مشروع قانون العقوبات البديلة رقم 22 43، في اعتقادي يعتبر من أكثر القوانين الذي عرف جدلا ونقاشا مجتمعيا كبيرا ومتنوعا، حتى أنه أخذ في بعض الأحيان من المعلقين على بنوده طابع السخرية المُرة التي تبدي في طياتها تخوفا مبطنا من تحول هذا القانون الى وسيلة يُفلت عن طريقها بعض المجرمون ممن يملكون المال من عقوبة الحبس، بل إن هذا القانون لم يشارك في إبداء الرأي فيه فقط المختصون والممارسون من رجال القانون، بل حتى بعض نشطاء ومشهورو السوسيال ميديا شاركوا فيه أيضا، وكانت آرائهم في بعض الأحيان منطقية ومعقولة من حيث التخوفات والتصور لما يمكن أن يقع، وإذا كانت حسنات هذا القانون، لا يمكن أن ينكرها أحد في حالة الاحسان والموازنة وتطبيق أسس العدل حين نعمل على تطبيقه، وتمتيع من يستحق من بعض المدانين بجرائم، من اليد الناعمة والمحسنة لهذا القانون بعد إقراره، فإن التخوف كبير أيضا من سوء تطبيقه والعبث وعدم التدقيق في من يستحق أن يتمتع بنسمات فصوله، لأنه بالرجوع الى هذا القانون، سنجد أنه يخاطب مرتكبي أكثر من تسعين في المائة من الجرائم التي يُدان بها متهمون في المغرب، إن لم تكن النسبة أكبر من ذلك، لأن الجرائم التي يكون أصحابها غير متمتعين بظلال هذا القانون المنتظر، هي قليلة جدا، وهي جرائم لا ترتكب بالعدد الذي تُرتكب به باقي الجرائم، وباطلاعنا على الجرائم التي لا يطبق عليها مشروع هذا القانون، نجد أن الفصل 3 -35 من المشروع، حسر هذه الجرائم في الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والغدر وتبديد الأموال العمومية، وغسل الأموال والجرائم العسكرية والاتجار الدولي في المخدرات والاتجار في المؤثرات العقلية والأعضاء البشرية والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية صعبة، وهو ما يعني أن جرائم خطيرة مثل بعض جرائم التزوير وخيانة الأمانة والنصب والتي يمكن أن تكون فيها الخسائر المالية بمئات الملايين، وغيرها من الجرائم التي تدخل في خانة الجرائم الخطيرة، التي يمكن أن ينعم المدان بها بالأيدي الكريمة والرحيمة لهذا المشروع. لكن النقطة التي نريد الوقوف عليها من خلال مقالنا هذا وإثارة الانتباه بقوة إليها، والتي أهملها مشروع القانون بشكل شبه كلي، إلا من مقتضى واحد انتبه إليه، وحدده ليكون شرطا لإتمام العقوبة البديلة والسير في مسطرتها، وضمن فيه لضحايا الجرائم التي أدين أصحابها بجنح تقل عن خمس سنوات، تأدية المحكوم عليه، للتعويض المحكوم به لضحية جريمته قبل مباشرة تطبيق الغرامة اليومية لمصلحته، وهو مقتضى مهم ومنصف، رغم أن كيفية معالجته وانصاف ضحايا الجريمة فيه، في نظرنا يبقى غير منصف ويحتاج الى تشريع منصف لهم في نفس القانون، وسنحدد كيفياته ومقترحاتنا فيما بعد، فإن إطلالة سريعة أو متأنية لهذا المشروع نجد فيه غيابا لا نعرف هل هو مقصود أو بحسن نية، لحق الضحية في اقتضاء التعويض ممن أجرم في حقه، فكل الوسائل البديلة المنصوص عليها، لم يتم النص صراحة على واجب تنفيذ المحكوم عليه الذي يريد التمتع بالعقوبات البديلة للتعويضات المحكوم بها لضحيته ، قبل أن يُسمح له بالمطالبة بتطبيق العقوبات البديلة في حقه، أو يسمح للمحكمة أو النيابة العامة بالمطالبة بتمتيع هذا المتهم بهذه العقوبات البديلة، وهو ما يعني أن هذا المتهم المدان، يمكن أن يطلب من المحكمة أو يمكن للمحكمة تلقائيا أو يمكن للنيابة العامة أن تطلب تطبيق عقوبة بديلة في حقه، حتى دون أن يؤدي التعويضات المحكوم بها لفائدة ضحيته، فهو يمكن أن يُمتع بالقيد الالكتروني، ولا يدخل السجن، دون أن يؤدي تعويضات ضحيته، كما هو الشأن بالنسبة للعمل