طنجة تحتضن فعاليات النسخة الثانية من "ملتقى ومعرض الأعمال المغربي-الليبي"    25 قتيلا و2967 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    السكوري: قطاع الهيدروجين الأخضر من المتوقع أن يوفر حوالي 300 ألف فرصة عمل مباشرة بحلول عام 2030    نتنياهو: اغتلنا حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين    المغرب يؤكد استعداده لاستعادة المهاجرين السريين والقاصرين    توقعات أحوال الطقس ليوم الأربعاء    المغرب يبدي استعداده لاستقبال المهاجرين القاصرين محذرا من "الفراغات القانونية" في الدول الأوربية    بلاغ دورة أكتوبر 2024 لمجلس جهة طنجة        عالم بلا بوصلة    هيئة النزاهة تنتقد تأخر إحداث الوكالة الوطنية الخاصة بتدبير الأموال المحجوزة المتأتية من الفساد    "هِمم" تعبر عن قلقها بخصوص الوضع الصحي للنقيب زيان وتجدد المطالبة بالإفراج عنه    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    المركز السينمائي المغربي يكشف عن قائمة مشاريع الأفلام الطويلة    توقيف 4 أشخاص بالبيضاء يشتبه ارتباطهم بشبكة إجرامية تنشط في سرقة السيارات    "اليونسكو" تختار الرباط عاصمة عالمية للكتاب لسنة 2026    "الابتكار الثقافي بوابة التثمين الترابي للمناطق الجبلية" شعار مهرجان أجذير إيزوران بخنيفرة    دليلة بلكاس تكشف عن إصدار فيديو كليب جديد وتنتظر دعم جمهورها    اغتصاب قاصر يورط عشرينيا في تزنيت    نسبة التضخم ترفع الأسعار في المغرب    تساؤلات حول غياب زياش عن قائمة المنتخب الوطني    الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول يرجح ارتفاع سعر الغازوال إلى 15 درهما    مجموعة بريد المغرب والبريد البرتغالي « CTT كوريوس» يطلقان إصداراً مشتركاً لطابعين بريديين    فينتربيرغ يرأس حكام مهرجان مراكش    "التعلم الآلي" ينال جائزة نوبل للفيزياء    الفنان هشام شبري يطلق أغنيته الجديدة «يازين السمية»    الإفراط في القهوة والمشروبات المكربنة يجلب السكتة الدماغية    جماعة الحسيمة تصادق بالإجماع على ميزانية 2025 في دورة أكتوبر    دياز يعود للتدريبات الفردية ويستعد للعودة إلى التشكيلة    ذكرى 7 أكتوبر… مسيرات ووقفات بعدة مدن مغربية للمطالبة بوقف العدوان وإسقاط التطبيع (صور)    مجلس جماعة اكزناية يستعرض حصيلة نصف ولايته.. ويصادق بالإجماع على ميزانية 2025    دراسة: الرصاص في المنتجات الاستهلاكية يتربص بالأطفال    الرجاء البيضاوي يتفق مع البرتغالي ريكاردو سابينتوظ لتدريب الفريق خلفا لروسمير سفيكو المقال    فلوريدا تستعد لوصول الإعصار ميلتون "الخطير للغاية"    القضاء الفرنسي يحدد 15 أكتوبر موعدا لإصدار قراره حول طلب الإفراج المشروط عن اللبناني جورج عبد الله    وفاة متسابق فرنسي في "رالي المغرب"    شعبوية الرئيس تبون و سقطته الجديدة في قعر التفاهة    المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يخوض مبارتين وديتين أمام فرنسا بمركز كليرفونتين    مباريات مشوقة في الجولة الثالثة من منافسات كأس التميز    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال أحد قادة حزب الله بغارة دقيقة    وقفة احتجاجية لأرباب المخابز الأسبوع القادم بالرباط    بوريطة يجري مباحثات مع وفد جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي    المنتخب الوطني يخوض أول حصة تدريبية استعدادا لملاقاة إفريقيا الوسطى    تنبيه من العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية    اختراع نبات صناعي يولد الكهرباء لشحن الهاتف    القضاء يلزم "غوغل" بفتح المتجر الإلكتروني أمام المنافسة    أنقرة تتحرك لإجلاء الأتراك من لبنان    تحليل ثقافي واحتجاج ميداني.. بلقزيز يستشرف قضية فلسطين بعد "طوفان الأقصى"    تعليقاً على قرار محكمة العدل الأوروبية، وما بعده!!    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم بلا بوصلة
نشر في هسبريس يوم 08 - 10 - 2024

هل نعيش اليوم في عالم بلا بوصلة، أو لنقل على الوجه الأصح في عالم فقد بوصلته؟ تحتاج الإجابة على هذا السؤال المعقد إلى جهود جماعية وجامعية وحزبية (...)، لكن ذلك لا يمنع من إبداء الرأي، ولذلك توجد الصحافة.
