قال رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إن نجاح تنزيل الورش الملكي المتمثل في تعميم الحماية الاجتماعية على عموم المغاربة (22 مليون مواطن مستهدَف) يظل رهينا بانخراط الجميع؛ لأنه "مشروع دولة، وليس مشروع الحكومة لوحدها". وأضاف أخنوش الذي كان يتحدث خلال افتتاح أشغال الملتقى الدولي الثالث المتعلق بمنظومة الحماية الاجتماعية، المنعقد بقصر المؤتمرات بالصخيرات مساء الثلاثاء، تحت شعار "الحماية الاجتماعية: ورش ملكي"، أن "المطلوب اليوم هو التعبئة الشاملة للدفع بالتسجيل والاشتراك وتوسيع قاعدة المشتركين من العمال غير الأجراء"، مؤكدا في الصدد ذاته أن "التغطية الصحية الإجبارية تظل تضامنية؛ شِي كيْخلّصْ على شي"، على حد تعبيره. "لا تراجع عن مكتسبات راميد" رئيس الحكومة لم يفوّت فرصة حضور كثيف تشكّل من وزراء وسفراء وجمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية فضلا عن فاعلين اقتصاديين وإعلاميين، دون أن يعلن أن "الدولة ستتكلف باشتراكات الأسر المحتاجة"، مؤكدا في نبرة طمأنة: "لا تراجع عن مكتسبات نظام راميد؛ لأن الهدف من تعميم التغطية الصحية على المرض هو تحسين عرض راميد"، مشيرا في السياق نفسه إلى أن "الموارد التضامنية للتغطية الصحية هي التي ستعزز العرض الصحي، خاصة في المرفق العمومي". "لمّا بدأت الحكومة الحالية عملها لم تجد أي قانون إطار يفعّل تعميم الحماية الاجتماعية على عموم المغاربة"، يردف المسؤول ذاته، مشددا على أنه في ظرف تسعة أشهر، صادقت الحكومة على 22 مرسوما لفتح باب الاشتراك في التغطية الصحية الإجبارية أمام 11 مليون مغربي ومغربية من العمال غير الأجراء، و"إلى حدود الساعة، تم تسجيل 78 في المائة منهم في التغطية الصحية الإجبارية". وأوضح أخنوش أن "الحكومة اقتنعت بأن النجاح في تحفيز المواطنين على الانخراط في منظومة التغطية الصحية الإجبارية لن يتم إلا عبر الاشتغال بجدّية على تحسين جودة العرض الصحي"، لافتا إلى أن "تفعيل الإجراءات التي ستجعل المغاربة يغيّرون نظرتهم بخصوص مستشفيات القرب، ويغيرون نظرتهم نحو الأحسن بخصوص المستشفى الجامعي، تظل ضمن الهموم اليومية للحكومة وعلى رأس أجندتها". ولفت إلى أن ورش تعميم الحماية الاجتماعية هو نتاج رؤية حكومية متكاملة بتوجيه ملكي، تتمثل في 4 دعامات؛ الأولى تثمين الموارد البشرية، من خلال "قانون الوظيفة الصحية وتقليص الخصاص في الموارد البشرية وإصلاح نظام التكوين". والثانية "تأهيل العرض الصحي، عبر إصلاح مؤسسات الرعاية الصحية الأولية، وتأهيل المستشفيات، والتأسيس لإلزامية احترام مسلك العلاجات، وإحداث مجموعات صحية جهوية"، بينما تتمثل الدعامة الثالثة في رقمنة المنظومة الصحية وإحداث بطاقة الرعاية الصحية، والرابعة هي "إعادة النظر في حكامة القطاع: الهيئة العليا للصحة، وكالة للأدوية وأخرى لتدبير مخزون الدم". "ثورة اجتماعية حقيقية" وفي كلمة تقديمية لأشغال الملتقى الذي تنظمه "جمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية" (AMIF)، التي يرأسها فوزي لقجع، أكد الأخير أهمية موضوع الملتقى باعتباره من مواضيع الساعة، قبل أن يستعرض مسار انخراط المملكة منذ بدايات الألفية الثالثة في برامج اجتماعية طموحة توّجت بالإعلان الملكي عام 2020 عن مشروع "تعميم الحماية الاجتماعية"، موردا: "نحن أمام