عدا تلك المسيرة الضخمة التي احتشد خلالها آلاف المغاربة من مختلف الأعمار صباح يوم الأحد 15 أكتوبر 2023 لدعم الشعب الفلسطيني وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى جانب فصائل فلسطينية أخرى في مواجهة العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، فإن عاصمة المغرب الإدارية الرباط لم تشهد في السنوات الأخيرة مسيرة وطنية حاشدة مثل مسيرة يوم الثلاثاء 7 نونبر 2023، التي شارك فيها عشرات الآلاف من الأساتذة الذين قدموا من مختلف جهات المملكة، وتجمهروا أمام البرلمان قصد التعبير عن رفضهم الشديد للمرسوم رقم 819.23.2 المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية الجائر، الذي من شدة إحساسهم بالحيف والإقصاء أطلقوا عليه اسم "نظام المآسي". ويعود مسلسل الوقفات والمسيرات الاحتجاجية والإضرابات المحلية والوطنية، إلى تعنت وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، وتماديه في استفزاز الشغيلة التعليمية عبر خرجاته الإعلامية ومحاولة تضليل الرأي العام بادعاءاته الزائفة، ولاسيما أنه سارع قبل حتى نهاية مهلة عشرة أيام التي منحتها وزارته للنقابات الأكثر تمثيلية من أجل تقديم ملاحظاتها وتعديلاتها على مشروع النظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية، إلى تمريره للحكومة التي لم تتأخر بدورها في المصادقة عليه يوم الأربعاء 27 شتنبر 2023، ومن ثم نشره بسرعة فائقة في الجريدة الرسمية عدد 7237 بتاريخ 9 أكتوبر 2023، مما أدى إلى الرفع من منسوب الاحتقان وتأجيج نيران الغضب في أوساط الشغيلة التعليمية بمختلف فئاتها وهيئاتها. لذلك سارعت النقابات التعليمية الأربع الموقعة على اتفاق 14 يناير 2023 إلى ضم صوتها للنقابات غير المشاركة في الحوار والتنسيق الوطني لقطاع التعليم، في المطالبة بضرورة التعجيل بإلغاء النظام الأساسي المثير للجدل. إذ رغم اللقاء الذي جمعها يوم الإثنين 30 أكتوبر 2023 برئيس الحكومة عزيز أخنوش في حضور كل من وزير التربية الوطنية وشكيب بنموسى، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري، وما انتهى إليه من موافقة مبدئية للحكومة على تحسين مضامين النظام الأساسي بشكل يرضي جميع الهيئات، فإن هناك إصرارا قويا من قبل التنسيق الوطني الذي يضم حوالي عشرين تنسيقية، على التمسك ببرنامجه الاحتجاجي والتصعيدي إلى حين مراجعة النظام الجائر. حيث لا يعقل أن يقوم الوزير الوصي بعد سنتين من الترقب والانتظار بإشعال فتيل الغضب والاحتقان في الساحة التعليمية، بسبب نظام يكرس العبودية والحط من كرامة الشغيلة التعليمية، فضلا عن أنه كلف ميزانية الدولة حوالي عشرة ملايير، دون أن يكون قادرا على تلبية انتظارات موظفي القطاع. Loading Ad 00:00 / 00:00 فالتنسيق الوطني لقطاع التعليم الذي دعا إلى مشاركة كافة موظفي قطاع التربية الوطني في "مسيرة الكرامة"، يستمد قوته ومشروعيته من عدد التنسيقيات الوطنية التي تنضوي تحت لوائه والبالغ عددها 20، حيث تجمهر أمام بناية البرلمان في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الثلاثاء 7 نونبر 2023 عشرات الآلاف من الأساتذة المنتمين لمختلف الفئات المهنية المزاولين منهم للعمل والمتقاعدين، ثم انطلق الجميع في مسيرة حاشدة نحو مقر وزارة التربية الوطني وبعدها خاضوا اعتصاما جزئيا هناك، احتجاجا على مقتضيات "قانون المآسي" التراجعي والإقصائي. ولم يفت المتظاهرات والمتظاهرون رفع شعارات الاعتذار من الأسر المغربية وبناتها وأبنائها من المتعلمين عن توقف الدراسة الاضطراري، محملين وزير التربية الوطنية المسؤولية الكاملة لما يحدث من هدر لزمن التعلمات، ومطالبين برحيله. ويشار في هذا الصدد إلى أن التنسيق الوطني لقطاع التعليم الذي أخذ مبادرة الترافع عن مطالب الشغيلة التعليمية بكافة فئاتها وهيئاتها بعد تراجع دور المركزيات النقابية الكبرى خلال السنوات الأخيرة، سبق أن أشار إلى أن إصرار نساء ورجال التعليم على الاستمرار في الاحتجاج عبر كافة أشكال النضال المشروعة بجميع جهات المملكة، يأتي من منطلق رغبتهم الأكيدة في صون كرامتهم والدفاع عن مطالبهم العادلة، وفي مقدمتها التراجع عن الاقتطاعات من أجور المضربين، الحق في الإضراب، إسقاط النظام الأساسي المجحف وغير المنصف وحل جميع الملفات المطلبية العالقة منذ سنوات طويلة. فلا سبيل اليوم أمام رئيس الحكومة عزيز أخنوش للخروج من هذه الأزمة وتجاوز حالة الاحتقان، التي تعيشها الساحة التعليمية على مدى شهرين، وإنهاء هذه المعركة التي يعتبر التلميذ أكبر ضحاياها، عدا الإصغاء إلى نبض الشارع والتعجيل بتسوية هذا الملف الشائك والمؤرق، من خلال تحسين مضامين النظام الأساسي غير المنصف، وضمان عودة الدفء إلى كراسي المدرسة العمومية، التي تراجع بريقها وتضررت صورتها لدى غالبية الأسر المغربية، بفعل التهميش والقرارات الارتجالية غير المحسوبة العواقب، انعدام الجدية في حل المشاكل المطروحة والعمل الجاد والمسؤول على النهوض بأوضاعها.