لا ريب أن الجميع لا يزال يتذكر المعركة الحامية الوطيس ، التي دارت رحاها بين وزارة التربية الوطنية من جهة و النقابات ونساء و رجال التعليم من جهة ثانية. ففي الوقت الذي سعت فيه الوزارة إلى فرض –من جانب واحد- شبكة للتنقيط ، تهدف إلى تقييم أداء المدرسين و المدرسات قصد الترقي أو عدمه في السلالم ، انتفض المعنيون بالأمر عن بكرة أبيهم رافضين هذه الشبكة ، بعد أن تداولوا في شأنها ، مبررين رفضهم بكونها ترهن مستقبلهم المادي بين أيدي المديرين و المفتشين ، كما أن هؤلاء الأخيرين لم يستسيغوا هذه الشبكة ، وإن تعاطوا معها على مضض ، لأنها تجعل ترقيهم- هم كذلك- تحت رحمة من هم أعلى رتبة منهم في السلم الإداري. "" وقد انتهت هذه المعركة- كما هو معلوم – بإعلان النقابات عن الإعلان عن نيتها في تنظيم مسيرة حاشدة في مدينة الرباط ، مما ادى إلى إلغاء الشبكة ، و إن كانت الوزارة قد أعلنت عن تأجيل تطبيقها فقط لا إلغائها نهائيا. بعد ذلك بعدة أشهر ، انطلقت دورات تكوينية في بعض الأكاديميات المنتقاة ، وقد مرت هذه الأيام التكوينية في ظروف مرضية ، إذ نجحت في المزج بين التكوينين النظري و التطبيقي ، واستفاد منها المعنيون على دفعات ، استغرقت كل دفعة خمسة أيام ، أشرف عليها مفتشون و مكونون في مراكز التكوين وبعض الإداريين ، وقد تمحورت هذه الدورات التكوينية على " بيداغوجيا الإدماج" .. وخلاصة ما جاءت به هذه الأيام التكوينية أن السنة الدراسية سيتم تقسيمها إلى أربع مراحل ، تتكون كل مرحلة من ثمانية أسابيع ، إذ سيتم التركز في الأسابيع الستة الأولى على إكساب التلاميذ كفايات و أهداف تعليمية جديدة ، و تنقسم هذه الكفايات إلى أساسية و مستعرضة ، تتحقق باكتساب المتعلمين موارد جديد ، وهي عبارة عن معارف و مهارات و سلوكات ، في حين يتم خلال الأسبوعين السابع و الثامن توقيف أي إكساب جديد للموارد ،و التركيز على شيئين أساسين ، وهما مربط الفرس بالنسبة ل "بيداغوجا الإدماج" : -الأسبوع السابع : إنماء الكفاية -الأسبوع الثامن : تقويم إنماء الكفاية. و يتحقق ذلك من خلال اقتراح وضعيات إدماجية تتكون من: - السياق ، وهو المجال العام الذي تندرج فيه الوضعيات المقترحة. - الأسناد :جمع سند و هي الوثائق و الجداول و الور التي تقدم للمتعلم ضمن الوضعيات المقترحة. -التعليمة وهي الأسئلة المذيلة للأسناد ، وتحدد المطلوب من المتعلم من أجل إنجازه. وبعد أن يسهر الأستاذ على إنجازات المتعلمين ، تأتي مرحلة تقويمها ، والتي تنقسم إلى معالجة فورية و معالجة مركزة. وتتبع المعالجة خطوات دقيقة : -التشخيص و يعني التأشير على أخطاء المتعلمين و تسجيلها. -التصنيف : و يتحدد خلاله نوع الخطأ أو الصنف الذي ينتمي إليه.