" حمائم ريف" قصة قصيرة، منشورة بجريدة محلية، تحدثتُ فيها عن معاناة الناظور، في أشهُر الفيضانات الأخيرة،الدراما التي عاشتها إثر هذه الكارثة جعلتها تتبرم من أزواجها الذين نهبوا كنز الربيع ليديها، ثم تخلوا عنها جحودا، وحين سألها أحد أبنائها عن سر هذه الخيانة واتتها النكتة، و حكت مدام " ريف" حكايتها، حكاية امرأة قيل لها: " من لم تتزوج أكثر من زوج واحد لم تتذوق حلاوة الحياة"، وكذلك كان، "ريف" تزوجت بمن تحب، وبمن لم تحب، والغريب أنها جزمت بأن أحسن أزواجها من ستزف إليها غدا.. وهذا الغد هو صار اليوم.. العريس الآن يختلي بها أقصد الرئيس الجديد.. فهل تحققت نبوءتها؟، هل سيكون الأفضل؟ "" عاشت الناظور كرنفالا حقيقيا، وهي تحتفل بعرس لم يدم سبعة أيام كما جرت العادة، إنما كان يمهد لست سنوات من التتويج، تنافس على تاجه أكثر من عريس ، كلٌّ عمل جاهدا على أن يفوز بقلب السيدة " ريف".. الأوراق الخضراء، بدل النبتة الخضراء، كان حناؤها، وُخطت به الأكف والرؤوس.. وحدها الناظور كانت تتأمل العرسان في ذهول، الجميع كان يلوح لها، وهم يضعون أصابعهم في جيوبهم، وليس على القلب كما يفعل العشاق، في الأفلام على الأقل وليس في الواقع، الفقراء، ما أكثرهم، استطابوا هذه الأوراق الخضراء، واعتبروا كرم العرسان الحاتمي إنما هو صفو ليس على المدى بمتاح، لذلك فكروا في تغيير بعض أحوالهم ولو لبعض الوقت ، أما الشباب فقد بحت أصواتهم وغيرت الشمس سحناتهم، وهم يحملون العريس المنتظر على الأكتاف، يلوحون بصوره، و يثنون عليه بالألوان كما هي الأوراق التي تقاضوها جزاء ذلك، لا يفتأون يذكرون مناقبهم، أما المثالب فهم عُطل منها، على الأقل في الوقت الراهن، وما زاد أيام العرس عنفوانا هم الأطفال الصغار الذين استغلوهم في هذا الشأن بشكل يندى له الجبين، والغاية هي في النهاية الطمع في أن يرق قلب مدام " ريف" لبراعمها فتغير هواها إذا أستقر رأيها على أحد. العرس سهرته بدأت هادئة، ثم تلاها صخب، ثم خبت كنار بدأت بنسيس أشعل فتيلها عرسان كثر، حاموا حولها ، كما يفعل العرسان في الهند، فكان اللهب عنوانا لعنفوانها، ووقودها ليس الحجارة ولا الحطب، إنما هو المال الكثير الذي قدم، ووهب كرمى لمدام ريف، المهم كان هو الظفر بقلبها،ثم الاختلاء بها، واغتصاب كل خيراتها. مادفع بالدموع لا يعوض بالماء المالح، تقول لهم ، لكنهم بالمال تعودوا على اغتصابها، حتى إذا وقعت فى الشرَك أداروا لها ظهورهم ، المال يعمي بصيرتهم، يريدونه شائعا مثل البنزين، المآل هو المال وليس البناء، بل بالمال يهدمون فقط ، ولا يبنون. متى يبلغ البنيان تمامه إن كنت تبنيه وغيرك يهدم تقول لأحد أزواجها السابقين ،لا يرد العريس، فبعد الافتراع، تخور قواه، فكيف يبني؟! قبل العرس ، مدام " ريف" تباهت بالكورنيش، الذي كان أخضر كعرق النعناع، ثم حين ابتليت بأمطار تشرين الأول، صار أغبر كمقبرة، الدور فيها تهدمت، بعضها على من فيه،.. كل ذلك لأن أزواجها(أقصد رؤساء مجالسها) خذلوها حين غشوها في كل شيء سوى في ملء جيوبهم من كنوزها.. وماذا بعد، انتهت المأساة، ثم نساها الناس بسرعة كما نسوا زلزال الحسيمة،و إذا الدنيا كما نعرفها: ذميمة وقبيحة، وللعمل على تجميلها بكل المساحيق طرق باب المدام أكثر من عريس لتبدأ مرحلة جديدة ، المد والجزر