ينطلق الموسم الدراسي الجديد 2022-2023 تحت شعار "من أجل مدرسة ذات جودة للجميع"، وذلك ابتداء من يوم الاثنين 05 شتنبر الجاري، بالنسبة للتعليم الأولي والسلك الابتدائي والسلك الإعدادي والثانوي التأهيلي، وبأقسام تحضير شهادة التقني العالي، وابتداء من يوم الاثنين 03 أكتوبر المقبل، بالنسبة لأقسام التربية غير النظامية، وينتهي في الأسبوع الثاني من شهر يوليوز 2023، مع إمكانية استمرار بعض المحطات إلى ما بعد هذا الأجل، بناء على ما ورد في "مقرر" وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، رقم 011.22 الصادر بتاريخ 28 يونيو 2022، بشأن تنظيم السنة الدراسية 2022-2023. وعلى خلاف الموسمين الدراسيين المنصرمين، اللذين طبعتهما جائحة كورونا وما ارتبط بها من تدابير احترازية وإجراءات وقائية، ومن أنماط تربوية تنوعت بين "التعليم عن بعد" و"التعليم الحضوري" و"التعليم بالتناوب"، فإن الموسم الدراسي الجديد، يأتي في ظروف عادية بعيدا عن الهواجس الوبائية، بعد أن عادت الحياة إلى حالتها شبه الطبيعية إن لم نقل الطبيعية، لكنه بالمقابل، يأتي في صلب مرحلة مفصلية وحاسمة بالنسبة لمنظومة التربية والتكوين، مرتبطة بالحوار الاجتماعي الجاري بشأن "النظام الأساسي الموحد" المرتقب، الذي تعول عليه الشغيلة التعليمية، للارتقاء بمستوى أوضاعها المادية والمهنية والاجتماعية، بشكل يقطع بشكل لا رجعة فيه، مع ثقافة الاحتقان، التي طبعت المنظومة التعليمية خلال السنوات الأخيرة، ويؤسس لمجتمع مدرسي، تحضر فيه شروط الاستقرار والتحفيز والجودة، ومستلزمات التميز والإبداع والجمال. إذا كانت الوزارة الوصية على القطاع، قد رفعت شعار "من أجل مدرسة ذات جودة للجميع" خلال الدخول المدرسي الجديد، فهذه الجودة التي طالما تم التغني بها خاصة منذ اعتماد القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين، مازالت مجرد شعار أو حبرا على وثائق رسمية، لاعتبارين اثنين، أولهما: أن واقع حال التعليم العمومي، يعطي الانطباع للممارسين والزائرين والباحثين والمتأملين، أن "دار لقمان" مازالت على حالها، ولا جودة تلوح في الأفق القريب على الأقل، عدا الشعارات الرنانة التي تقرع في كل دخول مدرسي كما تقرع الطبول ليلة العيد، وثانيها: يرتبط بالوزارة الوصية على القطاع ذاته، التي ترفع يافطة الجودة، لكنها بالمقابل، تبصم على سلوكات أو قرارات، توسع من دائرة التشكيك، في مدى حسن نيتها في إدراك "مدرسة الجودة للجميع". في هذا الإطار، نشير على سبيل المثال لا الحصر، إلى "ملف تجميد مستحقات الترقية" الخاصة بامتحان الكفاءة المهنية وبالأقدمية لسنة 2020، بما في ذلك مستحقات الرتب التي مازالت مجمدة منذ سنتين تقريبا، وهذا التجميد غير المقبول تماما، أسفر عن ميلاد ضحايا جدد، أطروا أنفسهم تحت لواء "التنسيقية الوطنية للأساتذة والأستاذات ضحايا تجميد الترقيات"، في محاولة منهم انتزاع "حق مشروع"، يرى فيه صناع القرار التربوي "امتيازا" يقتضي وضعه على طاولة الحوار والتفاوض، أما النقابات التي "لا حول لها ولا قوة"، لم يعد بإمكانها، سوى إنتاج هرمون "البلاغات"، في وقت تكتفي فيه الوزارة الوصية على القطاع، بإخراج مسرحية "المماطلة" و"التسويف" و"المراوغات"، لتدبير