احتضنت مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، منتدى دوليا رفيع المستوى تحت عنوان "الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف: مخاطر التضليل والتحيُّز"، تم تنظيمه بشراكة بين الأمانة المساعدة للاتصال المؤسسي برابطة العالم الإسلامي واتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي (يونا)، برعاية وحضور الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ورئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، والمشرف العام على الإعلام الرسمي في دولة فلسطين، الوزير أحمد عسَّاف، ومشاركة عددٍ من الوزراء والقيادات الإعلامية الإسلامية والدولية، ونخبة من السفراء والشخصيات الدينية والفكرية والحقوقية وقادة المنظمات الدولية. وتضمن جدول أعمال المنتدى عقد أربع جلسات عمل تمت خلالها مناقشة مواضيع رئيسة هي "دور المؤسسات والقيادات الدينية في مكافحة خطاب الكراهية والعنف في المنصات الإعلامية"، و"التحيز والتضليل في الإعلام الدولي: القضية الفلسطينية أنموذجًا"، و"المسؤولية الأخلاقية في الإعلام الدولي"، و"التحالفات الدينية الإعلامية والدولية لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف". وفي ختام أعمال المنتدى صادق المشاركون على "ميثاق جدة للمسؤولية الإعلامية"، الذي يشتمل على 13 بندا تركز جميعها على سبل ترسيخ حِسَّ المسؤولية والأخلاقيات في الخطاب الإعلامي، خاصة في مواجهة الإساءة للمقدسات الإسلامية، والتحيز والتضليل تجاه قضايا الأمة العربية والإسلامية. ودعا الميثاق إلى الإيمان بالكرامة الإنسانية، والالتزام بالمُثل الأخلاقية المشتركة، وصيانة حقوق الإنسان، والتصدّي لدعوات نشر الرذيلة والانحلال الأخلاقي، واحترام الرموز الدينية والوطنية للأمم والشعوب، وترسيخ ثقافة الاختلاف الواعي، واحترام التنوع الثقافي والاجتماعي، والحفاظ على سلام المجتمعات، واعتبار الإسلاموفوبيا أنموذجاً للعنصرية المقيتة. كما دعا إلى مكافحة دعوات العنف والكراهية والتمييز العنصري، وممارسة العمل الإعلامي بحرية واستقلالية ذاتية، والالتزام بالمسؤولية الشخصية، والتحلي بالقيم الأخلاقية والاجتماعية في الحصول على المعلومة، والاعتماد على الجهات الموثوقة ذات المصداقية في نقل الأخبار والتقارير. ومن بين المحاور المهمة التي ناقشها المشاركون في هذا المنتدى المحور المتعلق بالمسؤولية الأخلاقية في الإعلام الدولي، الذي يروج مضامين عنصرية ضد الإسلام والمسلمين. هذه المضامين، سواء الموجهة ضد الديانة الإسلامية أو ضد المسلمين عموما والعرب خصوصا، وكل الخطابات الموجهة ضد الديانات الأخرى هي ممنوعة ومحرمة من وجهة نظر قواعد القانون الدولي لكونها تدخل تحت مفهوم "التعبير المحمل بالحقد والكراهية". لكن للأسف لا يوجد تعريف متفق عليه حول هذا المفهوم، ليس فقط في أوروبا، بل حتى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن منظمة "هيومن رايتس واتش" حاولت إعطاء تعريف شامل وفضفاض أدخلت فيه كل أشكال التعبير والخطابات المحملة بالقذف أو السب الموجه ضد المجموعات الدينية أو العرقية أو ما شابهها. وفي دراسة علمية للدكتور علي كريمي، الخبير المغربي في القانون الدولي وحقوق الإنسان، نشرتها "الإيسيسكو" بعنوان "مظاهر خرق الإعلام الغربي المتحامل على الإسلام لقواعد القانون الدولي"، استنتج الباحث أن الخطابات ذات الحمولة العنصرية والحاقدة هي في أغلب الأحيان موجهة ضد الأقليات المعزولة، وهو ما ينطبق على الأقلية المسلمة في أوروبا وفي الغرب بصورة عامة. لكن عند اللجوء إلى مثل هذه الخطابات غالبا ما يتم التذرع بحرية التعبير من أجل استحسان تمريرها، وبالتالي حمايتها. وتبعا لهذا فإن التعبير العنصري يكاد يكون شبه محمي ما عدا إذا كان يشكل تهديدا كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا. أما الدول الأوربية فتحاول تقييد الخطابات العنصرية، لكن ذلك يبقى بدون جدوى. فبالرجوع إلى القوانين الجنائية في مختلف الدول الأوربية، من بريطانيا إلى فرنسافألمانيا والسويد، أشارت الدراسة المذكورة إلى التمييز بين القوانين التي تؤكد على حماية النظام العام، والقوانين التي تسعى إلى حماية الكرامة الإنسانية. فالخطابات العنصرية التي تستهدف مجموعة ما أو أقلية ما قد تعتبر تهديدا للنظام العام، وبالتالي هي من حيث درجة خطورتها تعادل السب والقذف الموجه إلى شخص محدد بعينه، ومع ذلك فهذه القوانين في كثير من الأحيان لا تحمي حقوق الأقليات في حد ذاتها. كما توجد قوانين من هذا القبيل في كل من ألمانيا والدانمارك وهولندا وبلجيكا، وهي قوانين جد متقاربة ومتشابهة، وتشتمل على عقوبات مدنية وجنائية. كل هذه القوانين تؤكد على حماية الكرامة الإنسانية، وبعضها على حماية النظام العام، إلى جانب الكرامة الإنسانية. لكن السؤال العريض الذي يفرض نفسه هو: لماذا يتم التغاضي عن الخطابات المغرقة في العنصرية والكراهية التي تسب وتحتقر وتسيئ إلى الإسلام والمسلمين؟ ألا يتناقض ذلك مع ما هو مضمن في قوانين هذه الدول؟ ألا يتناقض مع قواعد القانون الدولي التي ارتضتها؟ ألا يطرح ذلك سؤالا أكبر هو: أين المسؤولية الأخلاقية في الإعلام الدولي ؟ باحث في الاتصال والحوار الحضاري