موعود (الجزء الثاني) حين صعدت الطائرة كانت سماء مطار أمستردام رمادية، قاتمة وممطرة جدا جلست بمحاذاة النافذة وصرت أشاهد بعينين شاردتين خطوط المطر على زجاج النافذة، مشهد الطائرة وهي تخترق السحاب المشبع بالمطر وتصعد رويدا رويدا إلى الأعلى كان يثير في نفسي مشاعر فرح طفولي وكأنني أتحرر أخيرا من طقس أوروبا الكئيب نحو الشمس والدفء... بعد فترة قصيرة صرنا نطل على السحاب من فوق وبدت الطائرة تستقبل خيوط شمس تزين سماء زرقاء، فتحت مذكرتي واخذت قلمي وكتبت "ليس من المألوف أبدا أن تجد نفسك أعلى من الجبال فوق السحاب قريبا من الشمس" توقفت فجأة عن الكتابة وصرت أعيد قراءة ما كتبت المرة تلوى الأخرى، شعرت وكأن هذه الجملة ليست غريبة عني تربطني بها علاقة ما... حاولت أن أقنع نفسي دون جدوى أنني ربما كتبتها في إحدى قصصي أو قرأتها في إحدى الكتب أو المجلات لا أعلم؟ حاولت في الأخير أن أنسى الأمر كله وأستمتع برحلتي أكثر، لكني كنت أعود من جديد أحاول أن أشغِّل عقلي وأتذكر... وكلما أعدت قراءة ما كتبت أخذت نبرات القلب تدق بسرعة بينما جبيني صار نديا تعتليه قطرات صغيرة من العرق، فعلمت أن الأمر لا علاقة له بالعقل فجربت أن أفكر هذه المرة بالقلب... فتذكرت! كان الأمر أشبه بأن تفقد ابنتك لفترة طويلة من الزمن فتجدها فجأة تمشي بجانبك على الطريق... الطائرة التي كان من المفروض أن تنقلني من وسط أوروبا إلى شمال إفريقيا خلال ثلاثة ساعات ها هي وفي أقل من نصف ساعة تحيلني إلى زمن غابر من حياتي وتعود بي إلى ماض سحيق، فارتبكت حين تذكرت، حاولت أن أشغل نفسي بالنظر إلى الفضاء الفسيح فأخذت بيدي أمسح الضباب من على زجاج النافذة فصارت عجبا تمر أمامي عينيّ مشاهد من الماضي مر عليها أكثر من ثلاثين سنة من عمري... على غير العادة لم تخبرني "موعود" حينما تحدثنا آخر مرة عبر الهاتف أنها قد بعثت لي رسالة حتى وجدت ساعي البريد يقف أمام منزلنا ويمنحني ظرفا قادما من تطوان، هناك أشياء يستحسن التعبير عنها بالكتابة عوض الكلام هكذا اعتقدت... رسالتها هذه المرة كانت صغيرة ومختصرة جدا وقالت في سطر واحد أو سطرين "مجرد وصولك إلى مقر عملك اكتب لي وحاول أن تصف لي المكان جيدا أحب أن أشعر وكأني معك... المخلصة موعود". وصلت الرسالة في نفس يوم سفري إلى الريف في أول تعيين لي في سلك التدريس. وضعت الرسالة داخل الجيب الداخلي لمعطفي واتجهت صوب المحطة. هدير الطائرة صار يحيلني إلى هدير الحافلة التي كانت تقاوم بإصرار غريب وتصر على الصعود رغم وعورة جبال الريف الشاهقة، شعور غريب يراودني الآن ولا أستطيع التخلص منه، أشعر وكأنني في الحافلة نفسها، التي ركبتها قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن في رحلة نحو المجهول. أتوهم أن عجلات الزمن تدور إلى الوراء، وأني مازلت في رحلة السفر الأولى، يا للغرابة! وجدتني من غير وعي مني أبحث عن رسالة موعود داخل جيب معطفي فلم أجدها... وارتبكت أكثر. بعد ليلة من السفر وصلنا في الصباح الباكر إلى الحسيمة، بمشقة