موازاة مع تخطي صادرات المغرب من الفوسفاط والسيارات حاجز المائة مليار درهم لكل منها خلال الأحد عشر شهرا الأولى من عام 2022، مسجلة بذلك رقما قياسيا غير مسبوق، وفق معطيات رسمية صادرة عن مكتب الصرف، لم تخلف تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، بدورها، الموعد مع تحطيم رقم قياسي جديد للسنة الثانية تواليا. وتتجه تحويلات أفراد الجالية المغربية التي أنعشت خزينة المملكة من مختلف بقاع العالم إلى تجاوز مبلغ 100 مليار درهم بشكل مؤكد، بنهاية العام المنقضي 2022، بعد تأكيد بلوغها في متم نونبر 99.5 مليارات درهم لأول مرة، وفق المؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية التي نشرها مكتب الصرف. وسجل المكتب ذاته، بإيجابية، منحى تصاعديا لارتفاع التحويلات المالية لمغاربة العالم بنسبة 14,6 في المائة (أي زائد 12,6 مليارات درهم) مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2021 (86,68 مليار درهم). معطى إيجابي بدر الزاهر الأزرق، الباحث في الشؤون الاقتصادية، اعتبر أن "تحويلات مغاربة الخارج، سواء سنة 2022 أو سنة 2021، قياسية جدا وغير مسبوقة من حيث تدفقاتها"، مؤكدا أنها "سمحت للاحتياطي النقدي المغربي بإمكانية التوفر على احتياطي عملة صعبة يمكنه من تغطية حاجيات الاستيراد في المملكة لمدة فاقت في بعض الفترات ستة أشهر". ووصف الأزرق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، الأمر ب"مؤشر غير مسبوق في حد ذاته"، لافتا الانتباه إلى أنه "يسمح بعدم تقييد الصادرات، كما أن مبلغ ونوعية التحويلات المالية للجالية نالت إشادة وتنويه مؤسسات مالية وطنية، مثل بنك المغرب ومكتب الصرف". وزاد: "هذا يجعل الاقتصاد المغربي يتعاطى بشكل مريح مع تقلبات النمو التي قد يمر منها". وشدد المتحدث ذاته على "الدور الاجتماعي المتضمن في التحويلات، من خلال تأمين المغاربة المقيمين بالخارج لحاجيات عائلاتهم بالمغرب؛ ما يعني مساهمتهم في الاستقرار والسلم الاجتماعي والدورة الاقتصادية للبلاد"، ثم استدرك قائلا: "لكن جزءا كبيرا من هذه التحويلات يأتي عبارة عن استثمارات بالمملكة، على اعتبار توجه أفراد الجالية المستثمرين تقليديا في قطاعات العقار والخدمات والفلاحة نحو جيل جديد من الاستثمارات من خلال خلق مقاولات في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية؛ مثل التكنولوجيا والخدمات الرقمية المرَحلة". وخلص الباحث الاقتصادي إلى تسجيل "انعكاس جيد لهذه التحويلات التي تظل معطى إيجابيا يضاف إلى معطيات إيجابية أخرى، تتعلق بأداء متميز للصناعات الاستخراجية والسيارات والقطاع السياحي، بشكل أنقذ نمو الموسم الاقتصادي لعام 2022 (الذي فاق 1 في المائة) رغم صعوبات الجفاف". كما طمأن بخصوص "استقرار تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج في منحاها المرتفع لتلامس 100 مليار درهم أيضا عند نهاية 2023". تقوية الروابط أكد إدريس الفينا، أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، أن أحدث التوقعات تشير إلى أن المغرب سيحقق حجم تحويلات لمواطنيه في الخارج يتراوح بين 105 مليارات درهم و110 مليارات درهم عند احتساب مجمل شهور عام 2022. ولفت الفينا، في تصريح ل هسبريس، إلى أن هذا الرقم غير المسبوق يعني، أولا، "طفرة في النمو الديمغرافي مع زيادة عدد مغاربة العالم بوتيرة مطردة وانتشارها الواسع في مختلف قارات العالم"، مفيدا بأنه "يكشف، من جهة ثانية، تأثير الأزمات التي تلاحقت منذ 2020 على الأسر المقيمة بالمغرب؛ ما يضطر أفراد عائلاتهم من مغاربة العالم إلى دعم الشق الاجتماعي لأسرهم بالمغرب في إطار ما يُعرف بالتضامن العائلي". وتابع الخبير الاقتصادي شارحا: "انطلاقا من دراسات أنجزت في الموضوع، فأغلب الأسر التي تستفيد من هذه التحويلات تقطن بالبوادي، وتسد بذلك حاجياتها المعيشية اليومية"، منتقدا استمرار ضعف التحويلات ذات الأثر الاستثماري الكبير بالمغرب (عدا عمليات صغيرة ترتبط باقتناء عقارات وأراض، أو استثمار في المقاهي والمطاعم). وجوابا عن سؤال إسهام التحويلات في الدينامية الاقتصادية للمملكة، أوصى الفينا بضرورة تعزيز "ارتباط روحي قوي لمغاربة العالم بالوطن والعائلة"؛ ما يستدعي بحسبه تسريع العمل على إيلائها عناية خاصة من حيث تسهيل استثماراتها للمساهمة في التنمية، كما ورد في الخطاب الملكي الصيف الماضي". يشار إلى أن آخر تقرير سنوي لبنك المغرب حول "الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية لعام 2021" قد أكد ارتفاع التحويلات المالية للجالية المغربية "بنسبة 37,5 في المائة مقارنة مع سنة 2020′′، موضحا إسهام أدائها في التحكم في تفاقم العجز الجاري وتعزيز رصيد العملة الصعبة للبلاد.