نظمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية- فرع الرباط، مساء الجمعة، بمقر المعهد العالي للإعلام والاتصال ندوة وطنية خصصت لموضوع "الأمازيغية في الصحافة والإعلام الوطنيين"، شكلت مناسبة لتعزيز النقاش حول دور الإعلام الأمازيغي في ترسيخ الهوية الثقافية الوطنية ودعم التعددية اللغوية بالمملكة. وشكلت الندوة، التي حضرها عدد من الصحافيين والأكاديميين، فرصة لتسليط الضوء على المكتسبات وكذا التحديات التي تواجه الإعلام الناطق بالأمازيغية في المغرب، وتقديم رؤى وتوصيات وحلول لتعزيز حضور الأمازيغية في المشهد الإعلامي الوطني. وفي هذا الإطار، قال عبد الكبير أخشيشن، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في كلمته الافتتاحية بهذه المناسبة، إن "أهمية وجود إعلام أمازيغي مسألة لا تقبل التشكيك ولا الجدل، باعتبار أن الإعلام يساهم في تأطير المواطنين وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم من خلال وظائف الإخبار والتثقيف والترفيه باللغة التي يتقنها المُشاهد أو القارئ أو المستمع". وأضاف "لذلك لا يخرج الإعلام والصحافة الأمازيغية عن هذا السياق باعتبارهما دعامة قوية لترسيخ التنوع الثقافي واللغوي، حيث إن وجود إعلام أمازيغي، سواء في الصحافة الورقية أو الإعلام السمعي البصري، يساهم في النهوض بالبعد الأمازيغي في هويتنا الثقافية الوطنية، التي تتسم بالتعدد والتنوع في إطار الوحدة". وأبرز أن "مجهودات السنوات الماضية، التي بُنيت على تراكم المؤسسين للإعلام الناطق بالأمازيغية داخل المغرب، أفرزت مكتسبات، ولم يعد التلقي يقتصر على الناطقين بها فقط، بل حفز المضمون المتنوع لمختلف البرامج التلفزية والإذاعية على توسيع نطاقه. ويحق لنا اليوم الحديث عن جمهور مغربي واسع يتجه إلى هذا الإعلام، الذي يغوص في أعماق جغرافيتنا لينقل تجارب وحيوات متعددة، ويُضفي دلالات جديدة للوجود، لتكتمل صورة مغربنا المتعدد والمتنوع". وسجل أن "المكسب المهم الذي تحقق على مستوى الإعلام الأمازيغي المرئي منذ إنشاء القناة الثامنة يجب أن يشمل الصحافة المكتوبة، سواء الورقية أو الإلكترونية. كما يحتاج اليوم إلى دعم صريح يُعد حقاً بكل أبعاد وفلسفة الدعم الكونية، لأن معيار ترسيخ التنوع الثقافي واللغوي بالمغرب لدى مجموعة من المواطنات والمواطنين يبرر، بل يوجب هذا الدعم"، لافتا في الوقت ذاته إلى أن "هذا الطموح لا يمكن تحقيقه دون عنصر بشري مؤهل ومحفز". من جهته، دعا عبد اللطيف بنصفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، في بداية مداخلته، إلى تنظيم فعاليات تتعلق بالإعلام الأمازيغي في رحاب المعهد الذي يديره بوتيرة منتظمة، مشيراً إلى أن "المعهد العالي للإعلام والاتصال، باعتباره مؤسسة عمومية في مجال التكوين الإعلامي والتواصلي، حريص على صيانة مختلف الروافد الثقافية المتنوعة التي تزخر بها المملكة المغربية". كما دعا إلى "جعل هذه الفعاليات مناسبة لتكريم كل الشخصيات، نساء ورجالاً، التي ساهمت في ظهور الإعلام الأمازيغي، وتطويره بالرغم من المشاكل والصعوبات التي واجهها هذا الإعلام"، مضيفاً أن "المعهد أطلق هذه السنة نظاماً جديداً للتكوين من أجل تجويده، ورفع مستوى الاهتمام بالقضايا الوطنية وقضايا المجتمع، وإدماج البعد التكنولوجي، مع الانفتاح على الدرس الأمازيغي والحساني، حيث سيتم ترسيم الدرس الأمازيغي، والقطع مع النظام السابق، الذي كان فيه مجرد درس للاستئناس". وأبرز بنصفية أن "الدرس الأمازيغي في المعهد العالي للإعلام والاتصال سيدرس من طرف أيادٍ مناضلة، وسيتجاوز تدريسه منطق التكوين الأكاديمي العرضي ليشمل أيضاً تهيئة جيل جديد يُعنى بالأمازيغية، ليس فقط كلغة