صادق المجلس الوزاري المنعقد مساء أمس السبت في القصر الملكي بالدار البيضاء، على مشروع مرسوم بإحداث منطقتين للتسريع الصناعي للدفاع، يهدف إلى توفير مناطق صناعية لاحتضان الصناعات المتعلقة بمعدات وآليات الدفاع والأمن وأنظمة الأسلحة والذخيرة، كما صادق أيضا على مشروع مرسوم يهدف إلى إحداث منصب ملحق عسكري لدى سفارة المملكة ببرازيليا، تجسيدا للعلاقات القوية التي تجمع المغرب والبرازيل. يأتي سعي المغرب لإحداث منطقتين صناعيتين عسكريتين في إطار توجه استراتيجي عام يهدف إلى توطين التصنيع الحربي محليا من أجل مواجهة ارتفاع تكلفة الاستيراد والتقليل من التبعية إلى الخارج على هذا المستوى، فيما يؤكد مهتمون أن هذا التوجه ينطوي على رهانات استراتيجية كبرى تضمن التموقع الإقليمي للمغرب، كما تضمن حق الأجيال القادمة في الأمن والاستقرار. رهان استراتيجي هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، قال إن "الهدف من التوجه لتوفير مناطق صناعية لاحتضان الصناعات المتعلقة بمعدات وآليات الدفاع والأمن وأنظمة الأسلحة والذخيرة، يدخل في إطار بناء منصة صناعية دفاعية محلية قادرة على سد جزء من متطلبات مختلف الفرق العسكرية والأمنية المغربية بهدف تخفيض التكلفة المالية للتموين الدفاعي وتقليل التبعية للموردين الصناعيين في الخارج". وأضاف معتضد أن "التسريع الصناعي للدفاع هو رهان استراتيجي جد مهم بالنسبة للقيادة في الرباط، إذ يراهن المغرب على التموقع السريع إقليما في قطع أشواط كبيرة بخصوص تنزيل خريطة طريقه المتعلقة ببناء منصة دفاعية للإنتاج الحربي قادرة على ضمان توازناته للأمن القومي إقليميًا وقاريا في ظل تسارع الأحداث وتطورها في فضائه الجيو-سياسي ومناطق تماسه الجغرافي والبحري". وسجل المصرح لهسبريس أن "هذا التوجه الاستراتيجي يتعدى كونه خيارا سياسيا، لأن القراءات الاستراتيجية للتحولات السياسية والأمنية على مستوى شمال إفريقيا والساحل والصحراء تحتم على أي دولة تحترم نفسها وتريد حماية مكتسباتها والدفاع عن مصالحها الحيوية وأمنها القومي، أن تستعد لسداد ولو جزء من تمويناتها الحربية والدفاعية من أجل ضمان تواجد هويتها العسكرية، وبالتالي قيمة رصيدها السياسي والدبلوماسي". في سياق آخر، لفت معتضد إلى أن "إحداث منصب ملحق عسكري بالبرازيل يأتي في إطار توسيع الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبرازيليا لتشمل تقوية التعاون الأمني والعسكري والدفاعي، خاصة بعد التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الثنائي وتبادل الخبرات في المجال الأمني بين البلدين وارتفاع مؤشر التجارة العسكرية بينهما". حقوق أجيال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أورد أن "برنامج التصنيع الدفاعي المغربي يندرج في إطار الأوراش الاستراتيجية الكبرى التي تنسجم مع الرؤية الملكية المستنيرة لتحقيق طموحات المغرب المشروعة في مغرب السيادة والتمكين في ظل تحديات جيو-سياسية كبرى تهدد سلام وأمن المحيط المجاور للمملكة". وأوضح البراق، في تصريح لهسبريس، أن "المغرب يهدف من خلال بناء منظومة تصنيع متكاملة في المجال الدفاعي إلى أن تشكل إحدى الركائز الحيوية للحفاظ على السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي والتوازن المطلوب الكفيل بتحقيق الاستقرار الإقليمي المنشود، إذ يشكل هذا التوجه إحدى بوادر انبعاث قوة جهوية قادرة على إدارة تنافس المحاور الكبرى بشكل سليم في إطار تدافعها الدولي". وشدد الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر على أن "برنامج التصنيع الدفاعي المغربي جاء ليلبي احتياجات المملكة في مجال الردع الاستراتيجي الذي يهدف إلى تطوير أسلحة تتناسب مع طبيعة المسرح العملياتي في شمال إفريقيا والصحراء الكبرى في ما يتعلق بطبيعة التهديدات وشكل المخاطر التي تحدد قواعد الاشتباك الإقليمي". وبين المتحدث أن "تسريع برنامج التصنيع الدفاعي المغربي ستكون له انعكاسات إيجابية على مستوى تطوير الاستثمارات المحلية ودعم إنتاجية الصناعات المساندة، التي تلعب دورًا حيويًا في تطوير القدرات الصناعية الدفاعية، كما أن التقدم في هذه المجالات له انعكاسات إيجابية على القطاعات الصناعية المدنية التي لها ارتباط بالموضوع كالصناعات الإلكترونية والاتصالات التي تشمل تصنيع المكونات الإلكترونية والأنظمة الرقمية المتقدمة". وخلص البراق إلى أن "تحقيق هذا الطموح المشروع ببناء قاعدة صناعية وطنية دفاعية صلبة وقادرة على التنافس، يتطلب المزيد من الجهود الوطنية برؤية شاملة على مستوى السياسات والاستثمارات والتطوير التكنولوجي وتعزيز الالتقائية في السياسات العمومية المرتبطة بهذا المجال، مع الالتزام بالتنزيل الدقيق للرؤية الملكية لخدمة هذا المشروع الرائد الذي سيضمن حقوق الأجيال القادمة في السلام والأمن والاستقرار والعيش الكريم".