"مَعاً من أجل تكريم الدّكتور المهدي المنجرة بالمغرب"، هكذا أطلق العشرات من الشّباب المغربي حَملَتَهُم الالكترونية لمساندة عالم المستقبليات المغربي المهدي المنجرة، الذي يعاني من آلام المرض هذه الأيام، وهي الدعوة التي وافق عليها المئات من الطلبة والأساتذة والباحثين والأكاديميين بالقبول، وتطالب بفكّ الحظر والمنع وإزالة التهميش الذي يطال المنجرة نتيجة مواقفه الوطنية، وفق منشور الحملة. وتأتي الدعوة إلى تكريم المنجرة، حسب المنظمين، من أجل ردّ الاعتبار "إلى هذا المفكر والقامة العلمية"، مؤكدين أن الحملة "بمثابة صرخة من أجل تكريم المثقفين والكتاب وأعلام الثقافة والعلم الذين وهبوا الغالي والنفيس في سبيل نفع وتقدم البشرية والوطن". ويضيف بلاغ الحملة، التي انطلقت على موقع "فيسبوك" و"أفاز" للعرائض الالكترونية، أن المهدي المنجرة "من بين شخصيات علمية مرموقة أصابها الحيف والظلم لذلك انضوت تحت الصمت والنسيان.. غير أننا كشباب مثقف لم و لن ننساها، وفي عز مرض ووجع الدكتور المنجرة نتذكره وندعو له بالشفاء". الكاتب المغربي سلمان بونعمان، أثنى على المبادرة، وقال لهسبريس إن سيرة المنجرة "تجعلنا نقف أمام رجل استثنائي بكل المقاييس سبق عصره، فآمن بالإنسانية المشتركة وناضل من أجل الحقوق والحريات، وانتفض في زمن الذلقراطية ورفض الإهانة في عهد الميغاإمبرالية، وانحاز لقيمة القيم"، مشيرا أنه شكل بذلك "مفخرة كبيرة كل المغاربة والمسلمين". مسيرة علم وكفاح يعرج بونعمان على المسار الوطني والعلمي والكفاحي الطويل لعالم المستقبليات المغربي بالقول إنه مسار غني ومتعدد ومبدع، "هذا الرجل الذي تعددت روافد تكوينه بين الأصالة الحضارية المتحيزة للقيم والثقافة والهوية الإسلامية الحضارية، وبين تخصصاته الأكاديمية في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية والعلوم الاقتصادية والدراسات المستقبلية، وخبرته في المؤسسات الإعلامية والثقافية والتنموية الدولية والأممية". وكشف الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية أن المنجرة يتميز بحس وطني غيور ومقاوم، حيث مثل الحركة التحررية المغربية كما مثل جبهة التحرير الجزائرية؛ ونسق وتعاون مع الحركة الوطنية خلال مراحل الاستعمار الفرنسي، "معبرا باسمها عن أهدافها بالولايات المتحدةالأمريكية وانجلترا وفرنسا وغيرهما في المنتديات الدولية لأجل إقناع الرأي العام الدولي بدعم طموحات الشعوب المغاربية بالتحرر والاستقلال والوحدة". مُنَظّر التحرر عن الشمال ودافع المنجرة عن ضرورة تحرر الجنوب من هيمنة الشمال، حسب سلمان، الذي تابع قائلا، "منبها طيلة مساره على مخاطر العولمة الامبريالية الساعية إلى التنميط الثقافي وفرض مسار تغريبي واحد ووحيد على مستوى الثقافة والقيم والنماذج التنموية"؛ فيما انتبه المنجرة مبكرا إلى دخول العالم العربي والإسلامي إلى مرحلة ما بعد الاستعمار الجديد عبر تحليله لمفهوم "الحرب الحضارية" و"حرب القيم" و"الحروب السيميائية" و"الاستعمار البعدي". ويشير الكاتب المغربي إلى أن المنجرة انتبه إلى أن تخلف دول العالم الثالث يتسع كلما كانت الهوة بين الوقائع ومستوى توقعها، فحالة الدهشة والاستغراب، من وجهة نظر المنجرة، من وقوع الأحداث والتحولات والانبهار الساذج بالنتائج "دليل على استمرار التخلف وبرهان على انعدام الرؤية الإستراتيجية والبوصلة الحضارية والاستخفاف بأهمية توطين علوم المستقبليات في الوعي ومحاولات تحطيم الذاكرة التاريخية". هذا الواقع، دفع المنجرة، حسب بونعمان، إلى التنبيه على الحاجة إلى الإبداع والتجدد دون السقوط في درك التقليد الغبي أو التبعية العمياء؛ "ما فتئ المنجرة في هذا السياق يستلهم التجارب الآسيوية عموما واليابانية على وجه الخصوص في بناء مسار النهوض في تفاعل مع الحداثة دون تغريب أو استلاب أو تقليد". مفكر دول العالم الثالث يصفه بونعمان ب"مفكر دول العالم الثالث" و"صوت عبقرية دول الجنوب بامتياز"، الذي حطم الحدود بين النضال الأكاديمي والنضال السياسي "بمعناه النبيل"، مشيرا أنه تميز في ربط البعد الأكاديمي بالبعد الكفاحي والإنساني، "يكفي أنه أول من استشرف دخول العرب في عصر الانتفاضة الشاملة ضد الظلم والاستبداد والقهر، إبان تحليله لاندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 ونموذجها الانتفاضي الفريد، فأثبت الزمن الثوري صدق طروحاته وتوقعاته". ويستحسن بونعمان ضرورة الالتفاتة إلى قيمة المهدي المنجرة "حان الوقت لكي يحظى بكل تقدير واعتراف وتكريم في الساحة الثقافية والعلمية والجامعية، ليبقى رمزا حيا وقدوة ملهمة للأجيال الشابة وشعلة من المبدئية والطهرانية"، معتبرا أن الرجل يجمع بين عظمة التواضع وعبقرية التفكير ونبوغ العقل الاستراتيجي "الذي ضيعناه زمن الغفلة والنكبة والصراعات الإيديولوجية والأنانيات السياسية الضيقة".