع عن المسيحية لا يمكن أن يتم إلا بمهاجمة الإسلام والمسلمين,والسؤال الموجه لهؤلاء؛ لماذا تؤمنون ببعض القرآن وتكفرون ببعض؟؟ لماذا تأتون بآية من القرآن لتفندوا بها آية أخرى؟! إما أن تؤمنوا بالقرآن كلية أو ترفضوه كلية، لا أن توظفوه متى احتجتم إلى ذلك وتتركوه عندما تنتهون من مهمتكم وأحكامكم الجاهزة سلفا؟ إن مثل هذه الأساليب التهكمية,التهجمية المتبادلة لن تخدم الديانات في شيء، وليست في صالح الإنسانية في شيء، ولن تأتي إلا بعواقب وخيمة بدأت بوادرها تظهر على أكثر من صعيد، وفي كثير من الأماكن في العالم,فمن تفجير لمسجد للشيعة هنا,إلى هجوم على مصلين سنة هناك، ومن تدمير لكنيسة هنا وقتل من بها، واختطاف رهائن أبرياء لا ذنب لهم وذبحهم كالنعاج، إلى تدنيس المساجد و الاعتداء على المسلمين هناك، كل هذا في إطار نوع من التنافس والصراع الديني الشرس، يسعى من وراءه أصحاب الخطاب التكفيري من كلا الجانبين وحتى داخل الديانة الواحدة إلى استقطاب المريدين والأتباع و تجييشهم، وكأن الأمر يتعلق بالتحضير لحرب وحده الله من يعلم بعواقبها، وليس كل ذلك سوى نتيجة حتمية لخطاب أساسه وجوهره النفاق والرياء ورفض للآخر,خطاب يحاول أصحابه الظهور بمظهر المتسامحين والمتعايشين والمحترمين لبعضهم البعض، في حين أنهم في العمق يعتبرونه ألذ الخصام ويسعون إلى إلغائه، حتى صار الشيعي في نظر السني مجرد مجوسي تحريفي كافر، وأصبح السني لدى الشيعي إرهابي قاتل وعدو الرسول وآله,كما أصبحت صورة اليهود-كل اليهود حتى المناهضين للاستعمار- عند المسلم مرادفا للجبن والغدر والخداع و الاحتلال,وأصبح للمسلم معنى الإرهابي والمجرم الدموي عند اليهودي والمسيحي أو حتى عند من لا دين له، والمسيحي عند المسلم ينظر إليه ككافر لا رحمة ولا شفقة فيه، فاسق وفاجر، أخلاقه فاسدة وعقيدته باطلة.
لقد آن الأوان إذن لكل المتنورين والمتعقلين العقلانيين في العالم، سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوديين أو بوذيين وغيرهم التدخل والدعوة لوقف هذه المهازل والمجازر التي ترتكب باسم الدين، وليقولوا للعالم إن السلام والأمن والطمأنينة لن تعم ما لم يتم الاعتراف الحقيقي بالآخر، واحترام عقيدته وأفكاره وعدم الإساءة إليها بأي شكل من الأشكال، وليقولوا؛ إن الإنسانية تعلى ولا يعلى عليها,وكل عام وجميع الإنسانية بخير.