اقتنع سائق سيارة أجرة على توصيلي إلى قرية "اقشوعن" في قمة الجبل... طوال ساعتين ونصف من الطريق كانت السيارة في صعود دائم إلى أعلى دون منحدر حتى بدت لي القرية من بعيد وسط أشجار اللوز والزيتون وجدتني أمسح بيدي على زجاج النافذة لكي أزيح الضباب واكتشف المكان أكثر فهالني منظر السحاب وقد استقر أسفل الجبل... لم أتأخر في مراسلة موعود وكتبت "... ليس من المألوف أبدا أن تجد نفسك أعلى من الجبال فوق السحاب قريبا من الشمس...". بقدر ما كانت "اقشوعن" هذه القرية الصغيرة ضيقة وكئيبة وتقع بين صخرتين كبيرتين كانت رسائل موعود عالما فسيحا لا حدود له من الحب والأشواق ومن خلال رسائلها أحببت قصائد نزار قباني وعبقرية وليام شكسبير ورقة فيكتور هوغو ورسائل مي زيادة تتبادلها مع الأديب جبران خليل جبران... في المساء حينما كان صديقي سعيد الذي أقتسم معه نفس الغرفة يستعين بشمعة لكي يصحح على نورها فروض التلاميذ، كنت أفتح رسالة موعود فتشرق الشمس على القرية في عز عتمة الليل... كانت موعود الدفء ساعة الصقيع والبرد، الارتواء زمن العطش، الأمان لحظة الخوف... موعود البسمة رغم عبوس الأيام. بينما كنت ذات صباح في الفصل وصلتني رسالة من موعود وكيس بداخله كشكول من حلويات زفاف شقيقتها الكبرى، حين فرغت من قراءة الرسالة كان التلاميذ قد فرغوا أيضا من ازدراد والتهام الحلويات، استغربت حين وجدت مذاق حلوة الجوز واللوز و"الزنجلان" في فمي... وبعد مرور كل هذا الزمن مازالت كلما تذكرت هذا الصباح إلا وارتفع معدل السكر في الدم ونكهة لذيذة من حلويات موعود التي لم أتذوقها قط! في عامي الثاني بالريف وبعد عطلة نهاية السنة، قضيتها مع العائلة، عدت من جديد وفي الحافلة نفسها، في اتجاه الحسيمة وقد حملت معي ككل مرة بعض الكتب والجرائد، نظرا لسوء أحوال الجو لم أعثر على أي وسيلة نقل يمكن أن تنقلني إلى اقشوعن، من يغامر أن يصعد الجبل زمن الثلج؟ طال بي الوقوف والانتظار عند سفح الجبل فإذا بسيارة قديمة ومتهالكة تقف بالقرب مني، يخرج السائق رأسه من النافذة ويعرض علي الصعود، لم أفكر كثيرا فحين تغلق عليك الأبواب تعتقد أنه بالإمكان أن تصنع من خرم الجدار بابا، وجدت شابا يافعا قد يكون في بداية العقد الثالث من عمره بجانبه شاب آخر يصغره قليلا كانا يتحدثان الأمازيغية ويدخنان بشراهة ويضحكان كثيرا شعرت أنني أختلف عنهما في كل شيء وليس هناك حديث أو اهتمام مشترك قد يوحدنا فآثرت الصمت... تراه الصمت الذي يسبق العاصفة! سمعت فجأة صراخ السائق يخاطب زميله بغضب وانفعال "علينا أن لا نتوقف، أكيد أن وشاية وصلت الشرطة، من المستحيل أن تنصب الشرطة حاجزا أثناء هذا الطقس وسط هذا الجبل المهجور أنهم يترصدون قدومنا" حينما نظرت إلى الزجاجة الأمامية بدت لي سيارة "جيب" وبعض أفراد رجال الدرك يأمرون السائق بالتوقف... لكنه عوض الامتثال لم يلتفت إليهم وظل ينظر إلى الأمام ثم ضغط على دواسة الوقود وانطلقنا بسرعة أكبر، حين التفت إلى الخلف رأيت "جيب" رجال الدرك يتعقبنا في