لم يكن الحكم الذي قضت به المحكمة الابتدائية بمدينة بنسليمان في قضية "الخادمة كنزة"، القاضي بإدانة المتهمَيْن معاً في الملف بخمس سنوات سجنا نافذاً، "كافيا" بالنسبة لحقوقيات مغربيات تابعن هذا الملف منذ حلقته الأولى، حين اهتز الرأي العام إثر رواية العاملة المنزلية التي تقول إنها تعرضت للتعذيب على أيدي كل من مشغلتها وزوجها؛ وهما اللذان قضت المحكمة بسجنهما. المحكمة أدانت المشغلة ب3 سنوات حبساً نافذاً بعد مؤاخذتها بانتحال صفة والضرب والجرح؛ فيما قضت في حق زوجها بسنتين حبسا نافذا، وبرأته من تهمة انتحال صفة، وهو الحكم الذي قالت حقوقيات إنه "كان يحتاج أن يتم تكييفه على أنه اتجار بالبشر، بالنظر إلى استغلال حاجة كنزة طيلة هذه المدة وممارسة التعذيب في حقها". وهذا رغم كون دفاع المتهمين قال إن "الاحتجاز لم يكن مطروحا وتم الإدلاء بما يثبت ذلك". "اتجار بالبشر" فتيحة شتاتو، محامية وحقوقية، قالت إن "العقوبة التي ارتآها القضاء في هذه القضية لن تعيد للخادمة كنزة ما ضاع منها وما تهشّم من صحتها النفسية"، مشيرة إلى أن "الضرر النفسي مع الأسف مازالنا لا نستطيع تقديره بالشكل الكافي في القضايا المماثلة"، وزادت: "هذه القضية في الحقيقة كانت تحتاج أن يتم تكييفها على أنها اتجار بالبشر؛ ففيها استغلال هشاشة الضحية بشكل غير مقبول أخلاقيا أو قانونيا". وأوردت شتاتو، ضمن تصريحه لهسبريس، أن "هذه الأفعال تتطلب تشديد العقوبات بما يحقق الردع للمجتمع، وحتى تعرف أي أسرة تطلب خدمات مساعدة منزلية أن هتك الكرامة والاعتداء والتعنيف المادي واللفظي والجسدي أفعال جرمية لا يمكن أن تمر مرور الكرام"، معتبرة أن "هذا دور القانون في تخصيص حماية عالية لأفراد المجتمع، وإلا صرنا في قانون الغاب، حيث القوي يأكل الضعيف، مثلما يحدث عادة في هذه النوازل التي تطفو للإعلام بين الفينة والأخرى". وأردفت الفاعلة الحقوقية سالفة الذكر: "القضاء لابد أن يكون متشددا في الملفات المماثلة، ولذلك نحن نرفض الصلح في قضايا العنف ضد النساء، كما نرفض أن يتم إدراج هذا الشكل من الجرائم في خيارات العقوبات البديلة"، معتبرة أن "الاستئناف في هذه القضية المتعلقة بالعاملة المنزلية كنزة يتعين أن يكون من طرف دفاعها من أجل ضمان حكم أكثر صرامة في المرحلة الاستئنافية؛ فيما تحتاج الضحية للمواكبة النفسية طيلة هذه المدة". "عقوبة غير كافية" الفاعلة الحقوقية بشرى عبدو قالت: "إن القضاء مبدئيّا مستقل، غير أننا نعتبر هذا الحكم الصادر في حق معنّفي الخادمة كنزة غير كاف وغير رادع"، مشيرة إلى مشكلة جوهرية هي أن القضاء المغربي "مازال شارداً عن إدراج الضرر النفسي والمعنوي، الذي يكفي لوحده لرفع العقوبة إلى مستويات ثقيلة قد تكون عبرة لبقية المعنّفين حتى لا يظنّوا أن الإفلات من العقاب مُمكن"، وزادت: "نحن نعول دائما على القضاء لرد الاعتبار للضحايا". ونادت عبدو، ضمن تصريحها لهسبريس، بتفعيل القانون 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، "لكونه دخل حيز التنفيذ، غير أنه مازال معلّقا بشكل غير مفهوم رغم الحاجة الملحة إليه من أجل حماية وتحصين حقوق النساء العاملات في البيوت، حيث يتعرّضن لمختلف أشكال التنكيل والتعنيف والإهانة؛ ولذلك كانت قضية الخادمة كنزة تستدعي أن تبعث الجهة القضائية رسائل حاسمة إلى كل من يفكر في تعنيف خادمته". وأوردت رئيسة جمعية التحدي والمساواة أن "الجمعية ستدرس الملف، ويمكن أن تنصب نفسها طرفاً من أجل استئناف الحكم"، مشددة على أن "العنف ضد النساء يتعين أن تكون عقوباته ثقيلة، خصوصا أن الطبيب الذي واكب الضحية منذ البداية قال إن هناك حالة تعنيف واضحة لا غبار عليها، وهو ما يتطلب أن تكون العقوبة بحجم هذا الضّرر، لحماية خادمات أخريات من مختلف صنوف المعاملة السيئة". "ادعاء الاحتجاز" من الجهة المقابلة قال رشيد غاني، المكلف بدفاع المتهمين، إنه "بشأن الاحتجاز تم الإدلاء بما يفيد عدم ثبوت هذا الادعاء"، مسجلا أن "الاتهام المرتبط بالعاهة المستديمة تم تفنيده أيضا، لأن الملف لا يتضمن ما يؤكد عاهة مستديمة على مستوى الأذن"، وزاد: "حتى التقرير الطبي الأول والثاني لم يتحدثا عن العجز أو عن فقدان وظيفة الأذن، فالتمسنا استبعادها". ووضح غاني، ضمن تصريح أدلى به لهسبريس عقب النطق بالحكم ببن سليمان أمس الخميس: "بخصوص واقعة الاحتجاز فرقنا بين فترتين، الأولى فترة الإقامة بمراكش، حيث كان شهود ضمنهم الحارس الليلي وغيره أكدوا أمام المحكمة أن المعنية كانت تستطيع الخروج والتجول والتبضع"، مبرزا أنه "في المرحلة الثانية بعد القدوم إلى مدينة المنصورية تم الإدلاء بالفاتورة المرتبطة بالماء والكهرباء، التي تبين تواجدهم بكثرة".