تشكل هيئة المتصرفين الحلقة المهمة داخل الجهاز الإداري بصفة عامة في مختلف الدول والإدارات العالمية، بحيث يعتبر المتصرف بمثابة الركيزة والدعامة التي تعتمد عليها الإدارة في إنجاز مختلف برامجها واستراتيجيتها، وكلمة "متصرف" هي كلمة أجنبية وليست عربية الأصل بحيث نجد أن أصلها في القاموس الفرنسي هو كلمة "Administrateur" من فعل "Administrer"، ومعناها أدار ودبر أما المرادف لكلمة "متصرف" في القاموس العربي فهو "المدير" أو "الحاكم" وبالتالي نستنتج أن الإدارة والتدبير هي من وظائف المتصرف دون غيره ممن لا يملكون هذه الصفة إذا أردنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها، وطبقا لأحكام المادة 3 من مرسوم رقم377 -06- 2 صادر في 20 من ذي القعدة 1431 (29 أكتوبر 2010) بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات، يمارس المتصرفون وتحت سلطة رئيس الإدارة التابعين لها مهاما عامة تتجلى في التأطير والإدارة والخبرة والاستشارة والمراقبة في إدارات الدولة ومصالحها اللاممركزة وتتجلى بصفة خاصة في: – تصور وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية؛ – تنشيط وتأطير وتنسيق مصالح الإدارة المعنية وتطوير قدراتها التدبيرية؛ – إعداد البرامج والمخططات التنموية القطاعية؛ – تأطير الموظفين والأعوان الموضوعين تحت سلطتهم وتكوينهم وإعادة تأهيلهم؛ – تحدد، عند الاقتضاء، المهام ذات الطابع القطاعي وشروط ممارستها، المسندة للأطر المكونة لهيئة المتصرفين بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية باقتراح من رئيس الإدارة المعنية. وتشمل هيئة المتصرفين على ثلاث درجات: – متصرف من الدرجة الثالثة. – متصرف من الدرجة الثانية. – متصرف من الدرجة الأولى. – إضافة إلى منصب سام لمتصرف عام. واذا كان الأمر كذلك، وبالنظر إلى أهمية هذه المهام يشكل المتصرف العمود الفقري للإدارة في تحقيق أهدافها وتقديم خدماتها للعموم، إلا أن ما نلاحظه اليوم من تطاول على مهام المتصرفين في جميع الإدارات يبين مما لا يدع مجالا للشك أن المتصرف في المفهوم العام المتعارف عليه في أدبيات الإدارة المغربية ما هو إلا عنصر-"موظف"- مجرد من جميع الصفات والتقديرات التي من شأنها أن تجعله هو المدبر الفعلي والحاكم الحقيقي في دواليب الإدارة ليقتصر وينحصر دوره فقط على تنفيذ تعليمات مرؤوسيه وتطبيق الأوامر دون أن يكون شريكا في وضعها وصياغتها. وكأنما أريد للمتصرف أن يكون تابعا في تسيير شؤون الإدارة وليس مستقلا في قراراته، وانطلاقا مما سبق يتبين أن موضوع هيئة المتصرفين بالمغرب: الواقع والآفاق يثير إشكالية أساسية تتمثل في ما يلي هل ما يعيشه المتصرفون اليوم من تهميش بالمقارنة مع الهيئات الأخرى يرجع إلى التشتت وعدم الانسجام بين المتصرفين أنفسهم، مما جعلهم عاجزين عن فرض وجودهم داخل الهرم الإداري ووضع قانون أساسي يستجيب لأهدافهم وطموحاتهم، أم يرجع الأمر إلى إجحاف الإدارة المتعمد في حقهم؟ في ظل هذه الإشكالية يمكننا طرح مجموعة من الأسئلة الفرعية أهمها: ما هو واقع المتصرف في النظام الإداري المغربي؟ وهل تتلاءم الوضعية الحالية التي يعيشها المتصرفون في الإدارة المغربية مع الأدوار المنوطة بهم؟ وماذا فعلت الحكومة المغربية ممثلة في وزارة الوظيفة العمومية أو وزارة تحديث القطاعات العامة سابقا والوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة حاليا للرقي بهيئة المتصرف، كإطار إداري يستحق من العناية والاحترام لما يقوم به من وظائف ومهام مضنية داخل أجهزة الإدارة المغربية؟ هل يستجيب النظام الخاص بالمتصرفين للحد الأدنى من طموحات المتصرفين المغاربة؟ لماذا تعطى دائما للمتصرف مهام تابعة لرؤساء ومسؤولين غرباء عن الإدارة والتسيير الإداري؟ هل كتب على المتصرف المغربي أن يظل تحت وصاية هيئات أخرى أقل منه تخصصا ودراية بقوانين الإدارة؟ أم بات من المألوف في النظام الإداري المغربي أن يكون المتصرف مجرد عون تنفيذ لا أقل ولا أكثر؟ ما هي إذن الآفاق المستقبلية لهيئة المتصرفين من أجل تجاوز واقعهم المتردي والرقي بهذه الهيئة كإطار إداري يستحق من العناية والاحترام لما يقوم به من وظائف ومهام مضنية داخل أجهزة الإدارة المغربية؟ هذه بعض من الأسئلة التي تراود كل متصرف مغربي في جميع الأوقات وفي كل اللحظات، عندما يجد نفسه داخل الإدارة أنه هو كل شيء ولكنه في الواقع لا يمثل أي شيء، فهو المكلف بإعداد جميع الخطط والاستراتيجيات التي تعمل بها الإدارة لتنفيذ السياسة العامة للحكومة ولكن ثمرة إنجازاته ونجاحاته تنسب إلى رؤسائه المباشرين ،وفي غالبية الأحوال يكون هؤلاء الرؤساء المباشرين إما أطباء كما هو الشأن في القطاع الصحي وقد يكونوا مهندسين كما هو الحال في قطاع التجهيز وقطاع الفلاحة وقد يكونوا قضاة كما الحال في قطاع العدل رغم أن الإداريين في قطاع العدل لا يدخلون في صنف المتصرفين الإداريين مع العلم أنهم خريجو نفس الجامعات والمعاهد الوطنية التي تخرج منها زملاؤهم المتصرفون ويبقى الفاصل بينهم هو التسمية التي يحملونها في قانون الوظيفة العمومية، ولا نود الوقوف عند هذه التفاصيل الجزئية رغم أهميتها ولكن بيت القصيد بالنسبة لنا هو التركيز على وضعية المتصرفين داخل الإدارة وحرمانهم من تحمل المسؤولية في قطاعات ظلت حكرا على هيئات هي أقرب إلى الهيئات التقنية والبيروقراطية منها إلى هيئة الإداريين بالمعنى الصرف للكلمة. فلماذا يحرم المتصرف داخل قطاع الصحة مثلا من أن يكون مسؤولا عن تسيير المندوبات والإدارات المركزية التابعة للوزارة؟ لماذا تظل مناصب المسؤولية في قطاع الصحة حكرا على الأطباء دون غيرهم؟ هل مكان الطبيب هو الإدارة وضياع وقته في ملفات إدارية هي من اختصاص المتصرفين أم أن مكانه هو حيث يقدم خدمات طبية للمواطن والمجتمع هو في أمس الحاجة إليها من تتبع ملفات لا صلة لها بتخصص الطبيب؟ وهل مكان المهندس هو وضع الخطط والتقارير الإدارية؟ أم مكانه هو وضع التصاميم لإعداد الطرقات والبنايات والسدود والتفكير في تطوير البنيات التحتية للدولة عوض ضياع وقته في التسيير الإداري الذي يعود بالدرجة الأولى للمتصرفين بصفتهم أهل الاختصاص؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول أن نجيب عنها بما يسمح لنا به المقام محاولين قدر الإمكان أن نعطي وجهة نظر متواضعة خاصة عن واقع المتصرف، بين الواقع الذي يعيشه والذي لا يتناسب مع طبيعة وظيفته والممكن الذي يجب أن يكون عليه المتصرف كإطار إداري يمثل الديناميكية الحقيقية للإدارة المغربية، وسنحاول من خلال هذه المقالة أن نجيب عن هده الأسئلة وذلك بالتطرق إلى المحاور التالية: المحور الأول: المتصرف بين أعباء الإدارة وإكراهات الواقع والقانون كما أسلفنا سابقا، فالمتصرف يشكل حجز الزاوية داخل الإدارة المغربية، لما يقوم به ويسديه من خدمات أساسية للنهوض بتطوير أداء الإدارة داخل المؤسسات العمومية والخاصة على حد سواء، غير أن طبيعة المهام المسندة إلى جل المتصرفين في الإدارات تبقى دون المستوى بالمقارنة مع أمثالهم من الأطر الإدارية الأخرى الذين تسند إليهم مناصب المسؤولية والمناصب السامية في أجهزة الإدارة العمومية للدولة. فالمتصرف مطلوب منه أن يقوم بمهام إدارية ثقيلة لكن بصفته تابع لرئيس آخر قد لا يكون بالضرورة متصرفا مما يعني أن أعباء الإدارة يتحملها المتصرف في حين مرد وديتها يجنيها رؤساء غير متصرفين، وهذا فيه حيف وإجحاف للمتصرفين الذين يتحملون أعباء كثيرة داخل الإدارة المغربية لكن بدون قيمة رمزية ولا مادية، كما أن القانون المغربي لا ينصف هذه الشريحة الإدارية من الموظفين مقابل المهام والوظائف الموكولة لهم في أجهزة الإدارة العمومية. زد على ذلك غياب قانون أساسي خاص بهيئة المتصرفين يتماشى مع طبيعة مهامهم والإكراهات التي يعيشونها في مسيرتهم الإدارية، وحتى إن وجد مثل هذا القانون الأساسي- مثل المرسوم رقم 377.06.2 الصادر في 29 أكتوبر 2010 بشأن النظام الخاص بهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات- فهو قانون لا يرقى إلى قانون أساسي شامل ومنصف لهذه الشريحة الإدارية لأنه لم يكن نتيجة عمل مشترك بين الإدارة والهيئة المعنية بالأمر، كما أن هذا القانون لم يكن هدفه حماية إطار المتصرف الإداري والرقي به كصفة وكإطار له قيمته في العمل والصيرورة الإدارية، بل