في دائرة النقاش الدائر حول توزيع التركة.(3) لئن كان الاستشراق الأوربي في أغلبه وقع تحت تأثير الظروف التي كانت عاملا قويا في إيجاده وهي ظروف ارتبطت بما كان من صراع بين الإسلام والمسيحية أو بين الشرق والغرب، والذي كانت الحروب الصليبية أبرز مظاهر هذا الصراع الذي كان فيه الصراع المادي الحربي، والصراع الفكري العقدي كفرسي رهان إلا أن التطور الذي أخذ يسري في الحياة السياسية والفكرية في الغرب ومع شعور بعض هؤلاء المستشرقين بفداحة ما ارتكبه التعصب الديني ثم القومي فيما بعد ذلك، وبصفة خاصة في البلاد المستعمرة وكل البلاد الإسلامية تقريبا كانت مستعمرات أوروبية مع هذا الشعور بفداحة الجرم الاستعماري مع المستعمَرين بالفتح وثقافاتهم وحضاراتهم برز من بين هؤلاء بعض الباحثين الذين هداهم البحث والدراسة إلى أن يقولوا في بعض الأحيان ما يعتبر إنصافا ولو جزئيا. هذا عن المستشرقين ومدارس الاستشراق ولكن كان هناك باحثون انطلقوا من مبدأ الحياد الفكري والعلمي ولو جزئيا لدراسة ثقافة الشرق وحضاراته وأديانه ويصلون في دراساتهم إلى حقائق لا يرون بأسا من الصدع بها ولذلك نجد الباحثين والدارسين المسلمين يستدلون بأقوالهم وأفكارهم ولو كانوا من قبل المفكرين البارزين الذي يمكن وضعهم في صف المفكرين العالميين، والذين يمتازون بأنهم لم يكونوا مستلبين فكريا وعقائديا للغرب وبجانبهم نجد مفكرين ومثقفين ولكنهم مستلبون والذي يعجبهم ويروقهم مما يروجه الغرب ويدعو إليه هو ما يعتبر المركزية الأوروبية فكر وسياسة وتعاملا مع الدين هو القمة في منهاج وطريقة التحديث والتقدم وهذا واضح في النقاش الدائر على مستوى العالم الإسلامي، فهذه النماذج ذات التبعية موجودة في كل مكان كما يوجد النموذج المستقل والناقد للغرب والذي يحارب الاستلاب والتبعية فنجد مثلا علال الفاسي يشير إلى هذه الدونية والتبعية في قوله في قصيدة ألقاها في بيروت سنة 1952: لا يغرنكم جلاء ظاهر ان في النفس احتلالا قد رسب أعلنوها ثورة فكرية تقلب الرأس فينا والنسب والموضوع المطروح اليوم للنقاش ولو افتعالا لأنه ليست له الأولية اليوم في بلادنا عالجه الباحثون والمفكرون المسلمون من منتصف القرن التاسع عشر. وإقبال وهو أحد المفكرين العظام ناقش بتفصيل واستفاضة ما طرحه بعض المفكرين والشعراء الأتراك وهم يسعون للإطاحة بالسلطنة العثمانية وبالأخص حكم السلطان عبد الحميد الثاني، إذ الأمر السياسي والديني هنا مرتبطان وعند مناقشة إقبال هذا الموضوع في كتابه (تجديد الفكر الديني في الإسلام).