مطاردة غير متكافئة فالحالة الميكانيكية للسيارة سيئة جدا حتى أنها صارت تهتز بقوة وتميل يمينا ويسارا فيخيل إليك أنها على وشك التفكك إلى أجزاء وتصير مثل الأحجار الصغيرة تتفتت من أعلى الجبل وتسقط في اتجاه المنحدر نحو الأسفل... عزيزتي موعود لا أدري هل كان علي أن أخبرك بكل هذه التفاصيل البئيسة؟... بقدر ما كان الصمت هو خياري المفضل وأنا في السيارة بقدر ما أجده الآن صعبا ومستحيلا، ألم تخبريني أكثر من مرة أنني في كل ليلة آتيك في المنام لكي أحكي لك تفاصيل يومي؟ أليس من الأفضل أن تسمعي مني أنا عوض طيفي الذي قد لا يبوح لك بكل ما في نفسي؟ تارة تكمن القوة في أكثر الأماكن ظلمة وبؤسا وضعفًا بداخلنا، ولم يكن من شيء أكثر بؤسا عند عبدو السائق الحياة نفسها... لم يكن يملك في الدنيا إلا هذه السيارة المهترئة يحمل عليها بضاعة ممنوعة لفائدة شخصيات نافذة مقابل فتات يرمى له بعد كل رحلة.... عندما تكون الحياة رخيصة وبهذا البؤس تهون المغامرة بها والانطلاق بسرعة مجنونة في منعرجات جبال الريف الخطيرة وهذا ما جعل عبدو يربح الكثير من الأمتار مبتعدا عن سيارة الدرك، كان وضعي ملتبسا جدا لم أكن أدري هل أنا مطارد أيضا؟ وماذا لو تم اعتقالنا وأصر عبدو وصاحبه أني شريكهما لكي نقتسم معا نحن الثلاثة العقوبة بدل أن تقسّم على اثنين فقط؟ من المحزن جدا أن أجد نفسي مضطرا إلى الترافع من أجل براءتي أمام هيئة المحكمة، عبدو السائق الذي كان قبل قليل غريبا عني ولا تربطني به أي صلة وآثرت الصمت لكي أتحاشى الحديث معه، ها أنا الآن ومن دون وعي مني بات أمره يهمني كثيرا وأتمنى من كل جوارحي أن يتمكن من الهرب ومغالطة سيارة الدرك، صارت تربطني به آصرة تشبه إلى حد ما آصرة العرق والدم إنها آصرة "الطريق، ووحدة المصير"! لم أكن أتخيل أن المغامرة والتهور سوف يقودان عبدو إلى فكرة مجنونة فعندما وصلنا إلى أعلى الجبل كان المشهد مرعبا حقا؛ صرنا وكأننا في قلب السحاب، الضباب يلف المكان والرذاذ يتناثر برفق دون توقف بينما الرؤية شحيحة جدا وتكاد تكون مستحيلة وفي هذه اللحظة بالذات عمد عبدو أن يطفئ أنوار السيارة حتى تختفي تماما وسط الغيوم، شعرت أنه صار فاقد البصر يعتمد فقط على حدسه وتخيله لخريطة ومنعرجات الطريق التي خبرها منذ سنين... قال عبدو مخاطبا صاحبه: "ظننت أنهم لن يستمروا كثيرا في مطاردتنا... دعهم الآن يتعقبون السراب"... الفكرة التي كان يتبناها عبدو لم تكن تقبل القسمة على أكثر من احتمالين: إما النجاة وهو احتمال ضئيل جدا أو الموت والسقوط من السماء إلى الأرض... موعود، دعيني أستعير جملة قالها الروائي الفيلسوف دوستويفسكي "لو أنني أعرف كلمة أعمق من كلمة انطفأتُ لقلتها، أنا لم أشعر من قبل بانطفاء روحي مثلما أشعر بها الآن"... بت أنتظر الموت عند كل صعود أو هبوط أو منعرج وهل يمكن أن أنتظر شيئا آخر غير ذلك؟ خصوصا إن كان هيكل السيارة والمحرك والفرامل والعجلات يميلون إلى التفكك في أي لحظة بينما السائق رجل أعمى؟ أي ذكرى سيئة سوف ترافقني إلى عالمي الآخر حين تنشر الجرائد خبر العثور عند سفح الجبل على ثلاث جثث لعصابة في تهريب المخدرات الصلبة، مع الأسف الأموات لا يملكون ترف العودة ولا يملكون فرصة الدفاع عن أنفسهم، والحقيقة تدفن أيضًا رفقة الجثث... ما أتعس رجلا مثلي يخجل من موته... كيف لأمي أن تتحمل خبر موتي وظروفه المشبوهة؟ بت أشفق عليها من سماع وشوشة المعزين عن ابنها سيئ السمعة وأخجل من دمعها وتمنيت حينها ان يطيل الله في عمري إكراما لها وصليت من أجل ذلك..." أعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي!" موعود، ألم تكن قصيدة محمود درويش أغنيتنا المفضلة؟... لم تعد مجرد أغنية صارت ترنيمة ينشدها أطفال في قداس الكنيسة عن الظلم الذي لحق السيدة مريم وابنها المسيح عليهما السلام... حصل ما لم يكن في الحسبان، توقفت السيارة فجأة والتفت عبدو نحوي وقال في عجلة "مدرستك هناك في الجانب الآخر... انزل بسرعة" لم أتبين المكان بصورة واضحة كان يلفه ضباب كثيف وحين صارت أسوار المدرسة تبدو بوضوح أكثر كانت السيارة قد اختفت وسط زحمة الغيوم والضباب... في صباح اليوم الموالي منحت التلاميذ عطلة للعب وقال أحدهم مستفسرا: "أي عيد من الأعياد نحتفل اليوم؟"، قلت مبتسما: "عيد ميلادي الثاني"... موعود، كل العمر الذي سوف أعيشه بعد اليوم هو فقط منحة إضافية من القدر، أعتقد أن عمري الافتراضي قد توقف يوم أمس... كنت هذا الصباح فرحا جدا وعلق صديقي سعيد: "تبدو سعيدا اليوم"، قلت: "القادمون من الموت هم أكثر الناس احتفاء بالحياة"... وداعا موعود. حقيقة أنني نجوت من حادثة مميتة ذلك اليوم لكنها كانت قد قتلت أشياء ما في داخلي لم أستطع أن أحددها بالضبط... ساءت نفسيتي كثيرا وصرت أعشق الصعود إلى صخرة في قمة الجبل أتفرج من هناك على البحر وأشاهد رحلة الطيور المهاجرة نحو الضفة الأخرى... شعرتْ موعود بذلك وكتبت في رسالتها ما قبل الأخيرة "... خايفة طيور الحب تهجر عشها... وترحل بعيد...". رجاءً موعود، كيف علمت بقرار رحيلي الذي أخفيته عنك؟ أي قدرة لك على قراءة ما يجول في خاطري، أم تراه طيفي الذي يزورك كل ليلة يخبرك بأدق التفاصيل؟... لماذا لم يخبرك إذن بأن رحلتي أضحت وشيكة وانتظر على أحر من الجمر رسالة منك... إلى غاية صبيحة مغادرتي كنت ماأزال أطمع في أن أتوصل برسالتك الأخيرة... لكنها لم تأت. حاولت أن أنسى مع توالي العمر والسنين لكني لم أفلح، الأشياء التي نود نسيانها هي من تبقى عالقة في الذاكرة أكثر... أليس غريبا أن أهمل كل دفاتري وأوراقي المكدسة فوق مكتبي وأظلّ معلقا بوهم رسالة أخيرة غير موجودة أصلا؟ كنت قد وصلت للتو إلى مقر عملي بأمسفورد، حين وصلني فجأة طلب صداقة عبر تطبيق "فيسبوك" من صديقي سعيد الذي اقتسمت معه قبل أكثر من ثلاثة عقود غرفة في اقشوعن... شعر زملائي بالتغيير الطارئ الذي بدا جليا على تعابير وجهي، تحدثت مع سعيد سريعا والفرحة تغمرنا واتفقنا أن نكمل حديثنا مساء هذا اليوم، لكنه قبل أن يرحل رمى قنبلة ومضى! أخبرني على عجل أنه في اليوم الموالي من مغادرتي اقشوعن حمل ساعي البريد رسالة من موعد وضعها المدير ضمن الأرشيف في دولاب يوجد داخل الإدارة... انتظرت المساء بفارغ من الصبر كانت تغمرني مشاعر لم أخبرها من قبل مزيج من الفرح والخوف والترقب فحديثنا هذا المساء سوف يقودنا لا محالة إلى رسالة موعود الأخيرة... في منطق الحساب تُرى كم من نسبة مئوية صغيرة جدا أن تكون الرسالة مازالت ضمن الأرشيف؟ تلك النسبة الصغيرة جدا تكفي لإحياء ذكرى سنين بأكملها... ماذا لو ركبت الطائرة نهاية هذا الأسبوع اتجاه مطار الحسيمة هناك سوف أجد سيارة كراء تنتظرني أكون قد استأجرتها سلفا وفي أقل من ساعتين أصل إلى قرية اقشوعن، لا أعتقد أن إدارة المدرسة سوف تفرط في أرشيفها كما أني لن أفرط أبدا في قطعة من قلبي ظلت عالقة هناك... كان الأمر بالنسبة إليّ أشبه بالفيلم الرائع "الملجأ" حينما قرر البطل رغم مرضه وفقره أن يسافر آلاف الأمتار ويتسلق الجبال ويركب البحر لمجرد أنه رأى في المنام ابنه الرضيع الذي افتقده زمن الحرب يقبع في أحد الملاجئ البعيدة بالهند والغريب أن يجد طفله في الملجأ... ثمة أمور يستحسن أن لا تخضع لمنطق الحساب والمنطق! – "آه صديقي سعيد ما أجمل هذا الاختراع، لقد صار متاحا أن أشاهدك عبر شاشة هاتفي الصغير وكأنك بجانبي هل تدري أنك لم تتغير كثيرا رغم السنين...". – "وأنت أيضا صديقي العزيز... بعد رحيلك لم أمكث في اقشوعن إلا شهرين وتحصلت على قرار الانتقال بعد أن حلت الكارثة بالمدرسة، استيقظنا ذات ليلة باردة جدا على مشهد مهول، كانت ألسنة اللهب تتراقص بجنون ومكر تلتهم الحيطان والأقسام والأسقف والكراريس والأوراق... صارت المدرسة تنهار أمام أعيننا على صوت أزير النار، ولم يبق من المدرسة عند الفجر سوى رماد بارد... قالت تحريات الشرطة إن مهربي الحشيش دخلوا المدرسة ليلا، أضرموا النار من أجل التدفئة والنوم وحين انسحبوا اشتعلت النيران". عاد عبدو ربما ليكفر عن خطيئته حين منحني فرصة الحياة ذات ليلة... رسالة موعود الأخيرة التي انتهت بفعل النار إلى رماد خفيف سرعان ما حمله نسيم البحر وسافر به نحو الضفة الأخرى، رماد رسالة موعود تحول إلى بَذرة استقرت في باطن القلب ما لبثت أن أينعت شجرة لا تذبل في الذاكرة... صرت أشاهد مدينة طنجة من نافذة الطائرة وبينما كنت أضع حزام السلامة باغتتني فكرة مثيرة للدهشة، لم أستطع التخلص منها، وحين ولجت منزلنا العتيق كنت قد عزمت الصعود إلى غرفة المتلاشيات ذلك الركن المهمل جوار السطح هناك محفظة قديمة -رفيقة الأسرار- أحتفظ داخلها برزمة من رسائل موعود أخفيتها سنين طويلة، أعتقد أنه قد حان الوقت لهذه الرسائل أن تخرج إلى النور والناس... رسائل موعود يليق بها النور بدل الظلمة، الهواء والحرية بدل الاختناق والأسر... سيكون الأمر رائعا حقا حينما يكون كتابي القادم بعنوان "رسائل موعود" وربما أجمل وأرق ما فيه الجزء الأخير أو رسالتها الأخيرة؛ وهي عبارة عن أوراق عديدة بيضاء ناصعة لم يخطها حبر أو يمسها مداد... أعظم الرسائل تلك التي لم تُكتب!!