فتح الباب أمام جميع الشرائح الإدارية الأخرى للانضمام إلى هيئة المتصرفين الإداريين، وكأنما هيئة المتصرفين ما هي إلا سلة مهملات يقذف فيها بكل جنس إداري لم تجد الحكومة له وضعية سليمة داخل قانون الوظيفة العمومية. وعموما، يعاني المتصرفون بمختلف الوزارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية من حيف كبير في ما يتعلق بوضعيتهم الإدارية والمادية، وذلك جراء سياسة التمييز والكيل بمكيالين التي تنهجها الحكومات تجاه هذه الفئة المهمة من الموظفين، الأكثر حضورا للتدخل اليومي في التسيير الإداري لدواليب الشأن العام، بما يضمن استمرارية المرفق العام، وتنزيل السياسات العمومية في جميع القطاعات سواء المركزية أو اللامركزية. وإذا كان المبدأ في الوظيفة العمومية هو سواسية الموظفين أمام القانون، كما يقر ذلك النظام الأساسي للوظيفة العمومية، فإن الواقع يظهر أن المصالح الإدارية المعنية مازالت بعيدة عن تطبيق هذا القانون وإقرار بنوده على أرض الواقع، وخاصة وضعية فئة المتصرفين على مستوى الأجور والترقية والوضعية الإدارية. وتكمن لأسباب الرئيسية للمشكلة في ما يلي: فعلى الرغم من التمييز الحاصل بين أطر الدولة، ظلت هذه الأطر إلى غاية سنة 1997 خاضعة لنفس المبادئ الدستورية والقانونية والنظامية في ما يخص مسطرة التوظيف وشروطه والأجر المطابق للوظيفة، وشكلت سلالم الأجور والأرقام الاستدلالية المطابقة لها ونظام التعويضات الممنوح لكل سلم، القاعدة الأساسية للوظيفة العمومية، التي عليها تبنى الحياة الإدارية للموظف وقد شكل هذا توازنا بين وضعيات الأطر، رغم تعدد أنظمتهم الأساسية. لكن ابتداء من سنة 1997، بدأ الإخلال بهذه المبادئ، في غياب تام لمقتضيات قانونية تحدد قواعد الإنصاف والعدالة الأجرية، حيث أسهم طغيان المقاربة الجزئية والفئوية، في السابق، في التعاطي مع مطالب تحسين الدخل، إلى خلق تباينات واضحة بين فئات الموظفين على صعيد نظام الأجور والتعويضات، مما أدى في النهاية إلى منظومة أجرية مختلة وغير منصفة، حيث تم إقرار نظام أساسي خاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمعايير جديدة، مكن أساتذة التعليم العالي من الحصول على زيادات ضخمة ما بين سنة 2000 و2004، ثم تمت مراجعة نظام التعويضات لهيئة الأطباء سنة 1999، تلتها المراجعة نفسها بالنسبة لنظام تعويضات هيئة المهندسين سنة 2000، والذي منح هذه الهيئة تعويضات شهرية هامة عن التقنية والأعباء والتأطير، بل إن النظام الأساسي المذكور أقر درجة ممتازة بالنسبة لكل من إطار المهندسين الرؤساء والمهندسين المعماريين الرؤساء، كما تم إقرار سنة 2002 نظام أساسي خاص بموظفي وزارة التربية الوطنية مع مراجعة نظام التعويضات وفق معايير جديدة، كما تم تحسين الوضعية الإدارية والمالية لرجال السلطة التي كانت تخضع لمقتضيات النظام الأساسي الخاص بمتصرفي وزارة الداخلية، وأخيرا مصادقة المجلس الحكومي بتاريخ 14 شتنبر 2017 على المرسوم رقم 2.17.535 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة الممرضين وتقنيي الصحة المشتركة بين الوزارات، الذي جاء بمقتضيات جديدة تسوي وضعية 12 ألف ممرض على المستوى الوطني، وتمكن إدماج الممرضين المجازين من الدولة من الدرجة الثانية (السلم 9)، الحاصلين على دبلوم الدولة للطور الأول المسلم من قبل معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي في الدرجة الأولى (السلم 10)، وكذلك إدماج الممرضين المجازين من الدولة من الدرجة الأولى (السلم 10)، الحاصلين على شهادة السلك الثاني المسلم من قبل معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي في الدرجة الممتازة (السلم 11). ومنذ الشروع في إصلاح الأنظمة الخاصة لموظفي الدولة والمتصرفون يناضلون في إطار الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة من أجل تكريس العدالة الأجرية عملا بأحكام الدستور، بعد أن أصبح الفرق بين أجر المهندس وزميله المتصرف يصل إلى 6000 درهم، فيما لم يكن يتجاوز سابقا 200 إلى 300 درهم. وفي الوقت الذي جرى فيه تحسين أجور العديد من فئات الموظفين، تم فرض حالة الاستثناء على