في موضوع هل الشريعة الإسلامية قابلة للتطور أورد ما كتبه الأستاذ هورتن Horten أستاذ اللغات السامية بجامعة بون. ولقد سأل هورتن، أستاذ فقه اللغات السامية بجامعة بون، السؤال نفسه، بصدد الكلام عن الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، واستعرض آثار مفكري الإسلام في ميدان التفكير الديني البحت ثم قرر أن تاريخ الإسلام قد يوصف بحق أنه تفاعل تدريجي، بين قوتين متمايزتين وتناسق بينهما، وتمازج بينهما تغلغلت به كل قوة في الأخرى، وهاتان القوتان هما عنصر الثقافة والمعروفة الآريتين من ناحية، ودين سامي من ناحية أخرى. ولقد وفق المسلم دائما بين رأيه الديني وبين مبادئ الثقافة التي استقاها من الأمم المحيطة به. ويقول هورتن: لقد ظهر في الإسلام ما بين سنة 800م وسنة 1100م ما لا يقل عن مائة فرقة من الفرق الدينية. وهو أمر قاطع في دلالته على مرونة التفكير الإسلامي، كما يدل على ما بذله مفكرونا الأوائل من نشاط موصول، وعلى ضوء ما تكشف له في درسه العميق للأدب والتفكير الإسلاميين لم يجد هذا المستشرق المعاصر مندوحة عن أن يقول: «إن روح الإسلام رحبة فسيحة بحيث أنها تكاد لا تعرف الحدود، وقد تمثلت كل ما أمكنها الحصول عليه من أفكار الأمم المجاورة، فيما عدا الأفكار الملحدة، ثم أضفت عليها طابع تطورها الخاص». ********** هل الطرح مناسب؟ نواصل في هذا الحديث ما بدأناه في الأسبوع المنصرم وفاء بالالتزام الوارد في آخر ذلك الحديث وقد تناولنا بشيء من التحليل بعض الأفكار والاقتراحات الواردة لدى بعض المثيرين لهذه الزوبعة، والتي يحاول مثيروها أن يجيشوا لهذه الاقتراحات مجموعة من الفاعلين سواء كانوا سياسيين أو قانونيين أو مفكرين، والواقع أن حديث اليوم هو المقال الثالث الذي ساهمنا به في هذا النقاش الذي وإن كان مفيدا في الأحوال العادية وعندما يتم طرحه بغاية الإصلاح والتطوير والسعي لإيجاد تراكم معرفي ضروري، وإصلاح اجتماعي في إطار الثوابت الدينية للأمة. محاذر غير أنه إذا كان طرحه في سياق المناكفات السياسية والسجال القائم بين الفاعلين السياسيين، فإن الأمر بالتأكيد تكون له محاذيره، لأن منطق الطرح السياسي هو طرح وليد لحظة سياسية معينة، لتحقيق هدف آن أو يتم الطرح عند اصطدام المواقف والمصالح السياسية وهنا لا يمكن أن تكون مبررا لطرح قضية مثل قضية الإرث، فالأمر هنا ينطلق من منطلق متناقض ومتعارض فمن جهة يسعى بعض الناس إلى الفصل بين الشأن الديني، والشأن السياسي ويسعون بكل الوسائل للوصول إلى ذلك. آيات الأحكام ومن جهة أخرى يسعى إلى طرح أمر هو أكثر الأمور وأشدها مدعاة للفتنة الفكرية وتبعا الفتنة السياسية المستندة إلى الدفاع على أمرين متعارضين استنادا إلى مرجعية قد حسمت لصالح أحد الأطراف، فعندما تطالب بإلغاء مسألة توزيع التركة فأتت تتجة مباشرة إلى آيات قرآنية شئت أم أبيت تعتبر من آيات الأحكام التي عدها الناس قديما وحديثا وأحصوها إحصاء كاملا. وآيات المواريث تمتاز أنها تختم بجملة (فريضة من الله) وفي النهاية بقوله تعالى: (تلك حدود الله). شرطان وعلى أي حال فإن هذا الأمر يجب أن يكون النقاش فيه محاطا بأمرين اثنين ضروريين هما التوفر على آلية النقاش متوفرة وهي المادة العلمية التي تجعل فهم النصوص فهما جيدا. والأمر الثاني الاستفادة من تجربة ما ادخل على مدونة الأسرة من أحكام، لم يلتزم بها الناس