للمنفعة العامة، فهو يمكنه أن يعمل في خدمة عامة، وتخصم له أيام عمله من مدة حبسه، دون أن يكون ملزما بأداء التعويض المحكوم به لفائدة ضحية جريمته. وهذا الإهمال لحقوق الضحية، التي يجب أن يكون أول ما يطلب أدائه قبل أن يطلب التمتع بفضائل العقوبات البدلية، بإثبات أنه أداها لضحية جريمته، مازال الوقت لم يفت بعد، لإدراجه في هذا المشروع، لأن المشروع مازال يناقش أمام مجلس المستشارين، رغم أن الحكومة صادقت عليه، وكذا عرف مصادقة مجالس النواب بعض إقرار تغييرات بسيطة عليه، لكي لا يعتبر هذا القانون المنتظر مضرا ومنتهكا لحقوق الضحية في حصولها على التعويض، فيمكن لمجلس المستشارين أن يجري عليه هذه الإضافات التي تشير مثلا في فصل مستقل يكون على الشكل التالي إلى ما يلي : ( لا يمكن لأي مدان أن يطلب التمتع أية عقوبة بديلة مشار إليها في هذا القانون، دون أن يثبت أداء التعويض المحكوم به لفائدة ضحية جريمته وكذا الغرامات المحكوم بها عليه ). كذلك وبما أن الدولة ستستفيد من إخراج هذا القانون الى الوجود، من خلال، تقليل الضغط على السجون، وتقليل التكلفة المادية لكل سجين كانت تلتزم بمبيته وحراسته وسكنه، وسيستفيد منه كذلك، كل محكوم عليه بالحبس، بحقه في أن لا يُحبس بين أربعة جدران رغم ارتكابه لجريمة، كانت أولى جرائمه، وتعويض حبسه بوسيلة عقابية بديلة، يمكن له أن يختارها، فإنه في نظري، من الأولى أن نجزل العطاء والتعويض لضحية جريمته، لأنه هو الذي يجب أن يكون المستفيد الأول من تمتيع المدان الذي اعتدى عليه، من مستجدات هذا المشروع، وأن لا يكون متذمرا من تمتيع المحكمة للمحكوم عليه بعقوبة بديلة، تمنحها له، بل يمكن أن يكون فرحا بها وراغبا في أن تطبقها المحكمة على من اعتدى عليه، وذلك من خلال التنصيص مثلا على أن تقرن المحكمة مثلا الحكم بالغرامة اليومية، بتعويض ضحية جريمته، بتعويض لا يقل عن عشرين ألف درهم، فضحية الجريمة يجب أن يكون المستفيد الأول من قدرة المحكوم عليه من شراء أيام حبسه، لا الدولة فقط ، خصوصا أن ضحايا الجرائم يعانون من تعويضات يحكم بها القضاء الزجري تكون في الغالب قليلة جدا، فما معنى أن يحكم لفائدة ضحية جريمة بثلاثة آلاف درهم كتعويض، ويحكم على المعتدي عليه بسنة سجنا نافذا، وتقرن هذه العقوبة الأصلية بعقوبة بديلة هي الغرامة اليومية، ويحكم عليه بأن يؤدي للدولة المغربية مثلا 300 درهم عن كل يوم، التي لم تكن محل اعتداء مباش، فيؤدي المحكوم عليه للدولة ما مجموعه تقريبا 11 مليون سنتيم ( إحدى عشرة مليون سنتيم ) ويؤدي فقط لضحيته الذي كان ضحيته المباشرة عن جريمته فقط تعويض محكوم به لا يتعدى 3000 درهم، فلا يجب أن يصبح ضحية الجريمة، ضحية العقوبة البديلة وظلمها وعدم انصافها له لذلك فأنا أقترح أن يتم التنصيص على أن تحكم المحكمة في حالة العقوبة البديلة بتعويض لا يقل عن عشرين ألف درهم بالنسبة، في حالة النص في النص على الغرامة اليومية كعقوبة بديلة، التي تكون بديلا عن الحبس، ويتم التنصيص على الحكم لفائدة ضحية الجريمة بمبلغ خمسة عشرة ألف درهم عن باقي العقوبات البديلة، أو يتم النص بشكل عام على أنه في حالة الحكم بأية عقوبة بديلة يحكم لضحية الجريمة بتعويض لا يقل عن عشرين ألف درهم. فنحن يجب ألا نشرع لمدانين منعم عليهم ومبعدين بحكم القانون عن جحيم الحبس، بل يجب أن نضمن كذلك الانصاف والموازنة بين حقوق المدانين في عقوبات بديلة وواجباتهم في تأدية تعويضات مناسبة ومنصفة لضحايا جرائمهم ونجعل ضحايا جرائمهم يتمتعون ولو بشكل نسبي بنسيم برد التعويضات التي سيؤديها لهم الراغبون في العقوبات البديلة. *المحامي بهيئة الجديدة