وصل الملك محمد السادس إلى العاصمة الإيفوارية أبيدجان، عشية الأحد، في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، رغم غياب الرئيس الحسن واتارا، الذي يمضي فترة نقاهة في باريس؛ إثر خضوعه لجراحة مطلع الشهر الجاري. وفي وقت سابق من فبراير الجاري، سافر رئيس كوت ديفوار إلى فرنسا في ما كان يظنه العديد من الإيفواريين رحلة من بين رحلاته الترفيهية في الخارج، لكن الرئاسة الإيفوارية أصدرت بيانا مقتضبا، الإثنين الماضي، أعلنت فيه أن واتارا خضع لجراحة ناجحة للتخلص من آلام "عرق النسا" (ألم العصب الوركي)، وإنه سيعود إلى البلاد عقب قضاء فترة نقاهة وجيزة (لم تحدد مدتها) في فرنسا. ووفقا لجدول الزيارة، الذي أصدرته وزارة الخارجية في كوت ديفوار، من المقرر أن يفتتح الملك محمد السادس ويترأس منتدى اقتصادي في العاصمة الاقتصادية، أبيدجان، اليوم الإثنين، يحضره مستثمرون مغاربة ورجال أعمال محليين، بجانب كبار المسؤولين الحكوميين من كلا البلدين. وعقب حضور فعاليات المنتدى، سيزور الملك محمد السادس والوفد المرافق له موقع مشروع سكني عملاق تقوم ببنائه شركة "أليانس جروب" المغربي، في حي أنياما على مشارف أبيدجان، كما سيختتم العاهل المغربي اليوم الأول من زيارته بجولة في أكبر أحياء مدينة أبيدجان، ويسمى يوبوغون، حيث يوجد مصنع الإسمنت المغربي (سيماف) الذي افتتح في نوفمبر 2011. ويوم الثلاثاء، يشارك الملك في وضع حجر الأساس لمشروعين يجري إنشاؤهما من قبل مستثمرين مغاربة، وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، يحضر احتفالا رسميا في مقر الرئاسة الإيفوارية، حيث سيتم توقيع عدد من اتفاقيات الشراكة والاستثمار بين القطاعين العام والخاص في البلدين، على أن يغادر كوت ديفوار، متوجها إلى غينيا مساء الأربعاء، لمواصلة جولته الإقليمية. يذكر أن البلدين كانا قد وقعا، خلال الزيارة الرسمية الأخيرة للملك إلى أبديجان في مارس الماضي، مجموعة من اتفاقيات التعاون في عدة ميادين، تهم مجالات التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، والتعاون الثنائي في مجال الصيد البحري وتربية الأحياء المائية، والخدمات الجوية بين البلدين، والتكوين المهني في مجال السياحة، والتعاون المغربي- الإيفواري في مجال الوقاية المدنية. وتدل جميع المعطيات على أهمية الإمكانيات والوسائل الكفيلة بجعل البلدين يستفيدان بشكل أكبر من علاقات التعاون القائمة بينهما. فالكوت ديفوار، التي يصل ناتجها الداخلي الخام إلى 40 بالمائة من ناتج الدول الثمانية التابعة للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، تزخر بثروات طبيعية ومنجمية هامة، من قبيل البترول والذهب والمعادن النفيسة إلى جانب كونها إحدى أهم البلدان المنتجة للموز والأناناس والكاكاو والبن، بينما يتوفر المغرب بدوره على إمكانيات فلاحية كبرى وخبرة جيدة للغاية في مجالات إحداث وتدبير البنيات التحتية والقطاع البنكي والتكوين المهني والاتصالات. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن مجموعة التجاري وفا بنك كانت قد اقتنت 51 بالمائة من رأسمال الشركة الإيفوارية للأبناك، بينما امتلكت مجموعة "سحام" مجموعة "كولينا" الإفوارية (التأمين وخدمات أخرى)، في حين حصلت مجموعة البنك الشعبي على ما نسبته 50 بالمائة من رأسمال البنك الأطلسي للكوت ديفوار. من جانبها، دخلت مجموعة الضحى السوق الإيفوارية بقوة من خلال استثمارها لما قيمته 30 مليون أورو في بناء وحدة لإنتاج الإسمنت بأبيدجان وتنفيذ مشاريع كبرى للسكن الاجتماعي، علاوة على الحضور القديم للمجموعة المغربية "أفريكان دي سيرفيس" بالكوت ديفوار، والتي تنشط في قطاعي الهندسة المدنية والأشغال العمومية، إلى جانب مجموعة "إنفوليس" التي حصلت على عقد قيمته ستة ملايين أورو مقابل التدبير المعلوماتي للموروث العقاري الإيفواري. وحسب عدد من المتتبعين للشأن الاقتصادي بكلا البلدين، فإن الاستثمار الكبير الذي تنفذه مجموعة الضحى، والمتعلق ببناء وحدة لإنتاج الإسمنت بالمنطقة الصناعية "يوبوغون" (حي يقع غرب أبيدجان) يشكل أهم استثمار أجنبي ينفذ بالكوت ديفوار، حيث كانت مبادرة رجال الاعمال المغاربة الذين لم يترددوا في استثمار أموالهم في هذا المصنع الضخم، على الرغم من الوضع الأمني الصعب آنذاك، محط إشادة خاصة من قبل الرئيس الإيفواري الحسن وتارا، الذي اعتبرها دليلا كبيرا على ثقة المغرب في المستقبل الواعد للبلاد. وتبقى مساهمة الجالية المغربية في تطوير المبادلات التجارية والاقتصادية بين البلدين هامة للغاية، بالنظر إلى أن قرابة 3000 مواطنا مغربيا يستقرون في الكوت ديفوار منذ عقود، حيث ينشطون على الخصوص في قطاع توزيع الأجهزة المنزلية والملابس والصناعة التقليدية والأشغال العمومية. وتأتي مجموع هذه المشاريع الهامة لتعزيز التعاون المثمر بين البلدين في مجال تكوين الأطر، بالنظر إلى اختيار العشرات من الطلبة الإيفواريين مواصلة دراستهم في المغرب، علما بأن المغرب وكوت ديفوار يرتبطان، أيضا، بعدد من الاتفاقيات التي لا تقل أهمية، لاسيما في مجالات محاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والازدواج الضريبي والتدليس الجبائي، وفي مجال الضريبة على الدخل وتدبير خدمات المطارات. وللإشارة، فإن بعثة عسكرية مغربية متواجدة بكوت ديفوار منذ سنة 2004 في إطار عمليات حفظ السلام، حيث يحظى الجنود المغاربة بثقة كبيرة نظرا لاحترافيتهم وحس المسؤولية والواجب الذي يتحلون بهما في خدمة السلام والوئام الوطني بهذا البلد الإفريقي الهام.