في هذا الصدد، يبدو أننا نحتاج إلى استحضار بعض المعطيات التاريخية لأن ما نعيشه اليوم ليس وليد الصدفة. كما نحتاج إلى ملامسة واقع حالنا الحاضر في عالم يشهد تقلبات هيكلية، آلياتها التكنولوجيا المتطورة والرقمنة والذكاء الاصطناعي. إضافة إلى ذلك، نحتاج إلى البرهنة على القول بأننا نعيش في عالم اجتمعت فيه مجموعة من الوقائع التي تدل على فقدان البوصلة من لدن صناع ما جرى وما يجري الآن.
أولا – بعض المعطيات التاريخية
انقسم العالم منذ الثورة الصناعية (في القرنين 18 و19) إلى عالمين: عالم الدول الغنية، ويشمل دول الشمال، وعالم الدول الفقيرة، ويشمل دول الجنوب. وقد ازدادت حدة الشرخ بين هذين العالمين في القرن 19 واستفحلت في القرن 20، خاصة مع تحكم الدول الاستعمارية في الخيرات والموارد الطبيعية للدول الإفريقية والآسيوية والعربية.
وفي هذا السياق، ذهب عباس برادة السني، الخبير في الدراسات الدولية للبلدان النامية، في كتابه "العولمة الاقتصادية..." إلى أن هناك أوجه تشابه بين العولمة التي نعيش واقعها اليوم وبين الظاهرة التي كانت توصف في القرن 19 والقرن 20 بأوربة العالم أو "فرنجته" (L'européanisation du monde). وكانت تعني "أوربة العالم" أن أوروبا أصبحت مركز العالم ومصدر القرار فيه طيلة قرن ونصف من الزمن، وأن القول الفصل كان لها في كل ما يجري على وجه البسيطة مما له علاقة بالتنافس على الأسواق، واستغلال الثروات، والاستئثار بالموارد الأولية، والزيادات في التراكمات المالية.
ومن بين ما جاء في عرض هذا الاقتصادي الدولي حول العلاقة بين الاستعمار الأوروبي والعولمة أن فكرة "السوق" لدى معظم الدول الأوروبية الكبرى في ذلك العصر (البرتغال، إسبانيا، إنجلترا، هولندا...) قد تأرجحت بين توجهين:
* التوجه الأول: يعتمد تأمين المناعة الذاتية للأسواق الداخلية بإزالة المعيقات التي كانت تحول دون ازدهارها، ومن ضمن هذه المعيقات إصلاح أنظمة النقد والجمارك والضرائب والطرق (...). وهذا التوجه كان له قصب السبق طيلة القرن 18.
* التوجه الثاني: يقوم على الغزو الاستعماري والامبريالي بما يتيحه من تعظيم للمنافذ والأسواق الخارجية وتراكم للأموال والثروات، وبما يتطلبه من سيطرة على المضايق البحرية ومراقبة المحيطات. وقد أدى كل ذلك إلى تمركز الأموال وتسارع الأرباح، لا سيما وأن الثورة الصناعية الأوروبية كانت في أوجها، ولم تكن مصحوبة بسياسة لتوزيع الدخل وإقرار العدل والإنصاف.
حسب برادة السني، تم الحسم بين الاتجاهين لفائدة التوجه القائم على العنف والمواجهة والتصادم باعتباره سبيلا لا مناص للقوى الأوروبية من ولوجه، ضدا على بعضها البعض، وضد الشعوب المغلوب على أمرها في القارات الأربع الأخرى، والقصد شعوب أمريكا وإفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا. وكان الرهان يهدف إلى تثبيت دعائم الاستعمار والامبريالية الأوروبيين، وبالتالي تحقيق سياسة "أوربة العالم".
