لم ينجح المغرب، إلى حد الآن، في كسب رهان رفع إنتاجه من مادة الحليب إلى أربعة مليارات لتر سنويا؛ وهو الرهان الذي كان مأمولا تحقيقه منذ سنة 2020.. ومع نقص مادة الحليب قبل أشهر في السوق المغربية، طفا إلى السطح نقاش حول لجوء الشركات إلى استعمال مسحوق الحليب للإنتاج هذه المادة، عوض حليب الأبقار، على الرغم من أن ذلك ممنوع. في سنة 2018، أكدت وزارة الفلاحة على حظر استعمال الحليب المجفف في إنتاج الحليب المبستر والمعقم، على خلفية تساؤلات أثيرت حول استخدام هذا المسحوق في تحضير الحليب الطازج. وبالعودة إلى المرسوم رقم 2.00.425 المتعلق بمراقبة إنتاج وتسويق الحليب والمنتجات الحليبية، فإنه يتوجب على المؤسسات والمقاولات العاملة في إنتاج الحليب مسْك سجّل يتعلق باستعمال مسحوق الحليب أو المستحضرات الحليبية يمكّن من تتبع مصدرها واستعمالها ووضعية المخزون المتوفر. وتنص المادة التاسعة من المرسوم المذكور على ضرورة أن يرقّم سجلّ استعمال مسحوق الحليب وأن يوقع عليه وأن يحيّنه مستغل المؤسسة أو المقاولة المعنية، كما يجب أن يتمكن الأعوان المؤهلون التابعون للمصالح المختصة بالمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية من الاطلاع عليه في كل حين. وبالرغم من أن القانون متشدّد في استعمال مسحوق الحليب في صناعة الحليب الطازج، فإنه يُستعمل على نطاق واسع على أرض الواقع، حسب إفادات مصادر مهنية. مصدر من فيدرالية منتجي الحليب والمنتجات الفلاحية أوضح أن السبب الرئيسي وراء "أزمة الحليب" التي شهدها المغرب قبل أشهر هو أن الشركات كانت تعتمد في صناعة الحليب الطازج بالأساس على مسحوق الحليب المستورد من الخارج. وأفاد المصدر ذاته، في حديث لهسبريس، بأن الشركات لجأت إلى استعمال مسحوق الحليب المستورد نظرا لرخص سعره مقارنة مع الحليب الذي تُنتجه التعاونيات، وبعد انتشار جائحة كورونا ارتفع سعره، فعادت الشركات لتطرق أبواب التعاونيات؛ لكنها وجدتْ أن نسبة كبيرة منها أغلقت أبوابها بسبب قدرتها على تسويق ما تُنتجه من حليب. وتابع المصدر ذاته: "الشركات قضتْ على تعاونيات إنتاج الحليب، نظرا لاعتمادها على مسحوق الحليب المستورد، والذي لم يكن يتعدى 15 درهما للكيلوغرام، وأستطيع أن أقول إن سبعين من المائة من التعاونيات ماتت لهذا السبب". وتواصلت هسبريس مع مسؤول في إدارة إحدى الشركات الكبرى لإنتاج الحليب في المغرب، واستفسرته عن الموضوع؛ غير أنه اعتذر عن تقديم أية معلومة، مكتفيا بالقول: "لا أستطيع أن أتحدث في ما له علاقة بالجانب الصناعي". وحسب المرسوم رقم 2.00.425 المتعلق بمراقبة إنتاج وتسويق الحليب والمنتجات الحليبية، فإن استعمال مسحوق الحليب أو المستحضرات الحليبية من أجل إنتاج الحليب المعاد تكوينه "لا يُعتبر عملية أو معالجة مباحة، ويعتبر غشا". وعلاوة على التساؤلات المطروحة بشأن تبعات استعمال الحليب على الجانب الصحي للمستهلكين، يُضرّ إقبال الشركات على استيراد هذه المادة بالتعاونيات الفلاحية المختصة في إنتاج الحليب. وكانت التنسيقية الجهوية لمنتجي الحليب واللحوم الحمراء والمنتوجات الفلاحية بجهة الدارالبيضاء-سطات، والرباط-سلا-القنيطرة، وبني ملال-خنيفرة، ومراكش-أسفي قد نبهت، منذ سنة 2017، إلى أن الشركات بدأت تتخلى عن جميع الحليب من التعاونيات، وفرضت كوطا على جميع الكسابة والتعاونيات الفلاحية، بدعوى الاكتفاء الذاتي، وذلك منذ تحرير استيراد مسحوق الحليب من أوروبا، داعية إلى حماية المنتوج المحلي من الحليب وإيقاف استيراد الحليب المجفف. ولا تتعدى