أزمة مستحقات، كان بالإمكان تفاديها، لو حضرت الإرادة والمصداقية والالتزام، والرغبة الجامحة في بلوغ الإصلاح المنتظر. ملف ضحايا تجميد الترقيات، إذا ما أضفنا إليه باقي الملفات المطلبية الشائكة المطروحة على طاولة الحوار الاجتماعي القطاعي، قد يشوش على الدخول المدرسي الجديد، وقد يفتح بشكل مبكر، شهية الإضرابات التي طبعت الموسم الدراسي المنصرم حتى أشواطه الأخيرة، بكل ما لذلك من هدر للزمن المدرسي ومن مساس بحقوق المتعلمات والمتعلمين، ومن إجهاز على المدرسة العمومية التي مازالت تئن في صمت، مترقبة هبوب الرياح المرسلة للإصلاح. والكرة الآن بين أقدام "الحكومة الاجتماعية"، التي لا بد لها أولا من "استعجال إيجاد حل سريع لملف الترقيات المجمدة" و"الإفراج عن نتائج الامتحانات المهنية في أقرب الآجال الممكنة"، وهذه الخطوة من شأنها ليس فقط، إرجاع الثقة المفقودة بينها وبين الشغيلة التعليمية والفاعلين الاجتماعيين، بل وتوفير مناخ آمن ومستقر ومسؤول، يضمن سلاسة الدخول المدرسي، وفي الآن ذاته، يسمح بمواصلة ما تبقى من أشواط الحوار الاجتماعي في ظروف جيدة، تقود إلى إخراج نظام أساسي موحد، يستوعب مشكلات المنظومة التربوية في إطار رؤية متبصرة تستحضر مستقبل مهن التربية والتكوين، ويحقق ما تترقبه الشغيلة التعليمية من تحفيز وإنصاف وعدالة وتقدير واحترام، ويضمن ما تحتاجه المدرسة العمومية من أمن واستقرار، بدونهما، يصعب الحديث عن الإصلاح. وإذا كان من السابق لأوانه التنبؤ بهوية هذا النظام الأساسي الجديد المرتقب الإعلان عنه في قادم الأيام، نأمل أولا ألا تتحكم فيه أية خلفيات سياسية أو هواجس مالية، ونأمل ثانيا أن تنجح الوزارة الوصية على القطاع بمعية الفاعلين الاجتماعيين، في إخراج نظام أساسي، تتوفر فيه شروط "التحفيز" و"الإنصاف" و"العدالة"، بشكل يقطع بشكل لا رجعة فيه، مع صور الاحتجاج، ومشاهد الاحتقان التي عمقت جراح المدرسة العمومية في زمن الإصلاح، ويؤسس لمهنة تعليمية "جذابة" على مستوى الأجور وشروط التحفيز والترقي المهني. صناع القرار التربوي، لا بد أن يدركوا أن قطار الجودة، يمر قطعا عبر قطاع "الشغيلة التعليمية" التي تعد مفتاح الإصلاح وصمام أمانه وسر نجاحه، فالمناهج والبرامج والطرائق تبقى دون معنى، والحياة المدرسية وبنيات الاستقبال تبقى عديمة المغزى، ما لم تكن هذه الشغيلة، مؤطرة بنظام أساسي عصري "محفز" و"منصف" و"عادل"، يطلق العنان لثقافة الجاهزية والاستعداد والاجتهاد والخلق والإبداع والابتكار. وعليه، واستحضارا لما شاب الأنظمة الأساسية السابقة من مظاهر التواضع والمحدودية، التي أنتجت ضحايا كثر، وإدراكا لثقل "فاتورة الاحتقان" على المنظومة التعليمية برمتها، وحرصا على زمن "الإصلاح"، الذي بات خيارا استراتيجيا لا بديل عنه، لكسب رهانات التنمية، لم يعد ممكنا، النظر إلى الشغيلة التعليمية، بمنظور "الاستقواء" و"الاستعلاء" و"الإملاء" أو "الحيط القصير" إن جاز التوصيف، ولم يعد مقبولا التعامل مع قضاياها، بخطط "التسويف" و"التماطل" و"المراوغة" و"الوعود المعسولة"، التي لم تعمق إلا بؤر اليأس والإحباط والاحتقان وانسداد الأفق. الوزير الوصي على القطاع، سبق أن ترأس "اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي"، ودون