في أحدث تحيين لتوقعاته، توقع البنك المركزي المغربي، في أعقاب انعقاد ثاني اجتماع فصلي له هذه السنة، أن يواصل "التضخم الداخلي، بعد تسجيل نسبة 6,6% في 2022 و6,1% في 2023، تراجُعه إلى معدلات متدنية نتيجة بالخصوص لانخفاض الضغوط التضخمية خارجية المصدر"، و"تدني أسعار المواد الغذائية متقلبة الأثمنة". وقال بنك المغرب، في بلاغ صحافي اليوم الثلاثاء 25 يونيو، إنه "من المتوقع أن يُنهي التضخم السنة الجارية بمتوسط 1.5% قبل أن يرتفع في العام المقبل 2025 إلى 2.7%"، "آخِذاً بالاعتبار هذه المعطيات واستئناف عملية رفع الدعم"، وفق تعبيره. المُكون الأساسي للتضخم، الذي يعكس التوجه الرئيسي للأسعار، أبرز مجلس البنك أنه "بلغ 2,1% في المتوسط خلال الشهور الخمسة الأولى من السنة"، قبل أن يَرتقب أن "يظل قريبا من هذا المستوى إلى غاية نهاية 2025". وبإيجابية، سجل المجلس "التثبيت الجيد لتوقعات التضخم كما وردت في الاستقصاء الفصلي لبنك المغرب لدى خبراء القطاع المالي"، معلقا ضمن البلاغ ذاته بالقول: "عرفت هذه الأخيرة تراجعا هاما، مستقرة في الفصل الثاني من السنة في 2.7% بالنسبة لأفق 8 فصول وفي 2,8% بالنسبة لأفق 12 فصلاً". وخلال هذا الاجتماع الفصلي الثاني، صادق المجلس على "التقرير السنوي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية للبلاد"، وعلى "التقرير السنوي لأنشطة البنك برسم سنة 2023′′، قبل أن يمر إلى "تحليل تطور الظرفية الوطنية والدولية، والتوقعات الماكرو اقتصادية لبنك المغرب على المدى المتوسط". "نمو رهين بالحبوب" يرى مجلس بنك المغرب أن "الإنتاج الفلاحي من المتوقع أن يبقى رهيناً بالظروف المناخية"، مثبتا توقعاته السابقة التي بخصوص تراجع محصول هذه السنة من الحبوب، وهو ما سيجعل "نمو الاقتصاد الوطني يتراجع إلى 2.8% في 2024 قبل أن يتسارع إلى 4.5% في 2025". وتوصل المجلس إلى ذلك "أخذا بالاعتبار محصول حبوب قدره 31,2 مليون قنطار حسب تقديرات وزارة الفلاحة"، كما أنه "من المرجح أن تتراجع القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 6.9% هذه السنة، قبل أن تنتعش بواقع 8.6% في 2025 بناء على فرضية العودة إلى محصول حبوب متوسط قدره 55 مليون قنطار". وكان النمو الاقتصادي قد تسارع من 1.5% في 2022 إلى 3,4% في 2023، ما عزاه البنك إلى ثمار "تحسن القيمة المضافة غير الفلاحية بنسبة 3.5% بعد 3,4% وانتعاش طفيف في القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 1.4% بعد انكماش بواقع 11.3%". وعلى المدى المتوسط، يرتقب أن تتعزز الأنشطة غير الفلاحية بوتيرة 3,8% في 2024 وبواقع 4,1% في 2025، خاصة بفضل مختلف الأوراش التي تم إطلاقها أو برمجتها، وتواصل دينامية الأنشطة المرتبطة بالسياحة وتزايد استهلاك الأسر في ظل تراجع التضخم والزيادات في الأجور". "آفاق مشوبة باللّايقين" التوترات الجيو-سياسية المتصاعدة لم تغب عن أنظار مجلس البنك المركزي، مسجلا "الصمود النسبي للنشاط الاقتصادي وانخفاض الضغوط التضخمية الذي يتوقع أن يستمر، وإن بوتيرة أبطأ مما كان متوقعا في مارس الماضي". وزاد مستدركاً بأن "هذه الآفاق تبقى محاطة بمستوى عال من اللايقين، ارتباطا بالأساس باستمرار التوترات الجيو-سياسية والنزاعيْن في أوكرانيا والشرق الأوسط". وعلى المستوى الداخلي، استحضر المجلس نتائج "الحسابات الوطنية السنوية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط برسم سنة 2023 مقارنة بالمعطيات الفصلية المتعلقة بالسنة نفسها"، التي سجلت "نمو الأنشطة غير الفلاحية بوتيرة أسرع"، بالإضافة إلى "تحسن ملموس في استهلاك الأسر". "وأخذاً بالاعتبار المؤشرات الاقتصادية دون السنوية المتاحة، فإن هذه الأخيرة توحي بانخراط النمو غير الفلاحي في منحى أعلى نسبيا، حيث يتوقع أن يستفيد على المدى المتوسط بالخصوص من الزخم المنتظر في الاستثمار العمومي والخاص"، يورد البنك المركزي. تزايد أسعار الفائدة يمُس المقاولات بخصوص "انتقال القرارات السابقة للسياسة النقدية إلى الأوضاع المالية"، فقد ظلت أسعار الفائدة التي تُطبقها البنوك على القروض "شبه مستقرة للفصل الثاني على التوالي"، وبلغ "ارتفاعها التراكمي بين بداية التشديد النقدي في شتنبر 2022 والفصل الأول من هذه السنة، 116 نقطة أساس". بحسب بنك المغرب، تزايُد أسعار الفائدة همَّ "المقاولات أكثر من الأفراد، وكان أقل أهمية بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة مقارنة بالمقاولات الكبرى". وبناء على كافة هذه الاعتبارات، خلص المجلس إلى أن "مُعايرة تشديد السياسة النقدية، والتتبع المنتظم لانتقال قراراته، وكذا التدابير المتخذة من طرف الحكومة لدعم القدرة الشرائية للأسر وبعض الأنشطة الاقتصادية، كلها إجراءات مكنت من إحراز تقدم جد ملموس من أجل عودة التضخم إلى مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار مع الحفاظ على انتعاش النشاط الاقتصادي بعد الجائحة". وفي ظل هذه الظروف، وبعد أن أبقى على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير خلال أربعة اجتماعات متتالية، قرر بنك المغرب تخفيضه بما قدره 25 نقطة أساس إلى 2.75%، مؤكدا أنه "سيواصل تتبع تطور الظرفية الاقتصادية والتضخم عن كثب، سواء على المستوى الوطني أو الدولي".