المغرب يحتضن الدورة ال58 للجنة الاقتصادية لإفريقيا ومؤتمر وزراء المالية الأفارقة العام المقبل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    طقس الجمعة.. أمطار رعدية مع نزول ثلوج بهذه المناطق من المملكة    العشرات من الشبان يحاولون الوصول إلى سبتة سباحة رغم العاصفة في ليلة عصيبة    ندوات    منع مشجعي الوداد البيضاوي من التنقل إلى طنجة لمساندة فريقها    إصابة إلياس شاعر تثير المخاوف .. والمدرب : نترقب نتائج الفحوصات    نداء عاجل للعودة الفورية والآمنة للأطفال المحتجزين لدى الجماعات المسلحة إلى أوطانهم    ندوة نقاشية في العيون تسلط الضوء على رحلة تمكين المرأة من التحرر إلى صنع القرار    بني ملال.. توقيف مُشتبه في تورطهم في ترويج مواد صيدلانية مهربة    جماعة العرائش تنظم الدورة الأولى من رمضانيات السماع والمديح    الصين تبدأ رسميا في انتاج هيدروجين عالي النقاء بنسبة 99,999 بالمائة    نيويورك.. وقفة في برج ترامب تندد باعتقال طالب بجامعة كولومبيا مؤيد للفلسطينيين واعتقال 98 شخصا    السلطات الموريتانية تعلن التغلب على تسرب الغاز من حقل بحري مشترك مع السنغال    السلطات الصينية والأمريكية تحافظ على التواصل بشأن القضايا التجارية (متحدث صيني)    الفرجة الرمضانية بين النقد السريع والنقد المدفوع    تكليف مكتب للدراسات لإعداد تصور شامل حول تنظيم موسم مولاي عبد الله أمغار    ماذا قال المدرب البرتغالي بعد الإقصاء … ؟    تفاصيل الجمع العام العادي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم    تحقيقات مكثفة حول النفق المكتشف بين سبتة المحتلة والمغرب: احتمالات لوجود مخارج متعددة    قفة رمضان تسيل لعاب تجار الانتخابات في طنجة    التحديات المالية للجمعيات الرياضية بطنجة: بين ارتفاع التكاليف والتسعير غير العادل    العاصفة كونراد تشلّ حركة الملاحة بين سبتة المحتلة والجزيرة الخضراء    التفوق المغربي على الجزائر .. واقع ملموس في مختلف المجالات    مستجدات مشروع قانون المسطرة الجنائية    الذهب يبلغ مستوى قياسيا ويتجه نحو 3 آلاف دولار للأوقية    تحقيق أممي: السلطات الإسرائيلية دمّرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بإحداث منطقة التصدير الحرة طنجة طيك    خبراء: تحديات تواجه استخدام الأحزاب للذكاء الاصطناعي في الانتخابات    عقار جديد يوقف الخصوبة لدى الرجال ويعيدها بعد التوقف عن تناوله    "ألف يوم ويوم".. سيمون بيتون تحكي الحاج إدمون عمران المليح    "بيجيدي" يندد بتدهور "حد بوموسى"    سلا: الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد جمعها العام العادي    سباق التسلح في مجال الطائرات المسيّرة.. المغرب ضمن تحالفات جديدة وتنافس دولي متصاعد    منع تنقل جماهير الوداد إلى طنجة    "الويفا" يوضح سبب إلغاء هدف ألفاريز ويبحث مراجعة القوانين    ارتفاع نسبة ملء السدود في المغرب    مستشار الرئيس الفلسطيني يشيد بالدعم الموصول للملك محمد السادس للقضية الفلسطينية    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    التكنولوجيات الحديثة والممارسات السلطوية الرقمية    قالها ملك البلاد‮: ‬أحزاب‮ ‬تستعجل القيامة‮..!‬    الحسيمة.. أمطار الخير تنعش منطقة أيت أخلال وتعزز الآمال في موسم زراعي ناجح    جديد دراسات تاريخ الأقاصي المغربية: التراث النوازلي بالقصر الكبير    الهواري غباري يؤدي "صلاة الخائب"    صحيفة إسبانية: المغرب فاعل رئيسي في قطاعي السيارات والطاقة المتجددة    المغرب يحتل المركز السادس عربيًا وإفريقيًا في الحرية الاقتصادية لسنة 2025    فضل الصدقة وقيام الليل في رمضان    لمجرّد يكشف تفاصيل عمليته الجراحية ويطمئن جمهوره    يسار يعرض "لمهيب" في مركب محمد الخامس    عدوى الحصبة تتراجع في المغرب    ماذا يحدث للجسم إذا لم يتناول الصائم وجبة السحور؟ أخصائية توضح    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    "حماس" ترحب بتراجع ترامب عن دعوة "تهجير سكان غزة"    دراسة: الوجبات السريعة تؤدي إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية    بوحموش: "الدم المشروك" يعكس واقع المجتمع ببصمة مغربية خالصة    أوراق من برلين .. قصة امرأة كردية تعيش حياة مليئة بالتناقضات    أطعمة يفضل الابتعاد عنها في السحور لصيام صحي    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    