شك، اطلع على خبايا وخفايا بيت التعليم، واستجمع ما يكفي من المعطيات بخصوص ما يواجه المنظومة التربوية من مشكلات تحول دون إدراك النهضة التربوية المنشودة، التي بدونها لا يستقيم عود البناء والنماء، ونأمل أن يكون "المسؤول المناسب" في "المكان المناسب"، كما نأمل أن يكون "رجل المرحلة"، التي يعد "النموذج التنموي الجديد" و"مشروع الحماية الاجتماعية" قاعدتها الأساس، وكما كان مهندس هذا النموذج التنموي، يعول عليه المغاربة عموما والشغيلة التعليمية بوجه خاص، في أن يكون مهندس الإقلاع التربوي المأمول، من منطلق أن معركة التنمية، لا يمكن البتة كسبها، إلا في ظل منظومة تعليمية عصرية قادرة على قيادة المغرب إلى مصاف البلدان المتقدمة. وإذا كان الموسم الدراسي الجديد حاملا لشعار "الجودة للجميع"، لا بد من الإقرار أن بلوغ "الجودة المأمولة"، يمر كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا، عبر "النهوض بالأوضاع المادية والاجتماعية والمهنية لنساء ورجال التعليم" في إطار نظام أساسي جديد محفز ومنصف وعادل، كما يمر عبر "إحداث ثورة حقيقية تطال المناهج المتهالكة والبرامج المتجاوزة الغارقة في الكم"، و"إعادة النظر في طرائق التدريس"، و"تقديم حلول مبتكرة من شأنها الارتقاء بمنظومة التقويم والتوجيه"، و"تخليص الأقسام من جائحة الاكتظاظ"، و"جعل أنشطة الحياة المدرسية في صلب العمليات التعليمية التعلمية"، و"الارتقاء ببنيات الاستقبال"، و"كبح جماح مؤسسات التعليم الخصوصي"، التي بات إخضاعها لسلطة القانون، "ضرورة ملحة"، في ظل ما بات يسيطر عليها من "جشع" لا يطاق، غير ذلك، فالجودة لن تكون إلا "شعارا"، يشكل مرآة عاكسة لمنظومة تعليمية، أرهقتها "عمليات التجميل"، ولم يعد وجهها الشاحب يحتمل. على أمل أن يكون "النظام الأساسي المرتقب"، مقدمة لنهضة تربوية حقيقية، تواكب متغيرات "مغرب اليوم" الذي "لم يعد كمغرب الأمس". وفي انتظار ذلك، نتمنى عودة ميمونة لنساء ورجال التعليم بكل فئاتهم وانتماءاتهم، بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، كما نتمنى سنة دراسية مكللة بالنجاح والتوفيق لكل المتعلمات والمتعلمين، مع ضرورة التنبيه، إلى أن "الجودة" تمر أيضا، عبر "الأسر" التي لا بد أن تكون طرفا رديفا للمدرسة، في التربية والتأطير والتوجيه والتتبع والمواكبة، وقبل هذا وذاك، عبر منظومة مجتمعية، منتجة لقيم المواطنة، وما يرتبط بها من مسؤولية وانضباط والتزام واحترام ونكران للذات. ونختم بتوجيه رسالة مفتوحة إلى الفاعلين الاجتماعيين، الذين لا بد أن يبلوا البلاء الحسن في معركة "النظام الأساسي المرتقب"، دفاعا عن حقوق وانتظارات وتطلعات الشغيلة التعليمية، حرصا على شرف المهنة وكرامتها ورمزيتها المجتمعية، ورسالة مماثلة، ندعو من خلالها صناع القرار التربوي، إلى تمتيع هذه الشغيلة بنظام أساسي موحد، تتحقق معه شروط "التحفيز" و"العدالة" و"الإنصاف" و"الاعتبار"، بعيدا عن هواجس التوازنات المالية وما يرتبط بها من ربح وخسارة، وفي هذا الإطار، فمن يربط ملف النهوض بالأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية للشغيلة التعليمية، نذكره بأن ضريبة الاحتقان أغلى، وفاتورة الجهل أقسى...