المتصرفين الذين يمثلون قرابة 40% من مناصب المسؤولية في الوظيفة العمومية، ومواجهتهم من طرف الحكومات بالتجاهل والضرب بعرض الحائط مطالبهم المشروعة في مساواة أجورهم بالمهندسين، فالمتصرفون لا يقلون عن هؤلاء، لا في مستوياتهم الجامعية، ولا في كفاءاتهم العملية ورغم كل ذلك يجدون أنفسهم يتفرجون على استفادة العديد من أصناف الأطر من الزيادة المهمة في أجورهم، وفي تقرير لوزارة المالية لسنة 2014 حول تطور معدل الأجور لبعض فئات الموظفين من سنة 2007 إلى سنة 2014، ذكر التقرير أن هيئة كتابة الضبط استفادت بنسبة 53% (من 4704 دراهم إلى 7184 درهما)، والموظفون أقل من سلم 10 بنسبة 50% (من 3177 درهما إلى 4776 درهم)، وموظفو وزارة التربية الوطنية بنسبة 34% (من 6218 درهما إلى 8339 درهما)، والمهندسون بنسبة 33% (من 10178 درهما إلى 13547 درهما)، والقضاة بنسبة 32% (من 15613 درهما إلى 20538 درهما)، والأطباء بنسبة 23% (من 12458 درهما إلى 15358 درهما)، والمتصرفون بنسبة 18% (من 8384 درهما إلى 9916 درهما) وكذا رجال الشرطة الذين استفادوا من زيادة في الأجور بلغت 100 في المائة، فعلى سبيل المثال، والي الأمن استفاد من زيادة 20 ألف درهم في الأجرة الشهرية، فأصبح راتبه أزيد من أربعين ألف درهم، وعميد الشرطة الممتاز استفاد من زيادة 8000 درهم، حيث أصبح يتقاضى شهريا 19000 درهم، كما استجابت الحكومات أيضا لضغوط باقي الفئات: كالمنتدبين القضائيين ، المهندسون، الأطباء، الأطر التربوية، القضاة والبياطرة...وهكذا، أصبحنا أمام وضعيات متباينة لأطر تنتمي لنفس سلم الترتيب، في الوقت الذي كانت فيه تتقاضى تعويضات متساوية، علما أن التبرير الذي تم الإعلان عنه للحيلولة دون مماثلة أجر المتصرفين بالمهندسين وباقي الفئات السالفة الذكر استند لما سمي زورا بالعدد "الضخم" للمتصرفين والذين تم فرض حالة الاستثناء عليهم، رغم أنهم يعملون بكل تفان، لكنهم يواجهون من طرف الحكومات بالتجاهل والضرب بعرض الحائط مطالبهم المشروعة في العدالة الأجرية. ولقد أضحت فئة المتصرفين اليوم هي الأقل أجرا والأبطأ ترقية والأسوأ وضعا اعتباريا بالمقارنة مع الفئات المكافئة لها في الشواهد العلمية ومدة التكوين والمهام التدبيرية داخل الإدارة، وهي وضعية منافية لدستور البلاد الذي ينص على الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومخالفة للاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب والتي تدعو إلى ضرورة اعتماد "الأجر المتساوي من أجل العمل ذي القيمة المتساوية"، حيث أن قواعد الإنصاف تقتضي إقرار المساواة بين تعويضات أطر الدولة من التكوين نفسه والمؤهلات نفسها، وإحداث نظام ترقي منصف للمتصرفين ورد الاعتبار إليهم. ولقد نظم الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة لقاء وطنيا، يوم السبت 13 يناير2024، والذي جاء ضمن سياق موسوم باتساع دائرة الغضب والتذمر في أوساط هذه الفئة من الأطر أمام واقع كرس الحيف والتهميش حيث واصلت الحكومة الحالية نهج نفس سياسة سابقاتها الانتقائية والتمييزية، إذ استجابت لأكثر من مرة لفئات بعينها بينما ضل ملف المتصرفين المشتركين بين الوزارات ومتصرفي وزارة الداخلية بعيدا بشكل مطلق عن أي حل بالرغم من إقرارها العلني والواضح بعدالة مطالب هذه الفئة وحقيقة الحيف الذي تعرضت له. وأورد المتصرفون، في ورقة تأطيرية للقاء، أنه "على مدى ما يناهز 20 سنة عرفت هذه الفئة تجميد أجورها وحشرها في مرسوم للترقي ينص على أبطأ منظومة للترقي ثم حرمانها لاحقا من الدرجة الجديدة موضوع اتفاق 26 أبريل 2011، مما أدخلها في وضع هش عمقه واقع اقتصادي واجتماعي خاص سمته ارتفاع كلفة العيش"، وقد يتساءل البعض عن مدى أهمية هذه المحطة، وهذا بطبيعة الحال هو المدخل الأول لتعميق النقاش حول كل القضايا التي تهم المتصرف(ة) والإدارة العمومية وربط ما بين الواقع والآفاق، وتشجيع النبش في ذاكرة المتصرف(ة) وفي المسار الذي شقه ملفه منذ القرن الماضي إلى يومنا هذا، وما ينتظر الهيئة من إكراهات وإشكالات حقيقية استنادا إلى التشخيص الموضوعي لوضعية المتصرفين وتبني طرق المعالجة التي تستوجبها الظرفية