ومما خلص إليه هذا المفكر الاقتصادي من خلال تحليلاته العلمية لما جرى تاريخياً، أن العولمة الأوروبية تعني أن أوروبا كانت هي مركز العالم وقطب الرحى لكل ما يجري فيه خلال القرن 19 ومطلع القرن 20، مما يعرف بالموجة الأولى للعولمة، والتي وضعت الحرب العالمية الأولى حداً لها، ووضعت بذلك حداً للهيمنة البريطانية ومعها هيمنة باقي القوى الأوروبية. وبالنتيجة، نهاية "أوربة العالم".
لقد عرف العالم العديد من التحولات الجذرية الاقتصادية والاجتماعية بعد الحربين العالميتين، وخاصة إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
أي واقع يعيشه عالمنا الحاضر في زمن العولمة؟
إن قراءة متمعنة لما نعيشه اليوم تجعلني أرصد ثلاث مراحل في زمن "العولمة الجديدة"، وسأوضح بعض تجلياتها دون ادعاء بامتلاك حقيقة الفهم.
المرحلة الأولى: مرحلة التبشير
تتمثل هذه المرحلة في الفترة الممتدة من سقوط جدار برلين ومعه المنظومة الشيوعية إلى حين الإعلان عن اجتياح وباء كورونا للعالم.
في التاسع من نونبر عام 1989، انهار جدار برلين الفاصل بين الألمانيتين، ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية. وقد تم تبشير الإنسانية في العالم بنهاية زمن الديكتاتوريات وقمع الحريات الفردية والعامة، وأن الإنسان سيتمتع في المرحلة الجديدة من تاريخ العولمة بحقوقه في التعبير والرأي والاختلاف مع الآخر في الدين والثقافة. وأن حقه في الحياة حق مقدس.
وساهم في نشر هذا التفاؤل العديد من الكتاب والباحثين والإعلاميين والسياسيين. ومما كتبه أحد المؤلفين في هذا الصدد: "أعتقد أنه يجب تقبّل الواقع الذي يسود العالم الآن وهو أنه يمضي متكافلاً يعتمد بعضه على البعض الآخر بحيث يدعم فرص البشر في الاعتراف والإقرار بإنسانيتهم التي يتقاسمونها".
لو كان هذا المؤلف المحترم قد كتب ذلك في بداية التسعينيات من القرن الماضي، لقلنا إنه قد سقط في فخ صناع العولمة الجديدة. لكن أن يتحدث عن التكافل بين الدول والبشر والاعتراف والإقرار بإنسانيتهم في سنة 2014 (سنة إصدار كتابه) فهذا نوع من التضليل للرأي العام العالمي.
في هذه الغمرة من التفاؤل كذلك، قال السيد "روناتو جيرو"، الذي كان مديراً عاماً للمنظمة العالمية للتجارة، أمام قمة لرؤساء دول (ميركوزور) لأمريكا اللاتينية عقدت بمدينة (أسونسيون) عاصمة الباراغواي في يوليوز 1997: "إن تصنيع دول الشمال قد تطلب قرنين من الزمن، بينما لن يتطلب وصول مليارات البشر (في الجنوب) إلى نفس النتيجة أكثر من جيل واحد".
والحقيقة التي أثبتها الواقع هي ما ذهب إليه الاقتصادي العربي إسماعيل صبري عبد الله، الذي يفضل كلمة "الكوكبة" عن كلمة العولمة، لأن مفهوم الكوكبة في رأيه يعطي البعد الحقيقي لمفهوم الاستغناء الكامل عن الدولة في المجال الاقتصادي، وإسناد هذا الدور للشركات متعددة الجنسيات. والنتيجة: مزيد من تعميق الفوارق، وارتفاع وتيرة الاستقطاب المتزايد بين الأقلية الغنية والأغلبية الفقيرة في العالم.
