أكتوبر 10، 09:46 سيدتي "المجاملة" الجليلة، أهديك حفنة كلمات محمولة على جناح الصبح المتنفس، المدثر بندى عباءة منسوجة من خيوط الشمس وتراتيل الطيور وإنشاد الصبايا. سيدتي الملهمة بسحر الرحيل في مجرات الكلمات الناعمة والحضور الشامخ، كيف لمريد في حضرة الجلجلة، ومحراب السعي وراء الإشراق، أن يستعصي ويصعب أسلوبه أمام ملهمته؟ والزيت لا يخرج إلا عنوة من لحمات زيتونه والزيتون لا يكبر إلا في ظل سماح شجرته. وما أسلوبي إلا قطرة زيت انحدرت وتدحرجت وسالت من تمرات أغصان شجرتك الزيتونة الوارفة، الفاتنة بظلال الطيب والسماح. فأنت الشجرة الطيبة وأسلوبي أُكُل فضُل عن سماحك. ألم تقرئي كيف شبه اللَّهُ "كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا". سيدتي الفاتنة تعابيرها، الساحرة اعتذاراتها، الجليلة تنبيهاتها، فهذا الموكب، الذي تدعين بتواضعك الفاتن: "أنك لا تستطيعين مواكبته والسير معه،" أنت ربانه، توجهين ركبانه حيث تشائين، فأنت سيدته التي تقودينه نحو قبلة وجهته وإن أردت تعيدنه إلى الصدأ في ميناء النسيان. سيدتي، أنا لست صانع حروف، بل الحروف من تصوغني كلمات، تفرزني هذيانا وتمنطقني بعشق ترجمان الأشواق. إن كنت ترين في نفسك هاوية للكلمة، فأنا أرى حضورك القوي وإثراءك في هذه المراسلات، هو من يدفع الحروف إلى حتفها لتصنع وتصاغ كل مرة بنفس جديد. ثم أي جمال أسمى من عشق الكلمات، والهواية صدق، براءة أطفال. الهواية لا تعرف المُدارات ولا التصنع ولا المجاملات، الهواية إقدام لا يعرف فواصل المسافات من أجل الإفصاح عما يروج في داخل النفس. معك الحق سيدتي: "لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، وذكرى أولي الألباب تكمن في سؤال من منا نحن الاثنين يعلم ومن منا لا يعلم؟ سؤال مفتوح على مصراعيه، أعلم فيه أنني أعلم أنني أعشق كلماتك وردودك، وفي الوقت ذاته لا أعلم لماذا يحثني كل مرة ذلك الهاجس القاهر لأجيب عن ردودك باسهاب. إنني عثرت في تصفحي لهذا الموقع على كنز لم يجد به الموقع مرتين، وكان حلما، أُشرع نوافذه، بواباته على سعتها، لأتواصل مع إنسانة ذوق رفيع، إنسانة أنس، إنسانة انسجام وتجاوب وشفافية. أنا لست مخضرما (كلمة أقرأها منك على استحياء) وأنت كنز كما ذكرت، خزان من الإلهام والاهتمام، مع أن الكتابة هي جهد، معاناة، اعتصار للموروث الثقافي والفكري والمخزون الحضاري ونبش في غياهب الذاكرة، فكلماتك سيان حيثما توجهت ركبانها، فأنا أجد فيها لذة، حلاوة، طراوة مثمرة وتمراتها عطاء شجرتك الشامخة من بين ركام الابتذال والإسفاف الذي يطبع مواقع كثيرة فكرية أو تعارفية. سيدتي الساطعة بنور الحب للكلمة، العاشقة للعبارة، إنك ناجحة في وجداني بل متفوقة في إحساسي، ثرة في كياني ونجاحك سامق عال، مترفع عن كل فشل، لا يناط بك. إن لم نكتب في هذه السياحات المسربلة بجنون جميل وبشطحات وجدانية تليدة، فعن ماذا نكتب؟ عن الستاتي أم عن غباء برنامج رشيد شو أو دوخة حجيب أو عن ترهات دنيا باطمة أم عن الريال والبارصا؟ يومك سعيد سيدتي الملهمة الساطعة في صوري الداخلية كمنقذ من جليد التراكمات الزمنية. أكتوبر 16، 09:46 سيدتي "المجاملة" صباح أنوار مشرقة تستحم في انعكاسات بلورية من قطرات أديم السماء، أنا لا أنسى ما أقول، نعم راحتك تهمني. فكلما استرحت، أفضت وأجدت واهديتني مادة من نفحاتك، سواء حين تمدحينني أو حين تعاتبينني. ارتاحي، فأنا من يشكرك على ارتياحك فهذا يسعدني (لك أن تقولي هذا جنون؟). تتحدثين عن حواراتنا ونقاشاتنا؟ نحن إلى حد الآن لم نناقش شيئا ولا تحاورنا حول شيء، فقط تواصلنا عبر إرسال ارتسامات وانطباعات. فإن لم يكن لك أمل، فأنا كلي أمل في البقاء في جنتك الطافحة بجنون الكلمة ومتاهة العبارة وثراء الصفاء، إلى أن تطردينني منها رجيما ملعونا مثل شيطان منبوذ. تتمنين لي أن أجد المرأة الأذكى الصبورة غير المملة؟ الإنسان العاقل، الباحث عن الإبداع والعطاء، لا يبحث عما وجده سالفا، ولا ما عهده آنفا. أنا وجدت فيك محاورا جيدا وإن كان افتراضيا، فأنت وأنا حتى الآن مجرد كتابات قد تصدر عن كائن امرأة كان أو رجلا، قد أكون امرأة تحاورك باسم رجل وقد تكوني أنت رجلا يحاورني باسم امرأة، من يدري؟ كم من الكاتبات العالميات كن يكتبن باسم الرجال والعكس كذلك. أنا لا ابحث في مراسلاتك عن المبدعة في صياغة الأساليب بتقنية وفنية عالية ورائعة، أنا أرى فيك المحاورة المتذوقة، الراقية، الصادقة، العاشقة للكلمة المرهفة، المتيمة بحب العبارة الجميلة الواعية. كيف تتحدثين عن القنوط وأنت من واصل منذ اليوم الأول من هذا الشهر حتى الآن بطاقة وحيوية، أما التعب فكلها الحياة كما قال المعري. سيدتي هل سألتني عن اسمي وبخلت عليك به؟ اسمي هو اسم أي ذكر أو أنثى، فالأسماء والألقاب عبئ والجنسيات هراء. "كل قلوب الناس .. جنسيتي، فلتسقطوا عني جواز السفر" كما قال محمود درويش. وأنت ما هو اسمك سيدتي؟ لا تقولي، أرجوك، فقد أوجدت لك في ذاكرتي اسما، وفي مخيلتي صورة لا أريد لها بديلا. إنك لن ولا يمكنك أن تعرفي من خلال الحروف والكلمات وحدها إن كنت جديا في سلوكي أو هزليا. وهذه معادلة جد صعبة (للأسف) لا يمكن حلها عبر الكتابة. عدم الجدية عندي ليست في سرد النكت بل في السلوكات والإضافات الحمقاء. أشكرك كما أشكر وزارتك للصحة على الدواء الناجع، الذي لم تكتبي لي إلى حد الآن كم من مرة يجب علي تناوله. هل 3 مرات في اليوم؟ سوف أتبع وصيتك وأشربه مع النصيحة بجرعة ماء كدواء للقلب ضد داء الجدية. في الأخير سيدتي، أنا الآخر أنصحك بنصيحة الشاعر المغربي محمد المجاطي: "كوني نمرة وبادليني العراك". يومك سعيد وتحياتي التي لا حد لها. أكتوبر 26، 09:46 أستسمحك سيدتي الجليلة إذا قلت لك إنك ذهبت بالحديث مذهبا بعيد جدا. فاستشهادي بيت من قصيدة المجاطي لا علاقة له بالعنف ولا بالسلاح ولا هذا مثابة للنضال، وإن كنت غير رأي الشاعر التونسي علي الدعاجي: ما أقصرَ العمرَ حتى نضيعُه في النضال وإنما أردت أن أقول ردا على جملتك الآنفة: (أما من جهتي أنا فلا أمل (بنصب الميم واللام) لي في التواصل وإنما في الاستمرار في حواراتنا ونقاشنا) لا تسلمني للهواجس ولا تستسلمي للكلمات. دعنا نحب بعضنا