ورفع النظر نحو المستقبل على أساس رؤية واضحة وتصورات متجددة ومجددة للفكر والتصرفات داخل فضاء المتصرفين. وبرجوعنا إلى مختلف البيانات الاحتجاجية الصادرة عن مختلف الهيئات التي تمثل هيئة المتصرفين بالمغرب، نلاحظ أنها تؤكد بالملموس على الأدوار الطلائعية والمسؤوليات التي كانت الهيئة ومازالت تمارسها على مستوى الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، كما أنها جميعها تثمن دور المتصرفين في وضع وتنفيذ السياسات العمومية والمشاريع التنموية الوطنية والقطاعية، التي تتطلب كفاءات اقتصادية وقانونية وتدبيرية وتقنية تعد من صميم اختصاصاتها. كما انها تركز جميعها على اصطدام الملف المطلبي للمتصرفين بمواقف سلبية لجهات حكومية نافذة لا تتغير مع تغير الحكومات وكذا التحيز الواضح للوزارة المكلفة بالميزانية، التي لها الحل والعقد في البت في الملفات المطلبية، لبعض الفئات والتجاهل التام، بل الاستهداف للبعض الآخر، خصوصا هيئة المتصرفين، لاعتبارات لا تساهم في إشاعة مفهوم دولة الحق والقانون. بالإضافة إلى هذا فإن هذه البيانات ظلت تؤكد على ضرورة القطع مع التمييز بين فئة المتصرفين في جميع القطاعات والمؤسسات وظلت توضح بالملموس بأن تجاهل الملف المطلبي للمتصرفين نتجت عنه أضرار مادية ومعنوية، لحقت هذه الفئة لكون وضعيتها المادية والمهنية لم تعرف أية مراجعة منذ سنة 2004 وكذا التنصل من اتفاق 26 أبريل 2011، مما جعل وضعيتها تميل إلى الهشاشة والتدني المادي والاجتماعي والاعتباري بفعل استفحال الغلاء والتضخم، وضرر اعتباري ومهني ناتج عن التمييز بين المتصرفين وفئات لها نفس المواصفات والكفاءات المهنية، مما يجعل المتصرفين يتذيلون المنظومة الأجرية بالوظيفة العمومية. وعلى الرغم من كل الاحتجاجات والأشكال النضالية التي خاضها المتصرفون مند سنوات، والحجج التي قدموها للمسؤولين على كافة المستويات، لإقناعهم بعدالة قضيتهم وتمكينهم من حقوقهم العادلة والمشروعة في العدالة الأجرية، فإن جل الحكومات المتعاقبة لا تجد أي حرج في تكرار لازمة أن الإمكانيات المالية لا تسمح بمعالجة مطالب هذه الفئة من موظفي الدولة، أو محاولة تهريب الملف، لما سمي زورا ب"الإصلاح الشمولي"، أو محاولة إقحامه في الحوار الاجتماعي، رغم إقرار عدد من المسؤولين بعدالة الملف ومشروعيته، في إصرار على معاقبة هذه الفئة لنزع الكرامة عنها وإذلالها جزاء لها عما أسدته من خدمات لصالح البلاد والإدارة العمومية. وأمام هذه الوضعية المكرسة للحيف الواضح، يحق التساؤل عن الذنب الذي اقترفه المتصرف تجاه بلده وإدارته ليستحق هذا التعامل اللامسؤول من طرف الحكومات، التي جعلت من إصلاح وتحديث الإدارة العمومية ورشا أساسيا في برامجها؟ أين الحق في المساواة الذي رددته الدساتير المغربية جميعها، باعتباره أساس العدل والحرية والسلم الاجتماعي؟ هل سياسة التمييز والإقصاء والكيل بمكيالين التي تنهجها حكوماتنا ستجعلنا نطمئن على مستقبل البلاد والعباد؟ وفي ما يخص أفق الترقية للمتصرف يبقى محدودا، ويتم اعتماد آليتين وحيدتين في ترقي المتصرفين تتمثل في المباريات المهنية أو الاختيار (الأقدمية) والتي تصطدم بنظام الكوطا المجحف الذي يقف سدا منيعا في وجه هؤلاء لتجميد وضعيتهم الإدارية لسنوات، بالمقارنة مع باقي أطر الدولة الذين عرفت وضعيتهم تحسنا بالنظر لمرونة الأنظمة الأساسية المعتمدة، ويبقى هذا الأفق محدودا، نظرا لاعتماد ثلاث درجات بالنسبة لإطار متصرف، في الوقت الذي تم فيه اعتماد أكثر من ثلاث درجات بالنسبة لفئات أخرى من الموظفين. فمنتدب قضائي من الدرجة الثالثة مثلا، لديه إمكانية الترقي أربع مرات خلال مساره المهني، بينما المتصرف من الدرجة الثالثة لديه إمكانية الترقي ثلاث مرات فقط، كما أن المهندس من الدرجة الثانية يمكنه الترقي أربع مرات، بينما المتصرف من الدرجة الثانية فيتوفر على إمكانيتين فقط للترقي، أي إلى متصرف من الدرجة الأولى ومتصرف عام. أما حصيص الترقية في الدرجة لهيئة المتصرفين فيعتبر أقل من الحصيص المطبق على بعض الأطر الأخرى داخل الإدارة، حيث يلاحظ أن الحصيص المطبق في الكفاءة المهنية لولوج درجة متصرف من