في حياتهم العملية لأنها ضد طبيعة قناعاتهم وإيمانهم بما هو من المباح وما هو حرام أوله حكم ديني آخر في هذا الباب. وعلى أي حال فإذا كان القسم الأول من مناقشة ما جاء في مقال الدكتور عبد الله العروي خصصناه تقريبا لإعطاء نظرة عن تشريع الميراث وتوزيع أنصبة التركة لدى بعض الشعوب والأمم، فإننا في هذا الحديث نواصل ما بدأناه في ذلك الحديث وسنحاول مناقشة بعض الفقرات والاقتراحات مما جاء في مقاله. أول ما نلاحظ مما جاء في مقاله هو: المدونة والمساواة 1- «الإشادة بالمدونة والتي نصت على المساواة وطبقتها في الإرث عن طريق الوصية الواجبة فسوت بين أبناء الذكور والإناث». والمؤكد أن المدونة لم تكتف بتطبيق المساواة فقط في هذه الجزيئة المتعلقة بإعطاء أبناء البنات نصيب أمهم التي توفيت قبل وفاة الجد. ولكنها سوت بين الذكر والأنثى في كثير من المقتضيات التي كان فيها الامتياز للرجل على المرأة أو للذكر على الأنثى وفي مقدمة ذلك أن الزوج والزوجة أصبحا شريكين في بناء الأسرة ويخضعان لنفس الاعتبارات فيما يتعلق بالعقد وانحلال العقد وزادت المدونة أمورا كثيرة تعتبر جديدة بالنسبة لما كان موجودا في مدونة الأحوال الشخصية التي عدلت بمدونة الأسرة ولا مجال هنا لتعداد المقتضيات الجديدة فهي متوفرة في نص مدونة الأسرة والتعاليق والشروح التي تناولتها. الإرث والأقربون 2 - و يقول الدكتور في فقرة أخرى «إن المشكل مع قانون الإرث عندنا ليس أنه غير عادل أو أنه لا يترك للمالك حق الأصول يعني أنت لا تعرف شخصا ولم تلتق به أبدا لكن مت بلا وارث لأنه ابن الأخ ويأخذ نصيبه». إن هذا الطرح بالإضافة إلى ما يحمله بين طياته من روح قد تكون مما يعتري بعض الناس في مثل هذه المواقف وهي قد تصل إلى الحقد. فإن هذا الطرح هنا مبني على افتراض أن أبناء الإخوة لا يتصلون بأعمامهم ولا علاقة تربط بينهم في حين أن الأمر ليس على هذا المنوال، لأن العادة في المجتمعات الإنسانية والمسلمة بصفة خاصة أن ذوي الأرحام يتصلون ويتزاورون، ويجب هنا أن نستحضر مكانة صلة الأرحام في العلاقات الأسرية في أحكام الشريعة الإسلامية بل إن الشارع رغب في إعطاء نصيب ما، قل أو كثر لهؤلاء ذوي الأرحام الذين لا نصيب لهم في الإرث إذا جاء في القرآن الكريم، «وإذا حضر القسمة أولوا القربى و اليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا». هذا على جهة التطوع ولكن هناك آية أخرى تأمر بالوصية وهي قوله تعالى: «كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين» (الآية 180 سورة البقرة). وهذه الآية مما استند عليه القائلون بالوصية الواجبة والتي لم يقتنع بها الدكتور العروي وغيره كثير ن الفقهاء في المغرب وغيره. بغتة الموت ولذلك فإن ابن الأخ إذا كان في حالة ما بعيدا عن الأسرة لسبب من الأسباب فهذه أمور لها. ضوابطها القانونية وطرق معالجتها من الوجهة الفقهية والشرعية ولا يمكن الفصل فيها فقط بهذه الطريقة المبنية على