جنازة امرأة
نشر في هسبريس يوم 12 - 05 - 2009

ثْرَايَثْمَاسْ كعادتها تتدثر بالصمت فوق سريرها المتعطش لدفئ الحياة، تتقلب يمنة ويسرة ، الحيرة تحلق في غرفتها وهي منهمكة في حل عمليات حسابية عسيرة على امرأة لم تدخل يوما المدرسة ولم تمسك يداها قلما ولا ورقا. وكيف لها بذلك وهي بنت جبل منعزل محروم أهله من كل الحقوق الإنسانية المشروعة. انغمست في تعداد الأيام المتبقية لعودة زوجها سعيد لأرض الوطن. ولأنها كررت الحساب لمرات ومرات أخذها النوم وطول الانتظار لم يلبث يفتك بأنوثتها المبتورة. كان سعيد ( المهاجر في بلاد الدانمارك) في تلك اللحظة بالذات انتهى لتوه من احتساء الكوب الثالث من البيرا وبدأ في لعب القمار، والفائز هذه المرة هو من سيفوز بالغانية فاضْما.كان سعيد يكره طعم الخسارة ومستعد لفعل أي شيء للكسب خاصة وأن ليال حميمية جمعته بفَاضْما. أما ثرايثماس فلقد قامت مفزوعة من نومها من هول كابوس يطاردها منذ أيام. ""
توضأت وصلت الفجر كعادتها ولم تنسى أن تدعوا لسعيد بالرزق وأن يحفظه الله في بلاد الغربة. غطت طفليها وعادت للنوم. وفي أكثر بارات الدانمارك حرارة وبعد ثلاث ساعات من اللعب ربح سعيد المقامرة، قام منتش بفوزه يبحث عن فاضما في البار وبعد البحث وجدها في ركن ثملة فسحبها من يديها وذهب بها إلى البيت. ثرايثماس في وطنها الجاحد بحق نسائه، كانت كأي امرأة ريفية ترضى بالقليل من زوجها، تقدس سعادته وتفرح لابتسامته النادرة حتى لو كانت جد خفيفة. ورغم أن سعيدا كان يبعث لها بالكثير من النقود إلا أنها كانت لا تستهلك منه إلا القليل وتخبأ البقية في الوسائد لتعطيها لزوجها بعد عودته من المهجر. استعدادا منها لمكائد الحياة، لكنها لم تكن مستعدة لتحمل صدمة زواج سعيد بامرأة أخرى. لكن القدر لم يترك لها اختيارا فاضطرت لتقبل هذه المصيبة التي مزقت بقايا أنوثتها الموؤودة في مقبرة المجتمع.
صمدت كأي امرأة تناضل من أجل حياتها المهددة من غدر الزمان والمكان والإنسان. ضمدت جراحها بجراحها وسط إعصار الصمت المهانة. فاضما العاهرة سابقا في بارات الدانمارك هي الزوجة الثانية اليوم، الكل يحترمها ويخشى من غضبها. كيف لا ؟ وهي التي روضت سعيدا العاهر المحافظ الذي كانت زوجته الأولى لا تخرج إلا وهي ملثمة. وجعلته عبدا تحت حذائها رغم أن قبحها لا يسعفها حتى لمراودة عجوز متسكع. غير أن دهائها وعلاقاتها الجيدة بالسحرة كانت كفيلة بقضاء الغرض. ثرايثماس في منزلها تخيط في كل ثانية من فتات آمالها المحطمة حلما يكسوها طيلة اليوم. وليلا كعادتها تتدثر بالخوف والقلق خاصة وأن سعيدا لم يعد يبعث إلا بالقليل من الدريهمات لا تكفي لسد فواتير الماء والكهرباء وسد الرمق.
لكن لم يكن بيدها أن تحتج على الوضع أو تنبس ببنت شفة. كان عليها أن تتجرع كل الاهانات بصمت وخنوع تام، وان تصرخ بصمت وأن تثور بصمت في وجه الظلم المسمى بزوجة ثانية. وبعد 25 سنة من الكفاح المستمر ،وذات ليلة باردة، ثرايثماس على سريرها الفارغ من طعم الحياة الزوجية، تسقط جثة سقيمة فوق شرشفها المثخن بالجراح والآلام. مصدومة تتدثر بالدهشة والهلع وجسدها الأصفر كالزعفران يثير ذعر كل من يزورها. ذبلت كأي وردة يقهرها جفاف الحال، وكأي زهرة تموت اختناقا من قذارة الأزبال الملتفة حولها. لم يكن متبقيا للفجر سوى خمس دقائق عندما جاءها ملكوت الموت مبشرا إياها بالانتقال من دنيا أفنت فيها ذاتها تحت الذل وطغيان الإنسان على الإنسان. إلى دنيا الخلود حيث العدالة والرحمة. وفي ذلك الصباح استيقظ العالم مفتقدا ثرايثماس وصارخا بدم بارد جنازة امرأة. فما أقواها ثرايثماس في مواجهة قسوة الرجال ، بقايا سموم الاحتلال تنهش ثدييها ، دولة شحيحة لا تداوي نساءها ومجتمع جلاد لا يرحم.
fatamazgha@gmail.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.