الدرجة الثانية هو13%، أما حصيص ولوج درجة منتدب قضائي فهو 18%، وحصيص ولوج درجة متصرف من الدرجة الثانية عن طريق الاختيار في جدول الترقي هو 20%، أما حصيص ولوج درجة منتدب قضائي من الدرجة الثانية فهو 18%. ويتضح من خلال هذا المثال أن حصيص الترقية المخصص للمتصرف من الدرجة الثالثة قصد الترقي إلى الدرجة الثانية بامتحان الكفاءة المهنية وبالاختيار هو 33 في المائة، أما بالنسبة لمنتدب قضائي فالحصيص المخصص هو 36 في المائة للترقية من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية عن طريق امتحان الكفاءة المهنية. وفي إطار إصلاح هيكلي لبنية الوظيفة العمومية والتقليص من تعدد الأنظمة الأساسية للموظفين، عمد مرسوم رقم 2.06.377 بتاريخ 29 أكتوبر 2010، بمثابة النظام الأساسي الخاص بهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات إلى دمج مجموعة من الفئات التي كانت تنتمي إلى أنظمة أساسية في إطار متصرف، ورغم بعض إيجابيات هذه العملية إلا أنها تثير عدة إشكاليات منها، عدم إدماج فئة متصرفي وزارة الداخلية في النظام الأساسي لهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات رغم أن هذه الفئة من الموظفين تقوم بنفس المهام المسندة للمتصرفين المشتركين بين الإدارات، كما لم يدمج النظام الأساسي الجديد أطرا أخرى مماثلة لإطار متصرف، كأطر كتابة الضبط والتي يتم توظيفها بناء على نفس الشروط المطلوبة للتوظيف في درجة متصرف، وتقوم بالمهام نفسها داخل الإدارة. ويبقى هذا تناقضا مع فلسفة التجميع والتي تسعى إلى توحيد الأطر التي تمارس المهام نفسها داخل الإدارة. كما أدى تجميع الأنظمة إلى ارتفاع عدد المتصرفين بإدارات الدولة. بالإضافة إلى دمج مجموعة من الهيئات المختلفة ذات تخصصات متعددة وتمارس مهام مختلفة في إطار متصرف، مما يثير السؤال حول هوية المتصرف داخل الإدارة. وبناء على قرار وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة رقم 2273.14، الصادر في 2 شعبان 1435 (26 يونيو 2014) بتغيير وتتميم القرار رقم 977.13 الصادر في 7 جمادى الأولى 1434 (19مارس2013 ) بإضافة شواهد وتخصصات إلى هيئة المتصرفين لا تمت إلى مهن التصرف بصلة، واعتبارا لكون هذا القرار يشكل تأكيدا على أن الدولة تهدف تبخيس إطار المتصرفين عبر جعله وعاء لاستقبال ما لم تجد له مكانا ضمن الأنظمة الأساسية لباقي الفئات، وكمثال على ذلك، تمت إضافة بشكل عشوائي يفتقر إلى أدنى الشروط المنطقية والعلمية، إلى هيئة المتصرفين شواهد: قبطان الصيد، ضابط ميكانيكي للصيد، تكنولوجيا الصيد، مهندس تطبيق في الإحصاء، الإجازة في القراءات والدراسات القرآنية، مؤكدا بذلك أن الحكومة عازمة كل العزم على جعل هذه الهيئة مجرد وعاء لاستقبال شواهد وتخصصات غير منسجمة ولا تشكل مفهوم الهيئة الذي يجب أن يعكس الانسجام بين المكونات العلمية لكل إطار. والواقع أن الوزارة المكلفة بالميزانية مازالت تتمادى في التعاطي مع الملفات تارة وفق الولاءات القبلية، وتارة وفق منطق المحاباة للفئات النافذة، وتارة أخرى وفق منطق "إنا عكسنا" ولو أدى ذلك إلى شل خدمات مرفق من مرافق الدولة ومصالح المواطنين، فهذا المنطق الغريب الذي لا يمت للتدبير والحكامة بصلة، قد زج بالوظيفة العمومية في متاهات لا يعلم دهاليزها إلا هذه الوزارة التي تطل علينا بتفتيت هيئة المتصرفين عن طريق خلق فئات من داخل هذه الهيئة، تحت مسميات جديدة، كلما راق لها أن تستجيب لمطالب قطاع ما أو، على العكس، أن تقصي متصرفي قطاع ما وتغيبهم عن أي إصلاح قطاعي مرتقب، مع استمرار الفئة الجديدة في أداء المهمة نفسها التي كانت تقوم بها داخل هيئة المتصرفين. كما تواصل الحكومة ممثلة بالوزارة المكلفة بالميزانية وبتواطؤ مع وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، تنزيل عقاب جماعي بآلاف المتصرفات والمتصرفين لا ذنب لهم سوى كونهم فئة تشكل ندا لفئة أخرى لديها تخوف من المساواة الأجرية والمهنية وتعتبرها تهديدا لمواقعها وحاجزا دون تحقيق تميز وهمي مبني على أفكار بائدة لم تعد لها راهنية في ظل تطور المهن والتكوينات الأكاديمية الذي يشمل الجامعات ومؤسسات التعليم