الفيديو كليب كما عرفه الدكتور المسيري رحمه الله :"هو فيلم سينمائي قصير يحتوي علي أغنية، و رقص، وشيء يشبه التمثيلية"،وقد خصصت فضائيات عربية وأجنبية لها..غير أن ثمة خطرا يستهين به كثيرون من ذوي الأفهام القاصرة والعقول الساذجة ناجم عن هذه الكليبات، ففي وقت مضى كنا نشاهد أغاني عربية راقية بعضها عن الأم والوطن والأمة وبعضها عن الحب والعشق وما إلى ذلك دون أية إثارة جنسية،اللهم ذلك الرقص البلدي الذي نشاهده في أفلام مصرية ولعل هند رستم كانت فالحة في هذا النوع من الرقص المثير. والحاصل أن الإثارة الجنسية لم تكن أبدا من اهتمامات المطربات آنذاك،لكن تغير الحال اليوم،فالفيديو كليب جاء ليقوض ذاكرة الأغنية العربية الأصيلة ويحطمها،وجاء لإهانة المرأة العربية وينمِّطها ويجعلها سلعة شهوانية تجذب ذوي القلوب المريضة حتى صار نجاح الفيديو كليب رهينا بمدى جاذبية جسد المغنية وكلماتها لا تهم مادامت تحسن الرقص العمودي والأفقي والقيام بإلإثارة دون حياء،وحسبك قول إحداهن:"اللي تقلع أكثر تربح أكثر!! بل حتى بعض المغنيات لا موهبة لهن إطلاقا ولأن تسمع نهيق الحمير خير لك من أن تسمع صوتهن،فأي فن هذا؟!! يقول الدكتور المسيري رحمه الله:"يمكننا أن نضع الفيديو كليب في سياق أوسع، وهو سياق العولمة فجوهر العولمة هو عملية تنميط العالم بحيث يصبح العالم بأسره وحدات متشابهة، هي في جوهرها وحدات اقتصادية تم ترشيدها، أي إخضاعها لقوانين مادية عامة. مثل قوانين العرض والطلب والانسان الذي يتحرك في هذه الوحدات هو انسان اقتصادي جسماني لايتسم بأي خصوصية، ليس له انتماء واضح، ذاكرته التاريخية قد تم محوها"..نعم فلا يخفى ما لجسد المرأة من صلة وثقى بالعولمة،فأنوثة المرأة تستغل في تسويق المنتجات والسلع التجارية بل والإباحية أيضا حيث تعرض المرأة أدق تفاصيل جسدها عارية تماما للراغبين في الاستمتاع بها ونهش لحمها،وإذا كانت العولمة قد نجحت في تنميط المرأة على مستوى اللباس إلى حد كبير- فالعربية أصبحت ترتدي ما ترتديه الأمريكية والإسرائيلية ولافرق من حيث المظهر-فإنها ستسعى إلى تنميطها على مستوى السلوك الجنسي لتصير سلعة مباحة للجميع ولو بدون مقابل وهذه خطر عظيم ستخرب الأمة بسببه وهذا مايعيه الغرب جيدا وما حملتهم ضد الحجاب مع أعوانهم من إخواننا إلا مسعى لتحقيق ذلك.. إن ظاهرة الفيديو كليب قد ركزت على ظاهرة العري وهذا يمثل جانبا واحدا من القضية، إذ يمكننا أن نسأل عن أثر الفيديو كليب على نسيج المجتمع وعلى بناء الأسرة،فالفيديو كليب لايقدم مجرد أنثى تغني وترقص وتتعري وتتلوي بل إنه يعبر عن رؤية كاملة للحياة، نقطة انطلاقها هو الفرد الذي يبحث عن متعته مهما كان الثمن. والمتعة في حالة الفيديو كليب متعة أساسا جنسية ولذا فهي متعة بسيطة أحادية تستبعد عالم الموسيقى والطرب وجمال الطبيعة وكل العلاقات الإنسانية الأخرى. والفيديو كليب بتركيزه علي هذا الجانب وحده يسهم في تصعيد السعار الجنسي( في مجتمع فيه أزمة زواج) ولكن من المعروف أن تصعيد السعار الجنسي مرتبط تماما بتصعيد الشهوات الاستهلاكية،وهذا ما أدركته تماما صناعة الإعلانات التليفزيونية، فمعظم الإعلانات تلجأ إلى الجنس لبيع السلع، فالسعار الجنسي يفصل الفرد عن مجتمعه وأسرته،وعن أي منظومة قيمية اجتماعية، فيحاول تحقيق ذاته من خلال منظومة المتعة الفردية والمنفعة الشخصية، والتي تترجم نفسها عادة الى استهلاك السلع والمزيد من السلع. إن الفيديو كليب يختزل الأنثى( والانسان ككل) إلى بعد واحد هو جسده، فيصبح الجسد هو المصدر الوحيد لهويته، وهي هوية ذات بعد واحد لا أبعاد لها ولا تنوع فيها( ومن هنا التكرار المميت في الفيديو كليبات). أنظر لخلفية الفيديو كليب ستجد أنها لا أرض لها ولا وطن، فأحيانا الخلفية هندية، وأحيانا أخرى أمريكية، وثالثة أوروبية، والبنات في معظم الأحيان شقراوات، وحتى لو كن من بنات البلد فما يرتدينه( أو لايرتدينه) من ملابس لا علاقة له بما نعرفه في حياتنا. كما أن أبطال الفيديو كليب عادة يركبون سيارات فارهة وأحيانا يظهرون في قصور، وكل هذا بطبيعة الحال يصعد الشهوة الاستهلاكية ويضعف الانتماء. والآن السؤال هو: هل من سبيل لوقف هذا التدهور المستمر؟ هنا قد يقول البعض إن في هذا تدخلا في حرية الفكر والفن، والرد على هذا أن الفيديو كليبات ليست فكرا وليست فنا ولا إبداعا، وإنما هي شكل من أشكال البورنو-الإباحية- الذي يهدف إلى استغلال الإنسان وتحقيق الربح. الفن العظيم يتناول موضوعات شتى من بينها الجنس في قالب غير مثير، ولكن الجنس( مثل العنف) لايقدم في حد ذاته وليس هو الهدف، وإنما هو عنصر ضمن عناصر إنسانية أخرى، فالفن العظيم ( على عكس البورنو) لايهدف إلى الإثارة الجنسية وإنما إلى تعميق فهمنا للنفس البشرية. وإن كان أصحاب الفيديو كليب يطرحونه باعتباره فكرا أو فنا فعليهم الالتزام بشرطين: أولهما ألا يحققوا أي ربح مادي منه، وثانيهما أن يثبتوا لنا اقتناعهم الكامل بهذا الفكر بأن يمارسوه في حياتهم الشخصية مع زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم وأبنائهم، ولا أعتقد أن هناك من سيجد الشجاعة في نفسه أن يفعل ذلك. [email protected] العري في الفيديو كليبات..غناء أم تسويق للدعارة؟ ""