كثيرا ما تردد الإدارة الأمريكية أن العالم قد تغير بعد الأحداث الدرامية التي شهدتها مدينتي نيو يورك و واشنطن سنة 2001. بالطبع كان لهذه المأساة تأثير بليغ في السياسة الدولية لكنها لم تؤدي إلى تغيير العالم و إنما كشفت عن وجود حرب غير معلنة بين الشمال و الجنوب بعد نهاية الحرب الباردة شرق – غرب. و إذا كان شيء ما قد غير عالمنا فهو انهيار المعسكر الإشتراكي و على رأسه الاتحاد السوفياتي إذ مع هذا الانهيار خرجت البشرية من نظام القطبين لتلج مرحلة جديدة في تاريخها اتسمت بسياسة القطب الواحد و بذلك اختل توازن عالمنا الطبيعي. و قد عرف البيت الأبيض كيف يستغل أحداث تسعة شتنبر 2001 لتحقيق مطامعه التوسعية حيث دخل أفغنستان ثم العراق و اليوم إيران مهددة كذلك و سيكون دور من غدا؟ كما منحته هذه الأحداث المأساوية فرصة توسيع رقعة خريطة قواعده العسكرية في عدة مناطق بالعالم تحت شعار الحرب على الإرهاب. و الهدف الحقيقي من كل هذا هو فرض نظام العولمة على تلك الشعوب المتمسكة بتاريخها و ثقافتها و حضارتها. فالعولمة ليست سوى الوجه الآخر لأمركنة المجتمعات. "" و اليوم و بعد مرور بضع سنوات على تلك الدراما بدأت مطامع البيت الأبيض تنكشف مع طموحاته لنشر قواعد نظام دفاعه المضاد للصواريخ بكل من تشيكيا و بولاندا بل و اليابان و تايوان و أستراليا. و تعلل أمريكا سعيها هذا بالخوف من خطر إيران، لكن حتى التلميذ في المدرسة يعرف أين تقع إيران و أين تقع بولاند و أستراليا. إنما أمريكا تستهدف بنظامها "الدفاعي" هذا روسيا الاتحادية و الصين. فبناء قاعدة لها بالتايوان إنما تستهدف به الصين بينما قاعدتها باليابان تضع هدفا لها الجزء الأسيوي لروسيا الاتحادية [فلاديفوستوك و سيبيريا] و تتولى أمر الجزء الأوروبي لروسيا قاعداتاها ببولاندا و تشيكيا. و هكذا تكون أمريكا قد حاصرت قوتين دوليتين بإمكانها مقاومتها و بالتالي تصبح الآمر الناهي بالعالم بدون منازع الشيء الذي سيمكنها من تحقيق إمبراطوريتها المنشودة تشرق الشمس من مشارقها و تغرب من مغاربها كما كان العهد عليه أيام الإمبراطورية الرومانية. فقواعدها بهذه الدول ستسمح لها بضرب الصواريخ الروسية البعيدة المدى قبل انطلاقها و ما قد ينجو منها فستتولى أمره قواعد نظام دفاعها المضاد للصواريخ باليابان و أوروبا. لذلك نرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقاوم بكل ما لديه من إمكانيات و قوة ضد هذه القواعد الجديدة. و قد دعا بوتين لعقد ندوة طارئة خلال أيام 12 – 16 من الشهر الجاري بخصوص معاهدة الحد من التسلح بأوروبا، كما أنه هدد بخروج روسيا من هذه المعاهدة و من الاتفاق الثنائي مع أمريكا المتعلق بالصواريخ المتوسطة المدى الشيء الذي سبب قلق لدى واشنطن و قيادة الحلف الأطلسي.فإلى أي اتجاه سيذهب مسار العالم؟ هناك شيء واحد مؤكد هو ضرورة اهتمام المواطن المغربي بما يجري بالعالم لأن السياسة الدولية لها تأثير على سياستنا الوطنية إذ المجتمع الدولي أصبح اليوم أكثر ارتباطا ببعضه البعض مما كان عليه بالأمس.