لم تكن مجرد لكمة عادية، عندما أسقط محمد علي كلاي خصمه سوني لستون بالضربة القاضية، بل كانت لكمة لكل ما عاشه الفتى الزنجي، من تمييز عنصري مبني على لون البشرة، داخل بلده. 25 فبراير، ليلة للذكرى وللاحتفاء بأمجاد بطل، قهرته أمريكا بعنصريتها فقهرها بقوته وإصراره وإسلامه. خمسون سنة مرّت على المقابلة بين "العظيم" كاسيوس مرسيلس كلاي و"وحش الحلبة" سوني لستون، في واحدة من أروع المواجهات في تاريخ الفن النبيل. كل التوقعات والرهانات كانت تصب في أن خبرة لستون ستقضي على كاسيوس ابن 22 ربيعا. لكن لكمات كلاي كذبت التكهنات وجعلت سوني لستون يستسلم و يترك نفسه بلا حماية أمام هجمات محمد علي القوية، ليقضي عليه خلال الجولة الأولى بالضربة القاضية، وينتزع كلاي لقب بطولة العالم للوزن الثقيل في ميامي بيتش عام 1964. عقب المباراة خرج المنتصر في ندوة صحفية أثار من خلالها استغراب الأمريكيين، بهدوئه الغير معهود وثباته وتواضعه الغير معتاد، هناك ألقى كلاي جملته الشهيرة قائلا: "إنني ولد وحيدا، لم أرتكب خطأً في حياتي، ولم أدخل السجن، ولم أُقدَّم لمحكمة، ولم أنضم إلى جماعات متطرفة، ولا أُعِير النساء البيض اللاتي يحاولن إغوائي أيَّ اهتمام، ولا أفرض نفسي على الناس الذين لا يريدونني، وأحب الناس البيض وأحب السود أيضا، وأعتقد أنهم يمكن أن يعيشوا معًا دون أن يتحرّش بعضُهم ببعض".. خطاب كلاي تحول من الغرور والإحساس بالعظمة إلى الدعوة للسلام والتخلص من العبودية التي كانت سائدة في الولاياتالمتحدة في ذلك الوقت، وسحقه لمنافس من العيار الثقيل، جلب له معجبين بالملاين وجماهير تعدت القارة الأمريكية إلى كل أنحاء العالم. بعد انتصاره المدوي فاجأ العالم مرة أخرى بانضمامه إلى جماعة "أمة الإسلام" وتغيير اسمه إلى محمد علي فقط دون اسمه االعائلي "كلاي"؛ لأنه كان اسم العبودية والذي يعني الطين باللغة الإنجليزية. نزال 25 من فبراير 1964، علم الفتى الأسود أن من يتباهون بقوتهم اليوم ربما غدا يموتون ضعفاء، وانه حتى وإن انتصر في حلبة الملاكمة، فما زال أمامه صراع كبير ضد العبودية في أمريكا.