فيها تبادلا الأدوار، ووحده البحر لم يغير عادته، فلم يعد أحد يفهم كيف ولا متى سنتغير كما أيها الناس، فمتى ندرك أن بقاءنا سلبيين بهذا الشكل المخزي هو نشاز في دنيا غير الدنيا، الحركة هو دَيْدَبانها ، وليس السكون. عريسان اثنان انتهيا كمنافسيْن للظفر بقلب مدام ريف، الأول هو مصطفى زوجها سابقا( الرئيس السابق)، والثاني هو طارق( الرئيس الجديد)، أنصار مصطفى غنوا على أبوابها الأغنية المشهورة" مصطفى يا مصطفى أنا بحبك يا مصطفى"، وبما أن من يدفع هو من يختار الأغاني، فقد دفع هؤلاء مهرا لا يستهان به، فرقصوا على إيقاع هذه الأغنية ولاسيما حين ربطوا بين حَبّ مصطفى وحُبّ الناظور ،بيد أن الرياح جرت بما لم تشته جيوب مصطفى لأن طارقا أحسن الطرق فعلا، طرق باب الناطور فلبت النداء بعد معركة حام وطيسها، وقودها هي أعواد البصري بامتياز( نسبة إلى إدريس البصري)، فما وقع من أساليب في استحقاقات 12 يونيو لم يتعد الناحية السلبية، وعاد بنا إلى عهد الانحطاط القديم. لا شيء تغير: الأساليب الملتوية هي هي، والمناقصة وليس المنافسة هي هي ، ونحن أيضا لم نتغير، لم نكبر، لم ننضج مادمنا لا زلنا نراهن على الأسماء القديمة كأنما الأرض لا تخصب إلا بهؤلاء، وكأن الناظور أصابها العقم بعد ولادة هؤلاء.. هؤلاء سيظلون خير خلف لخير سلف طال الزمن أم قصر. يا إلهي متى تتغير الذهنيات عندنا؟ متى نفهم أن الدنيا تتغير من حولنا؟ . الرئيس الجديد/ العريس كان مذهلا في خطابه الحماسي وهو يدعو أبناء الناظور لتكريس المفهوم الجديد للسلطة الذي دعا إليه صاحب الجلالة محمد السادس ، لفت انتباههم إلى فهم دور رجال الشرطة، أوأهل السلطة بشكل عام ، ودعاهم لطرد الخوف من قلوبهم في تعاملهم معهم ..هذا كلام جميل، فهل سيعمل السيد طارق على تطبيقة حين يجلس في مكتبه المكيف، بحيث ينزل من برجه العاجي إلى الأرض ليصيخ السمع لنبض الشارع في المدينة، هل ستكون آذانه مُصغية لهموم الساكنة، وهل سيفي بوعوده للناظور؟ وهل سيطبق برنامجه؟ إن غدا لناظره قريب،ولكن العرب تقول دائما : " عِتق الخيل تبين من أصواتها"، هذا صحيح إذا علمنا كيف احتفل أحد وزراء العريس طارق: جزموا( لم أقل زعموا) أنه ذبح تسعة عجول، وعددا لا يستهان به من الخرفان في يوم واحد، ولمجرد عشاء ليلة، دون احتساب "الكوكتيل "الذي يلزم لهذا العدد الهائل من البهائم لطبخه وتقديمه.. إذا كنا سنفرح بهذا الشكل فبكم سنسرق؟ ُ ثم هل أبناء الناظور هم في حاجة لمجرد عشاء، يملأون به البطون لبعض الوقت لتُفرغ لاحقا ، ثم بعد ذلك سيجدون أنفسهم يقرضون الحجارة من عوز يوما بعد يوم.. كرم صاروخي مثل هذا، وفي مجرد عشاء، يؤكد أننا نفكر ببطوننا، ألم يكن من الحكمة توفير هذا الفائض من المال في خدمة بعض أبناء المدينة؟ أكثرهم محتاج للدواء من أجل العلاج، ومحتاج للحليب، والسكن، والزواج... ليس سرا يذاع إذا قلت بان الجميع هنا في الناظور كان طارقي الهوى، تنفسوا الصعداء حين رست الرئاسة عليه، هو كما عرفه الناس لم يكن على وئام مع أهل السلطة في الناظور، مشاكسته أوضح من أن ينكرها أحد، لذا أهل الناظور يعقدون عليه آمالهم، فهل ستتحقق؟ أم أن بهذا التفاؤل يكون أهل الناظور قد حفروا قبر مدينتهم، ليواروا بقاياها التراب؟ ولكن دعونا نغني مع فيروز:" أحلى التاريخ ما كان غدا".