ثورة اجتماعية حقيقية دون مبالغة". وأوضح لقجع، في معرض حديثه، أن هذا الورش الطموح "ليس نتيجة أزمة كوفيد-19" أو من تداعياتها، بل جاء نتاج "تراكمات وفق منظور بعيد المدى"، خالصا إلى أن "الاعتناء بالعنصر البشري هو ما يحدد قوة الدول ومكانتها"، ما يستدعي، بحسب الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، "إنجاح ورش التعميم بمسؤولية مشتركة وانخراط جماعي شمولي". نظام تمويل "تضامني" بدورها، أدلت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي بكلمة شددت فيها على كون "المساهمة في نظام تمويل ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب، الذي يتطلب 51 مليار درهم سنويا، مبنية على التضامن بين مختلف الفئات المجتمعية"، منوهة إلى أن "التفعيل ليس فقط من مسؤولية الدولة والفاعل الحكومي، بل من خلال دور المؤسسات العمومية والجماعات الترابية جهويا وإقليميا، فضلا عن المجتمع المدني". وتطلّب تعميم الحماية الاجتماعية بالمغرب، تضيف الوزيرة، مباشَرة الحكومة لإصلاح ضريبي (المساهمة التضامنية الموحَّدة)، فضلا عن إعادة هيكلة الإطار التنظيمي والتشريعات، داعية إلى "تعبئة شاملة لموارد مهمة" تتضمنها أجندة التعميم في أفق 2025. من جهته، أثار والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، انتباه المسؤولين والمشاركين في الملتقى إلى ضرورة "احترام أجندة أجرأة تعميم الحماية الاجتماعية" كما أرادها الملك لعموم المغاربة، موردا أن "تعبئة موارد بشرية ومالية كبيرة لهذا الورش، لا يجب أن تغفل سياقات الأزمة الحالية وتوازنات المالية العمومية"، خاتما بأن "تحدي ضمان مصداقية المغرب على المحك في ظرف دولي صعب ومتغير". أبعاد الحماية الاجتماعية وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد آيت الطالب، وضع تعميم الحماية الاجتماعية في سياق "إعداد النموذج التنموي الجديد من أجل إحداث مجتمع مغربي قوي وشامل ومتكافئ وموحد"، مؤكدا أن الورش يعدّ "ثورة مجتمعية حقيقية". "أبعاد إصلاح ورش الحماية الاجتماعية يجب أن تشمل العرض الصحي والسجل الاجتماعي الموحد، والاستهداف والرقمنة، مع انخراط الساكنة المستهدفة، ووسائل التمويل، وسياسات التشغيل، والعديد من الأبعاد الأخرى"، يقول آيت الطالب، شارحاً أنها تتطلب "مناهج مبتكِرة قصد مواجهة تحدي تعميم الحماية الاجتماعية لجميع المواطنين على مدى السنوات الخمس المقبلة وضمان استدامتها". وأشار المسؤول الحكومي إلى أن المغرب عمل على "تحويل أزمة الوباء إلى فرصة" لإطلاق عدة إصلاحات هيكلية طموحة لتعديل مسار التنمية، موردا أن "العالم يتجه حاليا نحو اقتصاد الحياة (économie de la vie) القائم على اندماجية قطاعات المستقبل". يشار إلى أن هذا الملتقى، المنظم يومي 26 و27 يوليوز بالصخيرات، ينعقد، بالإضافة إلى جلسة افتتاحية، في خمس جلسات، هي: الجلسة التقديمية حول "إصلاح الحماية الاجتماعية في المغرب وفي العالم"، الجلسة الثانية حول "تعميم التعويضات العائلية للحماية ضد مخاطر الطفولة.. نحو نموذج أكثر شمولية، الجلسة الثالثة وتسلط الضوء على "تعميم التغطية الصحية الإجبارية: ضامن للتآزر الاجتماعي"، الجلسة الرابعة وتحمل عنوان: تعميم التقاعد: نحو تحقيق المساواة بين الأجيال"، قبل أن يختتم بالجلسة الخامسة حول "رافعات مواكبة الحماية الاجتماعية".