ساعات قليلة على حلول اليوم العالمي للمرأة ناقشت الأمانة العامة للحكومة، الجمعة، موضوع مدى تمكّن النساء المغربيات من الوصول إلى المناصب العليا بالمملكة، وذلك في إطار تنفيذ مضامين الفصل التاسع عشر من دستور سنة 2011، وهو النقاش الذي أطّره موظفون مرتبون بمناصب مختلفة داخل المؤسسة ذاتها. وعرف اللقاء الدراسي المُنظم بهذه المناسبة، والمعنون ب"المرأة والإدارة العليا"، حضور عدد من النساء اللواتي سبق لهن أن تقلّدن مناصب رئيسية داخل الأمانة العامة للحكومة، بمن فيهن رابحة زدكي، التي تطرّقت في هذا الإطار لتجربتها المهنية، فضلا عن نساء أخريات متقاعدات قدّمن شهاداتهن بخصوص "علاقة المغربيات بالمناصب العليا داخل الإدارات العمومية". وخلص النقاش في هذا الإطار إلى أن "وصول النساء إلى المناصب العليا بالمملكة مازال دون مستوى التطلعات، رغم مختلف الجهود التي تمت في وقت سابق، وذلك بوجود أسباب ذاتية وموضوعية تتحكم في استدامة هذا الوضع". دون المستوى المأمول بنسالم بلكوراتي، المدير العام للتشريع والاستشارات والدراسات القانونية بالأمانة العامة للحكومة، قال إن "الإحصائيات تشير إلى أن تمثيلية النساء في الوظيفة العمومية تظل دون المستوى المأمول في العديد من الدول، بما فيها بلدنا"، موضحا أن "هذه الفجوة تشكل تحديا يدعو إلى تكثيف الجهود لتعزيز المساواة وتكافؤ الفرص والمناصفة، ليس فقط كمسؤولية اجتماعية، بل كذلك كعامل أساسي في تحسين الأداء الإداري وتعزيز الحوكمة". الواقع بالأرقام نور الدين الأزرق، الكاتب العام للمرصد الوطني للتنمية البشرية، فكّك من جهته هذه البنية، إذ أوضح أن "الترسانة القانونية في نهاية المطاف لا تشكل أيّ عائق أمام أي جنس للولوج إلى المناصب العليا ضمن الوظيفة العمومية"، مفيدا بأن "الأرقام المتوفرة إلى حدود الساعة تبيّن أن 36,3 في المائة من الموارد البشرية داخل الوظيفة العمومية بالمغرب تؤول إلى النساء، بينما يعود الباقي للرجال، أي حوالي 63 في المائة". كما ذكر الأزرق، في معرض كلمته بالمناسبة، أن "هذا الرقم الذي يخص النساء تراجع مؤخرا مقارنة بالأرقام التي كانت متوفرة في وقت سابق، التي كانت تقول إن العنصر النسوي يسيطر على 39 في المائة تقريبا من المناصب داخل الوظيفة العمومية"، وزاد: "من بين الأجوبة التي تفسر هذا التراجع أن نسبة من النساء عادة ما يفضّلن الاشتغال داخل المقاولات بعيدا عن كل ما هو عمومي". واستعرض المسؤول ذاته بعض الأرقام التي تخص حالة المناصب العليا بالوظيفة العمومية بالمغرب، وتبيّن أنه من أصل حوالي 1463 مسؤولا تم تعيينه ما بين 2014 و2024 تم تعيين حوالي 209 نساء، 18,9 في المائة منهن كمفتشات عامات، و15 في المائة كمديرات مركزيات، و13,1 في المائة ككاتبات عامات للقطاعات الحكومية"، وزاد: "باستحضار هذه الأرقام فإننا نكون أمام تطور مضطرد لوصول النساء إلى مناصب المسؤولية العليا بالمملكة، بما لا يصل إلى مرحلة التنزيل الكامل لفلسفة الفصل 19 من الدستور الذي يتحدث عن المساواة؛ فنحن في هذا الإطار نسعى إلى الرفع من النسبة التي تخص النساء"، موضحا أن "هذه الوضعية لا تقتصر علينا لوحدنا، على اعتبار أن فرنسا هي الأخرى تعرف المسألة نفسها". أسباب ذاتية وموضوعية وتمسّك الكاتب العام للمرصد الوطني للتنمية البشرية بكون "هذا الواقع تقف وراءه معطيات أسباب ذاتية وموضوعية، إذ إن الوظيفة العمومية اليوم مازالت تحاول أن تتفهم التغيّرات التي تعيش على وقعها، في حين أن الوظيفة العليا هي الأخرى مازالت خاضعة لمنظومة كلاسيكية قانونية"، مؤكدا أن "من بين هذه الأسباب كذلك اقتران الإداري بالسياسي، إذ صارت نهاية فترة عمل حكومة نهاية العمل لدى عدد من الموظفين الإداريين، بمن فيهم المعينون بمناصب عليا". ولفت المتحدث ذاته كذلك إلى ما يتعلق بعنصر الكفاءة، إذ أوضح أن "الوظيفة العمومية العليا لا تتوفر على جاذبية كبيرة بالنسبة للجميع، بمن فيهم النساء"، وأردف: "ما نؤكد عليه كذلك أننا لا نتوفر على دراسة حقيقية وواقعية يساعدنا على الجواب عن السؤال الجوهري الخاص بالإشكال المطروح بخصوص احترام النوع الاجتماعي في المناصب العليا". من جانب ثان طرح نور الدين الأزرق معطى الكفاءة، فبحسبه "لا يمكن الحديث عن التمييز الإيجابي لصالح النساء على مستوى الإدارة كما هو الحال في المجال السياسي وفي الانتخابات، إذ إن هذا المبدأ يمكن أن يطرح تناقضا مع معطى الكفاءة على مستوى الإدارة"، موردا أن "من بين الأسئلة المطروحة اليوم كيفية المزاوجة بين التمييز الإيجابي للنساء والكفاءة بخصوص المناصب العليا، وكيفية رفع نسبة الموظفات العموميات". مجهودات مهمة في سياق متصل ثمّنت فاتن الشواطي، مستشارة قانونية للإدارات بالأمانة العامة للحكومة، "إحداث لجنة مقاربة النوع الاجتماعي على صعيد المؤسسة"، موضحة أن هذه الخطوة "تعطي دينامية لهذا الورش الذي يحظى بأهمية بالغة في مخططات السياسات العمومية بالمملكة، حيث تم إنجاز برنامج متوسط المدى ما بين سنتي 2024 و2026، يهم مختلف قضايا النساء من أجل تمكينهن من الولوج إلى المناصب الكبرى داخل الأمانة العامة للحكومة". وأكدت الشواطي لهسبريس أنه "لا يمكن تصور تقدم الإدارة المغربية بدون إشراك النساء العاملات فيها في جميع الإستراتيجيات"، مفيدة بأن "هذه المناسبة تعتبر فرصة لبحث كل ما تم تحقيقه في مجال دعم النوع الاجتماعي على مستوى الوظيفة العمومية، وعلى مستوى المناصب العليا كذلك، في أفق الوصول إلى ما تنص عليه الوثيقة الدستورية لسنة 2011".