العالي بأكملها، مما يؤدي إلى تأزيم وضعية المتصرفين وتحقيرهم وتفقيرهم وتجريدهم من مهامهم وتحويلها لفئات لا علاقة لها بالتدبير والتسيير وتفويت مناصب المسؤولية الإدارية والتدبيرية للفئات التقنية. المحور الثاني: الآفاق المستقبلية من أجل إنصاف هيئة المتصرفين إن تحديث الإدارة وتطبيق المفهوم الجديد لتدبير الشأن العام لا يمكن أن يأخذ الطريق السوي، بسياسة الكيل بمكيالين، وبالتعامل التمييزي بين أطر الدولة على أسس غير مقنعة، فبالإضافة إلى الحيف الذي لحق هذه الفئة من حيث التعويضات المادية، فإن الطامة الكبرى تكمن في الضرر المعنوي الذي يمكن أن يشعر به المتصرف بالنظر إلى القيمة العلمية لشهادته الجامعية العليا. إن الحكمة تقتضي الإسراع بتسوية هذه الوضعية في أقرب الآجال عملا بمبدأ المساواة بين المواطنين من حيث الحقوق والواجبات، التي يكفلها دستور المملكة. إن بلدنا في حاجة ماسة إلى إدارة حديثة، فعالة وذات مردودية عالية مرتكزة على قيم الشفافية والعدالة تشتغل وفق معايير مضبوطة مبنية على المهنية والنزاهة الفكرية والمادية والاستحقاق في ما يخص الترقي أو التعويض أو التشجيع بالنسبة للموظف، كما هي في حاجة كذلك إلى مأسسة هيئات مستقلة للتحكيم، وهذا هو المدخل الرئيسي لأي إصلاح إداري. وبناء على التشخيص والتقييم الذي يبين حجم فجوة الاختلالات الكبيرة التي تعرفها المنظومة الأجرية والمهنية ببلادنا، نركز على المطالب الآتية: – الدعوة إلى التعامل بالجدية اللازمة والملحة مع موضوع العدالة الأجرية والمهنية والبحث عن حلول عملية وواقعية وبدون مماطلة أو تباطؤ، نظرا للانعكاسات السلبية المترتبة عن اللاعدالة الاجرية والمهنية وكذا دعوة جميع الفعاليات السياسية والنقابية والجمعوية، إلى التحسيس والتعبئة لمشروعية وعدالة مطلب العدالة الأجرية والمهنية. – الدعوة إلى إشراك جميع الفئات المهنية المعنية التي تعاني من الحيف واللامساواة في مسلسل الإصلاح الآني، قبل الخوض في الإصلاح الشمولي، لمنظومة الوظيفة العمومية. – مطالبة البرلمان كمؤسسة تشريعية تمنح الإذن للحكومة، للتدخل من خلال الاختصاص التشريعي لتنزيل عدالة أجرية ومهنية منصفة. – مطالبة الحكومة بالعمل على إعداد أجندة مضبوطة، لتنزيل الإصلاح الشمولي في مجال العدالة الأجرية والمهنية إزاء هيئة المتصرفين. – ضرورة المراجعة الشاملة للنظام الأساسي لهيئة المتصرفين. – ضرورة الرفع من أجور هيئة المتصرفين بكل درجاتها وانتماءاتها القطاعية بما يتناسب مع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المتسمة بارتفاع الأسعار والتضخم، ووفقا لأجور فئات مشابهة للمتصرفين بالدبلومات والمهام والمسؤوليات والتي استفادت من الزيادات لفترات متواصلة بينما بقي المتصرفون في أسفل المنظومة الأجرية. – مراجعة نسق الترقي الخاص بهذه الهيئة بكل درجاتها، وإضافة درجتين إلى المسار المهني لهذه الهيئة، الأولى بناء على اتفاق 26 أبريل 2011، والثانية من أجل تدارك التأزم الحاصل من جراء طول مدة تجميد الأجور. – الاستجابة لمطالب المتصرفين الحاملين لشهادة الدكتوراه، إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار شهادة الدكتوراه، إضافة إلى إعادة صياغة مهام المتصرفين لأن المهن تغيرت بتغير التكنولوجيا والمجتمع وتطور التكوينات والتخصصات بمنظومة التعليم العالي. – ضرورة إثارة انتباه المتصرفات والمتصرفين في كل القطاعات وعلى امتداد التراب الوطني إلى أن الوضع لم يعد يحتمل الصمت أو التهاون أو التغاضي عما يحاك ضدهم في العلن والخفاء، وأنه بعد أن كان التمييز قائما بين الفئات المهنية، أصبح بين المتصرفين أنفسهم بناء على الانتماء القطاعي. – دعوة كافة المتصرفات والمتصرفين بكل القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية إلى التكتل حول الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة الذي يتأهب ليجدد هياكله واستراتيجياته للدفاع عن ملفهم المطلبي العادل والمشروع، وعدم الانسياق وراء المقاربات القطاعية التي يتم الدفع اليها بشكل مغرض لبلقنة الإطار وتقزيمه لتسهيل الإجهاز عليه والتحكم في مصيره. – دعوة المتصرفات