كمية الحليب المنتجة في المغرب حاليا حوالي ملياريْ لتر في السنة، حسب تقدير عبد النبي الهبز، رئيس فيدرالية منتجي الحليب والمنتجات الفلاحية؛ في حين أن الدولة كانت تنتظر الوصول إلى إنتاج 4 مليارات ونصف المليار لتر في السنة، منذ سنة 2020. وتقدر الحكومة نسبة تراجع إنتاج الحليب ب30 في المائة؛ لكن فيدرالية منتجي الحليب والمنتجات الفلاحية تعتقد أن النقص يصل إلى أكثر من 40 في المائة، بحسب إفادة عبد النبي الهبز لهسبريس. وأضاف المتحدث ذاته أن من بين أسباب تراجع إنتاج الحليب فرض الشركات لكوطا على التعاونيات أو التذرع بعدم جودته كحيلة لتجنّب شرائه، لافتا إلى أن هذا الوضع "لا يشجع الفلاحين على تربية الأبقار الحلوب". القانون يمنع استعمال مسحوق الحليب أكد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أنه، وطبقا للمرسوم رقم 2.00.425 الصادر في 10 رمضان 1421 (7 ديسمبر2000) كما تم تغييره وتتميمه، الحليب المعالج (الحليب المبستر والحليب المعقم) هو الحليب الذي مصدره الحليب المفرز من ضرع البقرة؛ ولهذا، فإن استعمال مسحوق الحليب كمادة أولية في إنتاج الحليب المبستر والمعقم غير مسموح به. وأفاد "أونسا" بأن مصالحه تقوم بمراقبة الحليب ومشتقاته على غرار باقي المنتجات الغذائية، بهدف التأكد من جودته وسلامته الصحية. كما تقوم كذلك بترخيص ومراقبة وتتبع مؤسسات إنتاج وتحويل ومعالجة وحفظ وتخزين ونقل الحليب ومشتقاته للتأكد من استجابتها للممارسات الصحية والتقيد بنظام المراقبة الذاتية ونظام تتبع الحليب ومشتقاته. وإلى غاية متم شهر يوليوز من السنة الجارية، تم منح 201 ترخيص صحي لوحدات إنتاج الحليب ومشتقاته و490 ترخيصا صحيا لمراكز جمع الحليب من طرف مصالح المكتب، حسب المعطيات التي قدمها "ONSSA" في جواب كتابي لهسبريس. وقالت المؤسسة ذاتها إنه لا يسمح باستعمال مسحوق الحليب بوحدات إنتاج الحليب المبستر والحليب المعقم إلا في حالة استعمال مسحوق لإنتاج مشتقات حليبية أخرى كالياغورت واللبن والأجبان، ويشترط أن يكون مسحوق الحليب يحتوي على النشا (كاشف) بنسبة 5 غرامات في كل كيلوغرام من المنتوج بهدف تمكين المصالح البيطرية من الوقوف على الاختلالات أثناء المراقبة. ومن أجل تتبع مصدر مسحوق الحليب او المستحضرات الحليبية، أردف المصدر ذاته، يجب على المؤسسات مسك سجل يتعلق بكيفية استعمالها وضعية المخزون المتوفر، حيت يقوم المفتشون التابعون للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بمراقبة السجل سالف الذكر بصفة منتظمة. وأكد المكتب، في الجواب الذي توصلت به هسبريس، أن مصالحه تقوم بالتأكد من عدم استعمال مسحوق الحليب أو المستحضرات الحليبية من أجل إنتاج الحليب المعاد تكوينه بوحدات الإنتاج وأخذ عينات قصد إخضاعها للتحاليل المخبرية. واستنادا إلى المعطيات ذاتها، فإنه تم أخذ ما يناهز 81 عينة أظهرت التحاليل أن 79 عينة منها مطابقة للمعايير المعمول بها؛ فيما لم تتطابق عينتان لهاته المعايير (عينة من الحليب المجفف بدون نشا وحليب مبستر مصنوع من الحليب المجفف)، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المخالفين. ومن أجل التأكد من احترام الشروط الصحية المعمول بها، أكد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أن المصالح البيطرية التابعة له تقوم مراقبة دورية للوحدات المرخصة للقيام بزيارات ميدانية منتظمة، حيث قامت المصالح الخارجية للمكتب إلى نهاية يوليوز 2023 ب417 زيارة صحية منتظمة لوحدات جمع الحليب ووحدات إنتاج الحليب ومشتقاته.