الحرمان وإبعاد الأقارب لأن الأصل في الإرث إن السبب الموجب له هو الوفاة ومتى سيموت الإنسان أمر مبني على الغيب ومتى سيتوفى الإنسان أو يدركه الموت شيء مجهول وبينه وبين العمر تلازم والموت يأتي بغثة ومن غير تحضير ولا استئذان والإنسان متشبث بالحياة إلى أخر نفس. الاقتراح والعقيدة وبعد هذا تأتي الفقرة التي اعتبرها دعوة صريحة إلى شيء يطرحه البعض الذي يعتبر طريقة توزيع الإرث معيقا للتقدم، فإذا كان الدكتور مقتنعا به فلا أظنه يجد من يسمع له أو يصغى إلى دعوته، والواقع أن ما جاء في هذه الفقرة ليس نقاشا أو جدالا، ولكنه يخرج من هذه الدائرة إلى دائرة أخرى لأن في هذه الحالة لا أظن أن النقاش يمكن أن يكون مؤطرا في مرجعية مقبولة لدى المجتمع المسلم، لأن التجربة التي مرت منها بعض المجتمعات تركت الناس القانون وما جاء به وتصرفوا وفقا لقواعد الإيمان والعقيدة المبنية على الطاعة والامتثال ومدار الحلال والحرام. الإرث والتقدم يقول الدكتور: عندما يقول: «فمن المظاهر التي تعيق التقدم والتحديث هو أنه لا يمكن لهذا النوع «من الإرث تحقيق التراكم الاقتصادي فتوريث البنت يزيد من تفتيت الميراث بينما علل البعض أسباب التطور الحديث في أوروبا بكون الأوروبي أعطوا الحق لكل فرد في أن يتصرف فيما ملك وهي قاعدة مأخوذة من الرومان ولا حق للعائلة للأسرة للقبيلة في التدخل الابن لا حق له فيما كسبه الأب فكرة قاسية وغير واقعية ولكن كانت تمكن من التراكم». مرجعية الرومان أو مرجعية القرآن؟ هذا هو بيت القصيد من كلام الدكتور فهو في هذه الفقرة تجاوز موضوع الأنصبة وان كان يظهر من خلال كلامه كما سبق رفض الوصية الواجبة للأسباط أو للحفيدة من البنت له تعتبر نظام الإرث وتوزيع الأنصبة معيقا للتقدم، إن الإنسان وهو يقرأ هذه الفقرة يكاد يصاب بالدوار، فنظام التوارث يعتبر وتوزيع الإرث معيقا للتقدم أو مظهرا من مظاهر إعاقة التقدم والكلام ضمنيا له معناه الذي لا يخفى على أحد وهو إلغاء نظام الإرث والالتحاق بالرومان كما ألتحق بهم الأوروبيون الذين هم في الواقع جزء من الرومان، لأن نظام الإرث عند الرومان تطور كما تقدم في الحديث الماضي بناء على قانون "صولون" الإغريقي وأنظمة التوارث لدى البايلين وقدماء المصريين وغيرهم من الأمم الشرفية ليصل إلى ما وصل إليه مع مدونة (جوستنيان). هذه المدونة التي أصبحت فيما بعد مرجعا أساسا في القانون الروماني والذي يمكن الإشارة إليه هنا هو أن في الترجمة العربية لهذه المدونة التي تمت عن طريق عبد العزيز فهمي وهو من رجالات القضاء والقانون في مصر نجد تعليقا لأحد الأساتذة والفقيه الفرنسي بلوندو والذي كان في بداية القرن التاسع عشر عميدا الكلية الحقوق بباريس جاء كما أورده المرحوم عبد العزيز فهمي: عند الباب الثالث عشر بعنوان «حرمان الأولاد من الإرث» هامش 1. الاحتفاظ بالريع «هنا علق بلوندو بما يأتي: «إن شريعة الألواح الاثنى عشر إذ خولت أبا العائلة حق التصرف بطريق