المرحلة الثانية: تفنيد مزاعم التبشير
في تقديري، ابتدأت هذه المرحلة منذ أن تحول فيروس كورونا إلى جائحة عالمية في 2020. وهي مرحلة غنية بدروسها، لكن صناع العولمة الجديدة لم يستفيدوا من أهم هذه الدروس، ومضمونها: إن الاعتقاد في حرية السوق، وأن السوق تخلق توازنها تلقائياً داخل البلد الواحد وعالمياً، وأن دور الدولة ينبغي أن يقتصر على تحقيق الأمن، وأن لا تتدخل الدولة في الاقتصاد، وأن تعمل دول الجنوب على تهيئة المناخ الاقتصادي لاستقبال الاستثمارات الأجنبية (...) كلها أمور فنّدها الواقع.
وقد تبين أن على الدولة أن تكون فاعلاً مهماً في كل مجالات القطاع العام: التعليم، الصحة، التشغيل، وحماية حقوق العمال والموظفين. كما أن للقطاع الخاص مجالاته، وعلى الدولة أن تراقبه وفقاً للقوانين المنصوص عليها في كل مجال.
المرحلة الثالثة: من الهيمنة إلى الطغيان
بعدما طالت العولمة كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وتدنى دور الدولة في هذه المجالات، وأصبح الشباب في العالم مستعبداً من خلال التكنولوجيا المتطورة، انتقلت العولمة فوراً إلى مرحلة الطغيان.
وتبدأ هذه المرحلة منذ السابع من أكتوبر 2023. ومهما تكن الأسباب، يتساءل كل من له ضمير إنساني حي بعيداً عن الخلفيات الإيديولوجية والسياسية: ما ذنب الأطفال والشيوخ وكل سكان قطاع غزة، واليوم لبنان، ما ذنبهم في ما جرى وما يجري من إبادة جماعية ودك لمنازلهم وهدم للمستشفيات التي تستقبلهم للعلاج؟ لماذا يقع هذا الطغيان أمام أنظار القوى الغربية العظمى؟
فقدان البوصلة
إن العالم فقد بوصلته فعلاً، فكيف ذلك؟
أولاً – هل نسي صناع العولمة الجديدة مرجعيتهم الفكرية؟
تتمثل هذه المرجعية الفكرية في المبادئ الأساسية الثلاثة للنهضة الأوروبية في القرن 16 وعناوينها الكبرى:
1- الفردانية
2- المادية
3- التقدم
ويشكل الفرد المحور المركزي في الفكر الليبرالي بكل أبعاده الاقتصادية والسياسية والفكرية. ولعلنا نستحضر هنا العقد الاجتماعي ل"جون جاك روسو"، والنظريات الاقتصادية لكل من "آدم سميث" و"دافيد ريكاردو" و"جون ستيوارت ميل" و"جون باتيست ساي" وآخرون.
وبالتركيز على "سميث" باعتباره مؤسس الليبرالية الاقتصادية، فقد ارتأى هذا الرائد الاقتصادي أن هناك ثلاثة منابع للتوصل إلى الرخاء الاقتصادي وهي:
* الطموح إلى تحقيق المنفعة الذاتية.
* تقسيم العمل والتخصص.
* تجارة ومنافسة حرتين.
وحسبه، لكي تقوم الدولة بتفعيل هذه المنابع الثلاثة لتتمكن من تحقيق الرخاء الاقتصادي يجب عليها أن لا تؤثر على مجريات السوق سوى بشكل غير مباشر، وأن تترك للسوق أكبر حيّز ممكن من الحرية. ومن هنا تم استنباط مبدأ "دعه يفعل" (laissez-faire).
وينص هذا المبدأ على أنه ينبغي للدولة أن تحصر مهامها في: ضمان الأمن العام، الدفاع عن الوطن، توفير القضاء العادل، توفير البنيات التحتية، والتعليم. ولا يجب عليها أن تتدخل في السوق، وبذلك ستفتح الباب على مصراعيه لأكبر إنتاجية ممكنة.
لقد وضع "سميث" القواعد النظرية لليبرالية الاقتصادية التي عملت في سياق الثورة الصناعية إبان القرن 19 على إثارة جماح القوى الإنتاجية، إلا أنه انطلق من فرضية قائمة على أن السوق الحرة تحافظ على توازنها تلقائياً، لكنه لم يتنبّأ بالأزمات الاقتصادية والكساد الاقتصادي العالمي.