حب البقاء لا حب الزوال، دعنا نحب بعضنا حتى لا تبقى أرواحنا خالية من الحياة، دعنا نأخذ الناي ونغني – فالغناء سر الوجود نأخذ النايَ ونغنّي فالغناء سر الخلود وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود أكتوبر31، 09:46 سيدتي "المجاملة"، التي سأدعوها أسطورة خيالية أو حلما راودني ذات يوم وأنا أتفسح في حدائق هذا الموقع اللغوي، اسمحي لي سيدتي أن أهديك مرة أخرى حفنة كلمات تشمينها نشوة باقة تصفيفنها في ركن مزهرية ذكريات مراسلاتك. "علاقة بعيدة كل البعد عن الغموض والعقد، واضحة وشفافة. علاقة أساسها التواضع والاحترام وحسن الكلام والإخلاص في النية. علاقة هدفها تعزيز روح التواصل مع الحرص على التوافق والتفاهم والنقاش الجدي المثمر الذي يخلق الانسجام بين الطرفين". كانت سطورك الثلاثة هذه (رغم أنك كتبت يوم 3 من ديسمبر: "لم أتبع المجال الأدبي وذلك لضعفي في هذه الشعبة") بجماليتها اللغوية، دفئها العاطفي، صفاء رؤيتها، تحمل بين سطورها شوقا وحنينا إلى عشق وشوق وتآلف وتوق إلى شريك حيوي ينسجم مع يوميات حياتك. كانت كلماتك انطلاقة رسائل مكثفة التجاوب بيننا، قوية بمشاعر ملحفة في عباءة التيه والتبادل الفسيح. منحتني متعة نشر رسالة إليك "رسائل إلى امرأة افتراضية" في هذه الجريدة يوم الأربعاء 21 أبريل 2021. سيدتي، التي لا تصل إلى وصف مجدها الأسماء ولا العبارات، إنك تبحثين عن الحقيقة، فأي حقيقة يمكنني أن أقدم لك؟ أأسميك المعبودة، الحبيبة، أأسميك المرأة الحلم، التي بحثت عنها طول العمر، فهذه ليست الحقيقة، الحقيقة نسبية، زهرة لا تينع إلا في بستان الواقع. وبستان واقعنا، أنت وأنا، هو بستان كل شيء فيه خيالي، افتراضي، لا مكان فيه للواقع. وفي غياب الواقع تغيب إمكانات الحقيقة. أنت تعيشين في وطني، وأنا لا أعيش في وطنك. إن الحقيقة التي تبحثين عنها توجد في ضفة أخرى، وليست في هذه الضفة، إنها الضفة الخطأ. إنها توجد خارج ضفتي الزمان والمكان. سيدتي، أشكرك من خالص القلب ودون مجاملات على ثراء هذه الأيام الحالمة بغض النظر عن توافقنا أو اختلافنا، فأنا مدين لك بكل صفائك وتحملك، لأنك منحتني وقتك، كلماتك، وافقتني وخالفتي، صالحتني وعاتبتي وهذا شيء له ثراء، لأن لا أحد منا هو نسخة للآخر أو صورة طبق ظله. لقد أتحت لي زمنا قليلا بعدد الأيام، لكنه مديد بقوة المشاعر، أن اكتب لامرأة (بسيطة) رفيعة الذوق، امرأة، ومرة أخرى ودون مجاملات، لو كنت في وطنها وحالفني الحظ في التعرف عليها، فسأكون أسعد إنسان، أن منحتني هذه المرتبة الملكية الجليلة، لأكون لك رفيقا وصديقا. لأنني واثق أنك امرأة تتصببين حبا وحياة. سيدتي، إنك امرأة لا ككل النساء، ومرة أخرى وبدون مجاملة لم أعثر في هذا الموقع على كلمات امرأة بمثل قوة تعبير كلمات بروفايلك، والكلمات هي مرآة لمستوى كاتبتها الفكري والإنساني. إنك امرأة حلم لكل المجانين، الذين يحبون الحياة ما استطاعوا إليها سبيلا. فكتاباتنا عنونتها ب"رسائل أخرى إلى امرأة افتراضية" ربما تعرف يوما ما طريقها هي الأخرى إلى النشر، من يدري؟ تصبحين في صفاء