نظمت منظمة العمل المغاربي، الجمعة، بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل، الجامعة الصيفية المغاربية، لتسليط الضوء على موضوع "الشباب والتطور الرقمي"، بمشاركة باحثين من تونس والمغرب وليبيا (عن بعد) وموريتانيا، من تخصصات علمية مختلفة. وخلال الجلسة الافتتاحية لهذه الجامعة التي تنظم على مدى يومي 23 و24 من الشهر الجاري، بمدينة مراكش، أكد الباحث إدريس لكريني (رئيس منظمة العمل المغاربي)، في كلمته، أن "هذه المنظمة ظلت رغم الصعوبات المطروحة وفية لمبادئها بالاستمرار في دعمها الخيار المغاربي، وتعزيز التواصل بين الباحثين والمثقفين المغاربيين"، مستدلا ب"حرصها على تنظيم الدورة الخامسة من جامعتها الصيفية، التي تشكل مناسبة للتواصل بين الشباب المغاربي"، ومشيرا إلى "الفرص التي يتيحها التطور الرقمي على مستوى التواصل بين الشعوب المغربية، وإرساء خطاب عقلاني راق يساهم في تعزيز التقارب بين شعوب المنطقة". وتناولت الجلسة العلمية الأولى لهذه الدورة التي أطلق عليها اسم الراحل رشيد نزهري، العضو المؤسس للمنظمة وعضو مكتبها سابقا، "التأصيل المفاهيمي والتحولات القيمية للتطور الرقمي"، من خلال محاولة لمحمد حركات (أستاذ الاقتصاد السياسي والحكامة، كلية الحقوق السويسي، الرباط)، الذي أشار في مداخلة بعنوان "اقتصاد المعرفة والحكامة الرقمية.. المفاهيم والأبعاد والإكراهات" إلى السياق العالمي الذي يؤثر على اقتصاد المعرفة، من قبيل الجائحة العالمية كوفيد19، والحرب الروسية الأوكرانية، ومجموعة من المعيقات والتهديدات والفجوة الرقمية واللامساواة والتهميش والفقر. وتطرق المتدخل ذاته إلى موضوع اقتصاد المعرفة عبر مجموعة من المحاور، موردا أن هذا الاقتصاد ينبني على ركيزتين هما المعرفة المكتوبة والمعرفة غير المكتوبة، فيما العالم العربي بحسبه لا يدون معرفته، في حين أن الذكاء الاصطناعي ينبني على التدوين. وأشار المتحدث ذاته إلى أن "اقتصاد المعرفة لا يدرس بالجامعات المغربية"، داعيا إلى "بناء القدرات الصناعية، وإعادة النظر في منظومة التكوين، والاهتمام بدعم مجتمع المعرفة، وتوفير رؤية واضحة وناجعة للتدوين والتدريب والتحسيس". وسلطت حياة الدرعي (مديرة مركز مدى، الغرب) الضوء على "التحولات القيمية في ظل التطورات الرقمية"، من خلال الإشارة إلى أهمية إسهام المجتمع المدني في توعية الشباب بمزايا التطور الرقمي، ودوره في الارتقاء بالفرد والمجتمع إذا وظف بشكل سليم، مؤكدة أهمية القيام ببحوث ودراسات علمية رزينة توضح وضعية التطور الرقمي في علاقته مع الشباب وتأثيراته القيمية. ودعت المتدخلة نفسها إلى أن خلق منصات توعوية و"بودكاسات" لترسيخ القيم المغربية، وتوجيه الإعلام بكل قدراته لتوعية الأسر، وإلى وضع مواد رقمية في المقررات الدراسية، ووضع أنشطة مدرسية حوارية حول موضوع الندوة. أما عبد اللطيف الحناشي الكاتب والمؤرخ التونسي فقارب التحول الرقمي وحدود مساهمته في تغيير النموذج المجتمعي العربي من محاور ثلاثة، أولها يتعلق بأهداف التحول الرقمي وإنجازاته، والثاني يرتبط بالاعتراضات حول الرقمنة والتحول الرقمي؛ فيما خصص المحور الثالث للمجتمع العربي ومدى القابلية للتحول الرقمي، مشيرا إلى أن "التحدي الذي يواجه التحول الرقمي في بعض المجتمعات العربية هو اتساع وتمدد ظاهرتي الفقر والأمية". وحاول الباحث في قضايا الإسلام السياسي محمد البوشيخي، في مداخلة بعنوان "التحولات الجهادية في ضوء التطور الرقمي"، رصد أثر التطور الرقمي على الإيديولوجيا الجهادية من حيث مسؤوليتها عن انبثاق ما عرف بالجهاد الرقمي، وخصوصا عبر آلية "الذئاب المنفردة" التي تعتبر صنيعة رقمية أساسا، موردا أن هذه الظاهرة باتت تفرض إعادة النظر في علاقة الشباب بالمعرفة الدينية التي يتلقونها بالوسائل الرقمية بدل الهيئات المختصة. وتقدمت ليلى ارطيمات، المتخصصة في العلاقات الدولية بكلية الحقوق سطات، بورقة تناولت فيها "إشكالات ورهانات حقوق الإنسان في العصر الرقمي"، من قبيل "إشكالية تتعلق بكيفية حماية الحقوق الرقمية في ظل تصاعد خطاب الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، مشيرة إلى طبيعة النقاش الدولي والإقليمي حول إقرار حماية الحقوق الرقمية، وذلك في سياق معالجة التحديات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالأمن السيبراني على الصعيد العلمي والإقليمي والوطني في الفضاء الرقمي. وأكدت الباحثة ذاتها أن "ترسيخ الضمانات والآليات الرامية إلى معالجة إشكالات حقوق الإنسان في الفضاء الرقمي يجب أن يمر من خلال مجموعة من القرارات والتوصيات لحماية حرية التعبير والرأي، ومناهضة خطاب الكراهية في العصر الرقمي". وتطرق علي مغراوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، بدوره إلى "دور الرقمنة في النهوض بثقافة حقوق الإنسان عند الشباب"، مبرزا "أهمية الرقمنة في تعزيز هذه الثقافة لدى الشباب"، ومستشهدا بدراسة ميدانية تبين أن أكثر من 47 في المائة من الشباب المغاربة يعبرون عن مواقفهم وآرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أضحت بديلا عن الفضاءات الأخرى. وأشار الباحث ذاته إلى أن "مجموعة من المحطات التي بينت تفاعل الشباب مع الرقمنة، خاصة حملة مقاطعة بعض المنتجات، تشير إلى أننا بصدد ظاهرة اجتماعية، وليس مجرد تقنيات، إذ تعتبر الرقمنة من المساهمات في ظهور جيل جديد من الآليات للنهوض بحقوق الإنسان لدى الشباب". واختتمت الجلسة العلمية بمداخلة تقدم بها الباحث الموريتاني في سلك الدكتوراه في العلوم السياسية بمراكش أمينوه سيد محمد، بعنوان "شبكات التواصل الاجتماعي بين حرية التعبير والجرائم الرقمية.. حالة موريتانيا"، أشار فيها إلى "مفارقة حرية النفاذ إلى شبكات التواصل الاجتماعي في موريتانيا بقوة فاقت توقعات شركات الاتصال التي تقدم خدمات الإنترنت، وتسارع تأثير المدونين، مع غياب تام للترويج أو التسويق لثقافة المسؤولية الأخلاقية والتشريعية المصاحبة لهذه الحرية؛ ما أدى إلى جعل قوانين المجتمع الموريتاني للمعلومات التي توصي بحماية الرموز تبدو وكأنها تذكر بدولة التوجيه السياسي".