للإنتاج الإعلامي، وإنما أيضاً كقضية كذلك". فيما قال مصطفى أمدجار، مدير الاتصال والعلاقات العامة بقطاع التواصل بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، في كلمة له، إن "اختيار موضوع الأمازيغية والإعلام لهذه الندوة هو اختيار موفق لعدة اعتبارات، أهمها أن هذا الورش يعكس وجود إرادة على مستوى المغرب، وهو مؤطر باختيارات كبرى وبسياسات اعتمدتها بلادنا من أجل تنزيل الأمازيغية وجعلها مكوناً من مكونات الهوية الوطنية والدفع بها لتحتل مكانها في الحقل الإعلامي". وأضاف أمدجار أن "المغرب اختار أن يواكب الحقل الإعلامي بسياسة عمومية، من خلال وضع إطار قانوني وتنظيمي مناسب يسمح بتشجيع الإعلام الأمازيغي وإدماجه في المنظومة الإعلامية الوطنية، وتخصيص الموارد البشرية والمالية وآليات التمويل العمومية الضرورية من أجل انطلاقة هذا القطاع، حيث إن الإعلام لا بد له من تمويل حتى يتطور"، مشيرا إلى أن "الدولة وضعت أساساً لتمويل هذا القطاع، سواء في شقه المتعلق بالإعلام العمومي أو الصحافة المستقلة". ولفت إلى أن "الإعلام الأمازيغي كان له حضور نسبي في منظومة الإعلام السمعي البصري العمومي، لكن بعد سنة 2011 تم اتخاذ مبادرات واسعة مكنت من إقرار عدد كبير من الالتزامات بالنسبة لدفاتر التحملات، خاصة بالنسبة للمؤسسات السمعية البصرية العمومية، مع التزامات واضحة لتطوير الإعلام الأمازيغي والإنتاج والحفاظ على اللغة الأمازيغية"، مردفاً أن "كل هذه الاختيارات والمبادرات مكنت بلادنا من التوفر اليوم على مؤسسات يحق لنا الافتخار بها، رغم الصعوبات التي يواجهها القطاع الإعلامي ككل". وتابع قائلا: "المغرب من أهم البلدان التي تتوفر على وكالة إخبارية تنتج قصاصات تغطي كل الأنشطة السياسية والثقافية والاجتماعية باللغة الأمازيغية، وتوفرها لوسائل الإعلام الناطق بهذه اللغة، وكذلك للجمهور"، مضيفاً أن "المغرب يتوفر أيضاً على منظومة قانونية في مجال الصحافة تمكن من تشجيع المبادرات في مجال النشر باللغة الأمازيغية، وتواكبها كذلك منظومة الدعم العمومي الموجه للصحافة". وأشار إلى أنه "على الرغم من أن تاريخ الصحافة في بلادنا تاريخ حافل، فإن تجارب النشر بالأمازيغية محدودة ولا تسمح للإعلام الأمازيغي بتسجيل حضور وازن في مجال الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية"، مبرزا أن "التطورات الحاصلة في مجال الإعلام بشكل عام تسمح لنا أن نتوقع تطور الإعلام الأمازيغي، حيث إن الإمكانيات التي توفرها الثورة الرقمية كبيرة وتسمح بإنتاج مضامين بأشكال متعددة في إطار ما هو مهني بطبيعة الحال". في السياق نفسه، اعتبر إبراهيم باوش، صحافي بقناة الأمازيغية، أن "ملف الأمازيغية المرتبط بالإعلام والصحافة لم يقطع أشواطاً مهمة يمكن على ضوئها الحكم على أن هناك إرادة فعلية لتحقيق إدماج منصف للأمازيغية في الإعلام العمومي والخصوصي"، لافتا إلى "الغياب شبه التام للأمازيغية في الإعلام الخاص، خاصة الإذاعات، مع استثناءات قليلة جداً، حيث إن هناك إذاعات تعتبر مثلاً أن إدراج الأغاني الأمازيغية هو إدراج للأمازيغية". وشدد المتحدث ذاته على "أهمية تكوين صحافيين ناطقين باللغة الأمازيغية، وتنظيم دورات تكوينية للتشجيع على خلق مقاولات صحافية أمازيغية"، مضيفا أن "التعددية في الإعلام المغربي تستوجب تطور حضور المضامين الأمازيغية، وتعزيز القدرة على التواصل بين البرامج والمتلقي، حيث إن إدماج الأمازيغية في الإعلام قد يفيد ملف تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس العمومية والخصوصية، حيث إن إنتاج برامج إذاعية وتلفزية حول التراث والتاريخ والحضارة الأمازيغية سيساعد في إنجاح ورش تدريس هذه اللغة".