وللأسف، نسي صناع العولمة الجديدة "الليبراليون الجدد" واحدة من أهم هذه الأزمات وهي الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929، التي كانت سبباً في خروج نظرية "كينز" لإنقاذ الرأسمالية من مأزقها عبر تمركزها على تدخل الدولة في الاقتصاد. وقد توالت الأزمات الاقتصادية والمالية، وما يعيشه العالم منذ 2007/2008 إلا مظاهر لأزمات العولمة الجديدة.
ثانياً – هل نسي صناع العولمة الجديدة تصريحاتهم السياسية ودعوات التبشير؟
يبدو أننا في عالمنا اليوم نعيش بدون أخلاق سياسية، والقصد أن العلاقة بين الأخلاق والسياسة الدولية قد اختلت. كيف ذلك؟
يتوفر شرط الأخلاق في السياسة من خلال أمرين: الوفاء بالوعود التي يقدمها السياسي أمام الرأي العام من خلال تصريحاته وبرامجه، ومن خلال وفائه لمرجعيته الفكرية والسياسية والإيديولوجية...
فكما رأينا، فور سقوط جدار برلين ومعه المنظومة الشيوعية، قدم صناع العولمة وعوداً أخلاقية وسياسية بالغة الأهمية من قبيل: نهاية مرحلة الديكتاتوريات، ونهاية مرحلة قمع الحريات العامة والفردية (...). وسيمكن الانفتاح على السوق العالمية دول الجنوب من القضاء على الفقر والتهميش وآفات الجوع والعطش (...).
ولكن لم تتحقق هذه الوعود والتبشيرات.
ما تحقق فعلاً هو عودة الأنظمة العسكرية إلى الحكم في العديد من الدول الإفريقية، وكثرة الحروب. وما نشاهده بألم هو إبادة الشعب الفلسطيني، والحرب الخطيرة الأبعاد في لبنان، والحرب بين روسيا وأوكرانيا...
والضحايا دائماً هم المستضعفون في العالم.
ويتساءل طلاب كليات الحقوق ومعاهد العلوم السياسية في العالم: لماذا تصلح الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي؟ ولماذا يدرسون القانون الدولي الإنساني؟ ولماذا يتم تدريس مادة حقوق الإنسان؟ وهل يكفي إصلاح نظام مجلس الأمن الدولي كما تدعو إلى ذلك دولة فرنسا مؤخراً؟
ونطرح الأسئلة التالية:
* ما مستقبل الشرق الأوسط في ظل المتغيرات الخطيرة التي يعيشها الآن؟
* هل سيصبح مشروع "الشرق الأوسط الكبير" واقعاً ملموساً؟
ولإعادة التوازن العالمي:
* أليس صناع العولمة الجديدة في حاجة إلى الرجوع إلى المبادئ الحقيقية لليبرالية؟
* أليست "الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية" في حاجة إلى تجديد الفكر الاشتراكي وتجديد آليات اشتغالها السياسي؟
* أليس العالم العربي والإسلامي في حاجة ماسة إلى تجديد التفكير في القضايا المعاصرة بناء على العقلانية والواقعية؟
مجمل القول:
يبدو أن صناع العولمة الجديدة في حاجة إلى القيام بنقد ذاتي. ولا بد أن يدركوا أنه لا سلام في الشرق الأوسط وفي العالم من دون حل الدولتين: دولة فلسطين ودولة إسرائيل وفق قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
ويبدو أن العالم في حاجة إلى عودة الأقطاب الاقتصادية والسياسية الكبرى لإعادة التوازن العالمي. وعلينا أن نلاحظ أن الصين تعمل بهدوء في هذا الاتجاه لتصبح القوة الاقتصادية والتجارية العالمية الأولى في المستقبل.
وأخيراً، ألا نعيش اليوم فعلاً في عالم يسوده "قانون الغاب"، وتحكمه العولمة المتوحشة من خلال الشركات المتعددة الجنسيات التي هي الفاعل الرئيسي في منظومة العولمة، والتي لا يهمها سوى تحقيق الأرباح الطائلة ولو اقتضى الأمر تشييء الإنسان بل إبادة الشعوب في المناطق التي تخالف منطق صناع العولمة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.