الوصية قد أطلقت هذا الحق ولم تخصصه بأي قيد. فمن كان يريد حرمان أقاربه أو أولاده أنفسهم من ارثه كان بحسبه أن يعمد إلى أجنبي يتخذه في وصيته وارثا. الإحساس بالظلم يشير صاحب التعليق إلى دور الأبناء في اكتساب الثروة وتكديسها وما يصيبهم من ظلم وغبن عند حرمانهم فيقول: ولقد كان هذا ظلما يزيد في وقعة أن الأموال التي يخلفها أبو العائلة عند وفاته غالبا ما يكون أولاده المذكورون هم الذين كسبوها بسعيهم. ولهذا السبب لم تلبث العادة أن جرت بما يلطف من صرامة المبدأ الذي قررته تلك الشريعة، فانتهى الأمر بالاحتفاظ للأولاد بربع ميراث أبيهم ما لم يكونوا قد أتوا في سلوكهم معه بما يوغر صدره إيغارا شديدا. وهذه النتيجة لم يتوصل إليها إلا تدرجا وبوسائل غير مباشرة من المفيد ابتداء أن نلم بها وبأهم خصائصها إلماما وإجماليا، الوصية والقوى العقلية وكان لابد مع التجربة ان يدرك الناس كما أدرك الرومان أن الحرمان غير عادل وغير مجد في استمرار الثروة واستمرار العلاقات الأسروية على ما ينبغي وهذا ما عالجه صاحب التعليق فيما يلي: فأولا: إنهم بدأوا بتقرير أن كل أصل يجب عليه أن يصرح تصريحا تاما إما باتخاذ الأولاد الذين في ولايته ورثة له وإما يحرمانهم من الميراث، وأنه إن لم يفعل كانت وصيته باطلة. وهذا هو محل البحث في الباب الثالث عشر الذي نحن فيه. وثانيا: إن هذا الاستحدات الأول لم يكن ليكلف أبا العائلة سوى مجرد زيادة في الإجراءات الشكلية. فإنه ما زال هو صاحب الحول والطول القادر على تجريد أولاده بمجرد قوله: صراحة في وصيته إنه يحرمهم من الميراث. لكن هذا الحرمان أصبح من بعد مثارا لخطوة أخرى أكثر اتجاها إلى لب المراد. ذلك أنهم، بحجة أن الموصى الذي يحرم أولاده من الميراث بغير أسباب لا يمكن أن يكون في سلامة من عقله، أجازوا للأولاد المحرومين أن يطلبوا إبطال وصية والدهم، لكونها جائرة خالية من الإنصاف والمعروف، مهدرة ما على الأب لأولاده من الواجبات. حق إبطال الوصية ثانيا: ونصل مع هذا النص إلى ما أعطاه القانون الروماني للمحروم من حقه في الإرث من الحق في السعي إلى إبطال الوصية واستعادة حقه الضائع. فإذا أراد الموصى أن يتفادى هذه القطيعة كان عليه أن يتبصر فيترك لكل واحد من أولاده ربع ما يستحقه لو أن الميراث آل إليهم أيلولة شرعية. وهذا الربع هو المسمى بفريضة الربع الشرعية. (ومسائل الشكوى من الوصية الجائرة هي ومسائل الفريضة الشرعية مبحوثة في الباب الثامن عشر من هذا الكتاب). وثالثا: إن أبا العائلة الذي كان يريد ألا يترك شيئا لأولاده، حتى ولا هذا الربع، كان لا يزال له إلى ذلك وسيلة أخرى، هي أن يتخذهم ورثة وأن يوصى بأموال التركة لمن يشاء ويكلفهم بتنفيذ هذه الوصايا، فيأوبون صفر اليدين ليس لهم إلا مجرد عنوان الورثة وهو عنوان لا يطعم من جوع. لكن هذا المنفذ قد سدته في وجه الموصى شريعة فالسيديا التي خولت كل وارث جعلي الحق في ألا ينفذ الوصايا التي يكلف بتنفيذها