غادرنا أب السوسيولوجيا المغربية وواحد من أبرز المثقفين المغاربة المعاصرين، أستاذ الأجيال محمد جسوس. هو المثقف الملتزم، منظر ورجل الميدان بامتياز، الأستاذ المحنك الذي تخرجت على يده أجيال من علماء الاجتماع المغاربة. جمع بين الالتزام السياسي وقلق البحث العلمي، حاول التوفيق بينهما، لكن السياسة استغرقت من وقته وطاقته وعطائه الجهد الكبير. السوسيولوجي القلق والمتميز، لا يتوقف على طرح الأسئلة الجريئة والموجعة التي لا تعرف الخطوط الحمراء. أسئلة التغيير والبناء الديموقراطي. الأسئلة التي لم يكن يتجرأ على طرحها معضم السياسيين والمثقفين. مسار محمد جسوس هو مسار العالم والمناضل والسياسي الذي لم يبحث يوما عن موقع أو منصب أو مركز للسلطة، سلطته كانت دائما هي سلطة المعرفة والقلق التغيير.. من يذكر اسم محمد جسوس لا يمكن أن لا يذكر قولته الشهيرة عن واقع التعليم بالمغرب "إنهم يريدون خلق جيل من الضباع" كان يدرك أن التعليم هو المدخل الرئيسي للخروج من حالة التخلف وبناء مغرب الغد وتحقيق الانتقال الديموقراطي. كان يصر دائما على ربط السياسة بالقضايا الكبرى. جسوس المناضل الذي كان يمارس السياسة بعين المثقف والمنظر الذي يمارس النقد بشكل دائم. ويعتبر أن ممارسة السياسة مسألة ضرورية لبناء مجتمع ديموقراطي. من مواليد مدينة فاس سنة 1938 ، حصل سنة 1960 على شهادة في علم الاجتماع من جامعة لافال بكندا، ثم حصل سنة 1968 على شهادة الدكتوراه من جامعة برينستون. اقترح عليه منصب أستاذ بنفس الجامعة، لكنه فضل الرجوع للمغرب، عين بجامعة محمد الخامس، عمل فيها أستاذا لعلم الاجتماع، وحصل فيها على أستاذ محاضر مدى الحياة. توزعت حياته بين مهمة الأستاذ المتفاني والمناضل السياسي والمثقف الملتزم. لم يهدف يوما إلى الوصول إلى منصب أو الحصول على امتياز. لقد مارس السياسة "لاعتبارات أخلاقية وفكرية" كما كان يردد باستمرار. محمد جسوس، له لغته الخاصة وطريقته الخاصة في التواصل وتبليغ أفكاره، تتلخص قناعته في كون "التغيير يبدأ من خلال معرفة الواقع أولا ". وضع الأسس الأولى للخطاب السوسيولوجي المابعد كلونيالي بالمغرب، خطاب مبني على العقلانية والحس النقدي والتقيد بالشروط العلمية من أجل فهم ودراسة وتحليل الواقع والتغيرات التي يعرفها المجتمع، الأمر الذي كان يمكنه من التنبؤ بما ستؤول إليه بعض الأمور. كان يدرك جيدا صعوبات البحث في مجال علم الاجتماع، خاصة أن السوسيولوجيا هي التساؤل الدائم حول كل القضايا الاجتماعية مع زعزعة الثوابت وتجاوز الأحكام المسبقة. لهذا كان محمد جسوس يلح على ضرورة التمييز بين الموقف السياسي والبناء العلمي. كان محمد جسوس أستاذا محنكا، مناضلا استثنائيا ومثقفا عضويا، قليل الكتابة يميل إلى الشفهي الذي كان يتقنه بشكل متفرد. في آخر تكريم لأستاذنا الجليل، قال في كلمته: " السوسيولوجيا اليوم دخلت معركتها الثانية، وهي معركة تجاوز وضعية البداية والهيمنة والدخول في سياق التحولات الراهنة، وإعادة تنظيم المجال حتى تستجيب السوسيولوجيا لتطلعات المشتغلين فيها "، هذه وصية أب السوسيولوجيا المغربية. غادرنا الأستاذ الكبير ومعلم الأجيال، أب السوسيولوجيا المغربية، وإليه نقول بكل افتخار: :" الكبار لا يموتون". *أستاذة علم الاجتماع. كلية الآداب ظهر المهراز ، فاس.