والمتصرفين في الأقاليم التي لا توجد بها مكاتب للاتحاد الوطني للمتصرفين إلى التكتل وتأسيس مكاتب إقليمية بها، لأنه وفي ظل هذه الشروط المجحفة في حق إطار المتصرف الإداري لا بد للفئة المعنية أن توحد وترص صفوفها وراء إطار موحد يدافع عن حقوقها ويسمع صوتها للجهات المعنية والمطالبة بإصدار قانون أساسي جديد يراعي وضعية المتصرفين الإداريين داخل أجهزة الإدارة، وكذا التنصيص على تلبية طموحاتهم وآمالهم، وإعطائهم المكانة اللائقة بهم في الهرم الإداري الذي يبدو أنه شيد عل حساب المتصرف الذي لم يجن إلى حدود الساعة منه إلا التكاليف الزائدة دون أية قيمة أو اعتراف بمكانته في السلم الإداري، لآنه لن يتأتى رد الاعتبار لإطار المتصرف إلا بإشراكه الفعلي في وضع قانون أساسي جديد يتماشى مع المهام الموكولة للمتصرف في الواقع والعمل على تجاوز عيوب القانون الأساسي رقم 377.06.2 الذي وضع في غياب الإطار المعني به أولا وأخيرا ولم تتم استشارته في صياغة بنوده. وفي هذا الإطار لا بد لهيئة المتصرفين المغاربة في جميع الإدارات العمومية والجماعات الترابية العمل على تنسيق مواقفها وتوحيد جهودها لتشكيل جبهة مدافعة عن حقوق وواجبات المتصرف المغربي والمساهمة في وضع قانون أساسي جديد يحمي إطاره من جميع التعسفات والتجاوزات التي قد تقع من جانب الإدارة أو من جانب شرائح إدارية أخرى، وأمام هذه الحالة التي لم تعد تطاق وتستدعي من المتصرفات والمتصرفين إعلاء صوتهم تنديدا ورفضا وفضحا لهذه الممارسات في المحافل الوطنية، ولدى كل الجهات والقوى الحية الرافضة لتمييع الإدارة العمومية وتحقير فئة من الأطر العليا للبلاد ومن المواطنين كاملي المواطنة، لهذا وجب إذن التركيز على حمل ملف هذه الهيئة إلى مستويات ترافعيه حقوقية ومحطات نضالية كبرى كالتالي: – حمل الشارات الحمراء من طرف المتصرفات والمتصرفين كل يوم إلى غاية فتح حوار جاد ومسؤول مع الجهات المعنية؛ – تنظيم مسيرات وطنية بالرباط ووقفات احتجاجية أمام وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمام الوزارة المكلفة بالميزانية وأمام مجلس النواب بالرباط؛ – التفكير في تنظيم يوم وطني حقوقي ترافعي؛ – مواصلة وتكثيف الترافع الوطني لدى كل المؤسسات والجهات المسؤولة؛ – مواصلة الحملات الإعلامية وتكثيفها مع التركيز ليس فقط على المطالب بل على فضح ممارسات الجهات التي تبدي عداء مرضيا مجانيا غير مبرر لهيئة المتصرفين. هذه إذن دفعة من آليات التصدي للطغيان الحكومي، ووجب تنبيه الجهات المعنية إلى أن تماديها في نهج سلوك الآذان الصماء تجاه مطالب المتصرفات والمتصرفين المستحقة والعادلة سيفضي لا محالة إلى الخيارات التالية: – اللجوء للقضاء لرفع مظلومية هذه الفئة من الأطر العليا للدولة؛ – اللجوء إلى تدويل ملف المتصرفين، باعتباره ملفا حقوقيا، لدى المنظمات الدولية الحقوقية ولدى مكتب العمل الدولي والإعلام الدولي لكون ملف المتصرفين يتم فيه خرق المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب؛ – اللجوء، إذا اقتضى الأمر، للتحكيم الملكي لصاحب الجلالة باعتباره ضامنا لحقوق شعبه وصمام أمان هذا البلد الأمين. خاتمة: وتأسيسا على ما ورد ذكره، يمكن القول بأن الوضع لم يعد يحتمل الصمت أو التهاون والتغاضي عما يحاك، في العلن والخفاء، ضد هيئة المتصرفين بكل القطاعات الوزارية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ، ونذكر المسؤولين في الأخير بإن الإدارة المغربية محتاجة لخدمات الطبيب والمهندس بقدر ما هي محتاجة أيضا لخدمات المتصرف، فمن غير المعقول نقل تلك التفاوتات الطبقية التي يعج بها المجتمع المغربي إلى دواليب الإدارة المغربية، ثم إن إصلاح نظام الأجور -وهذا شيء مهم كذلك- يمر عبر مراجعة الأجور الخيالية وعقلنتها وجعلها من ثم منسجمة والإكراهات المزعومة؛ ولعل إرادة الدولة في إصلاح الإدارة المغربية لخير محفز للحكومة الحالية للإصغاء جيدا لجميع المطالب المعبر عنها من جميع الشرائح عامة، والمتصرفين بصفة خاصة وذلك لأن إنجاح هذا الرهان، يتطلب ولا شك تحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية لكل الفاعلين الإداريين.