إلا لغاية ثلاثة أرباع التركة فقط (الباب الثاني والعشرون). الاختيار ولكن الذي يجب إلا يغيب عن أذهاننا هو الرجوع في أوروبا إلى أصل من أصول القانون الكنسي وهو القانون العبري فالتوارث لدى اليهود هو أن الابن البكري يقدم على غيره ويكاد يأخذ الإرث كله لأنه على فرض وجود أبناء آخرين فهو لا يجرمهم ولكنه ينزلهم منزلة الإناث في نظام التوارث في الشريعة فللابن البكر حظين أما الإناث فلا يرثن ولذلك فعندما تم السماح للهالك لمسلك أحد الطرفين طريقة توزيع التركة طبقا للأنصبة التي حددها القانون أو بناء على الوصية التي يوصي بها الهالك قبل وفاته وتنفيذ بعد وفاته والقانون المدني الفرنسي مثلا يقول في هذا الصدد حسب ما أورده صاحب كتاب المقارنات الشريعة في ج.4 ص25-27) يقول: القانون الفرنسي للميراث معنيان: أولا نقل ملكية أملاك المتوفي إلى الوارث ثانيا نفس الأعيان الموروثة من الشخص المتوفي وهذا المعنى يعادل الوراثة. للوراثة طريقان: الأول: الطريق الطبيعي وهو وراثة بالقانون وهو ما يتم بعد الوفاة من استحقاق كل وارث نصيبه المقدر قانونا. والثاني: بطريق الوصية وهو ما يرتبه المالك حال حياته لينفذ بعد وفاته أو هو إرادة المالك حال حياته تنفذ بعد وفاته وقد ألحقها القانون بإلهية بين الأحياء. لمحة تاريخية كان الميراث في فرنسا مختلفا كل الاختلاف في البلاد ذات القانون المكتوب وفي البلاد ذات العوائد –ففي الأولى كان ينفذ القانون الروماني فكانت الوصية هي الأساس –وفي الثانية كان الميراث القانوني هو الأساس والوصية في محل ثانوي- فهو مؤسس على الاشتراك العائلي في المتوفي. ونختم حديث اليوم بفقرة مما أوردناه في افتتاح هذا الحديث في موضوع مناقشة إقبال لفكرة تطور الشريعة الإسلامية حيث يقول إقبال: وهكذا نرى أن الفرنسيين ليسوا ملزمين بالوصية ولكنها أسلوب من أساليب التصرف في التركة ويحمل على انها هبة تصرف بعد الموت وهذا أمر قابل للنقاش ولكن في باب الهبة. «إن روح التمثل في الإسلام لأقوى ظهورا في ميدان القانون. يقول الأستاذ: هرجونيه العالم الهولندي الذي عكف على دراسة الإسلام عندما تقرأ تاريخ تطور الشريعة المحمدية نجد من ناحية أن الفقهاء في كل جيل يجرح بعضهم بعضا في أبسط الأمور إلى حد أنهم يترامون بالزندقة، ومن ناحية أخرى نجد هؤلاء الفقهاء أنفسهم، بما لهم من وحدة في القصد فائقة، يحاولون التوفيق فيما بين السلف من خلافات شبيهة بما بينهم هم من خلاف. وهذه الآراء التي ينطق بها علماء أوربا المحدثون تبين لنا في جلاء ووضوح، أنه عندما تعود للمسلمين حياة جديدة، فإن حرية الفكر الكامنة في الروح الإسلامية لابد أن تبرز نفسها إلى الوجود على الرغم من تزمت الفقهاء». هذا ما يرويه إقبال مع تعليقه عليه ونحن نريد أن نضيف أنه لا تزمت الفقهاء يساير التطور والتقدم ولا تطرف غيرهم والسير بسرعة غير متوازنة لحقيق التقدم المنشود سيحقق المبتغى. ولنا عودة للموضوع. *أستاذ الفكر الإسلامي