و من هذه الأصناف ا- الملاءمة : أي مدى فهم التلاميذ للتعليمة التي تذيل الأسناد. ب- استخدام الموارد : و يعني التحقق من مدى قدرة التلاميذ على توظيف ما اكتسبوه من موارد خلال الأسابيع الستة السالفة الذكر. ج- الانسجام : التسلل المنطقي للأفكار و مدى ترابطها. د- جودة العرض. - تفييء المتعلمين بعد تفريغ الأخطاء في شبك, خاصة عبر تصنيفها ، يعمد المدرس إلى تصنيف المتعلمين حسب الأخطاء و تواترها و شيوعها ، انطلاقا من تحديد مصادر هذه الأخطاء ، التي قد تكون نتيجة التسرع أو عدم التحكم في الكفاية أو خلل عضوي لدى التلميذ يستدعي تدخل أطراف خارجية كالأسرة أو الطبيب ... -المعالجة :و تتدرج من المعالجة الجماعية أي ضمن مجموعات ثم ثنائية ، ففردية ، حسب طبيعة الخطأ ، وقد تستوجب إعادة إكساب المتعلمين لكفاية معينة لم يتمكنوا منها ، ويتم رصد هذا التمكن و التعبير عنه بالتمكن الأقصى أو الأدنى أو الجزئي أو المنعدم. بعد هذا التلخيص المتعجل ل"بيداغوجيا الإدماج " كما جاءت في الدورات التكوينية ، و الذي نعترف بقصوره عن إعطاء نظرة شاملة و متكاملة عما تم التطرق إليه خلالها ، إذ زخرت بكم من المعطيات و الوثائق الهامة التي يتعسر حصرها في هذا المجال الضيق ، نجد أنفسنا ملزمين بتقديم بعض الملاحظات. - نجاح هذه الدورات التكوينة " برشيد نموذجا". - ضرورة استمرارها ، حتى لا تكون سحابة صيف عابرة. - المحافظة على نفس الجدية و الحماس في التعاطي معها من قبل المكونين و المستفدين منه. - التعجيل بإخراج الكراسات الموعودة إلى النور ، حتى تيسر عمل كل من المدرس و المتعلم. -توفير الوسائل التعليمية الكفيلة بإنجاح المنهجية الجدية. - ضرورة توفر كل مؤسسة على آلة النسخ. -تعويض رجال التعليم عن التنقل إسوة بالمكونين. وعلى الرغم من التفاؤل الذي عبر عنه الكثيرون بخصوص هذه الدورات و تميزها عن الدورات السابقة ، فإن تخوفا مشروعا تسرب إلى الأفئدة ، مفاده أن "بيداغوجيا الإدماج " قد تكون سبيلا ملتويا ، عمدت وزارة التعليم إلى سلكه لتمرير مشروعها المجهض المتمثل في "شبكة التنقيط " غير المأسوف عليها، إذ إن نقط تقاطع بادية للعيان تجمع بينهما . فإذا كان المدرس سيخضع المتعلمين لتقييم و تقويم تعلماتهم اعتمادا على المنهجية الجديد ، فإنه هو نفسه سيخضع لنفس الشيء من قبل المديرين و المفتشين ، الذين من المنتظر أن يستفيدوا من تكوين في هذا المجال. وإذا كانت كل من "بيداغوجيا الإدماج " و " شبكة التنقيط" تتفقان في الشكل و الهدف العام أي القييم و التقويم ، فشتان ما بين النتائج التي ستترتب عن الأولى و تلك التي ستترتب عن الثانية ، فإذا كانت نتائج الأولى في صالح المتعلم و منصفة له ، فإن نتائج الثانية قد تكون كارثية بالنسبة للمدرس. لكل ذلك و لغيره لا نملك سوى أن نهمس في آذان من يهمهم الأمر بأن نساء و رجال التعليم ليسوا ضد تطوير أدائهم المهني ، والرقي بمهنتهم إلى المستوى الذي تستحقه كمهنة نبيلة ، يعول عليها في رقي الوطن و المواطنين ، فإنهم – و بلا تحفظ - ضد أن تطبق عليهم معايير تقييمية جديدة، دون التخلص من تركة الماضي ، و نعني بها تراكم أفواج المدرسين الذين حرموا من الاستفادة من الترقي في السلالم منذ سنة2003. وإذا كانت الوزارة جادة و حريصة على تحقيق الأهداف المتوخاة من اعتماد " بيداغوجيا الإدماج" ، فلتبادر – دون تباطؤ أو تلكؤ- إلى تطبيق ترقية استثنائية ، تصفي العجز المتراكم في هذا المجال، وسيكون ذلك – في حال تحققه- كفيلا بسد باب الذرائع ، ومحفزا – بالتالي- على إدماج هذه المنهجية في المدرسة المغربية بسلاسة ويسر ونجاعة ،وإلا فإنها ستعتبر سبيلا ملتويا ومخادعا لتمرير ما تم رفضه بالأمس.