إذا كنت من مواليد أوائل التسعينيات، يمثل كأس العالم 1998 لك كرة القدم كما تريد أن تراها. كرة سريعة هجومية ونجوم رائعين يبدعون ويحرزون أهدافا خرافية. ما فعله مايكل أوين ودينيس بيركامب في الأرجنتين وبطولة ليليان تورام في نصف النهائي وهدفي زين الدين زيدان، ولكن هناك من يتذكرون أحد أفضل الفرق العربية التي شاركت في المونديال.. ذلك الفريق الذي ضم أسماء مثل نور الدين النايبت ويوسف شيبو وصلاح الدين بصير وعبد الجليل حدا "كاماتشو"، ومصطفى حجي.. لا داعي لتذكرتك كأحد مواليد أوائل التسعينيات أنك الآن على مشارف الوصول لمنتصف العشرينيات.. وأن ذيل الحصان الذي تعلقت به كطفل ثم قتلك بوجه قدمه بعدها ب3 أعوام، مصطفى حجي، أتم اليوم الأربعاء 45 عاما. وسط هذه الروعة قضى مصطفى حجي أول 10 سنين من عمره قبل أن ينقل عمل الأب الأسرة كلها إلى فرنسا. كيف إذا يندمج المهاجر المغربي الصغير في مجتمعه الجديد؟ كرة القدم دائما هي الإجابة.. انضم حجي لناشئي نادي نانسي وبدأ في اللعب للفريق الأول عام 1991، وفي 5 سنوات مسجلا 31 هدفا في 134 مباراة في الدوري قضاهم خلف المهاجمين بشكل أساسي. خلال تلك الفترة كان على حجي الاختيار بين اللعب لبلد المنشأ، أو لفرنسا التي استدعته لمنتخب شبابها.. "كان قرارا صعبا. ولكن أمر ما في قلبي أخبرني أن علي اللعب للمغرب. أحب المغرب. لي أقارب هناك. قد لا أتحدث العربية بشكل رائع ولكني دائما سأحب المغرب وسأفعل كل شيء من أجلها". حجي الذي لعب الموسم قبل كأس العالم في الدرجة الثانية كان من الممكن أن يرتدي القميص الأزرق بدلا من الأخضر، لكنه اختار المغرب. يقول حجي: "كنت معتادا على اللعب أمام 5000 متفرج مثلا، ولكن أمام 100 ألف متفرج، كان هذا عالما مختلفا. كأس العالم منحني وضع أخر ولا يوجد لاعبين كثر شاركوا في كأس العالم في سن ال22". يضيف حجي معلقا على كأس العالم بأمريكا التي شارك فيها رفقة المنتخب الغربي وأقصي من الدور الأول. نحن الآن في العام 1996، سبورتنغ لشبونة قدم عرضا من أجل المغربي صاحب ال24 عاما ويدفعه الخلاف مع مدرب نانسي لازلو بولوني، لقبول العرض. "في البرتغال تعلمت كرة القدم الحقيقية. لعبت أمام 60 ألف متفرج أسبوعيا وأتدرب يوميا أمام 3000 متفرج. كانت مغامرة رائعة. كان علي إثبات نفسي في بلد لا أعرفها ولا أتحدث لغتها". 34 مباراة في هذا الموسم و5 أهداف، لم يكن موسم حجي الأروع ولكنه رحل بعده إلى إسبانيا وبالتحديد لديبورتيفو لا كورونيا، وهي الرحلة التي يرى حجي أنها كانت سببا في ما حدث بعد ذلك. "لدي ذكريات رائعة في ديبورتيفو. كانت خطوة للأمام وتعلمت الكثير من جيل البرازيل الفائز بكأس العالم 1994، كان هناك بيبيتو ودوناتو وريفالدو وماورو سيلفا". وسط عمالقة مثل بيبيتو ودوناتو وريفالدو وماورو سيلفا، تألق حجي بداية من موسم 1997/1998 والذي رحل في منتصفه إلى بوركينا فاسو لخوض كأس الأمم الإفريقية. وهنا بدأ التعارف الحقيقي بينه والجمهور المصري.. ومقصية حجي. وبعدها رحلة فرنسا.. دخل المدرب الفرنسي هنري ميشيل مباراته الأولى أمام النرويج بتشكيل رائع، إدريس بن ذكري وعبد الإله صابر وعبد الكريم الحضريوي ويوسف روسي ونور الدين النايبت وطاهر الخلج وسعيد شيبا ويوسف شيبو وكاماتشو وصلاح الدين بصير، وحجي الذي سجل أول أهداف المغرب في المباراة التي انتهت 2-2. "النرويج لم تخسر في أخر 16 مباراة رسمية. تأهلوا بشكل رائع وكانوا المرشحين للفوز. ركضت بالكرة 60 مترا تقريبا قبل أن أسجل. هذا أفضل هدف سجلته مع المنتخب بجانب المقصية التي سجلتها في مصر.. كان إحساسا لا يوصف". كان عاما رائعا لحجي، وحصل فيه على ما تستحقه موهبته حيث تم تتويجه كأفضل لاعب في إفريقيا لعام 1998، وبعدها بعام انتقلت الحمى المغربية إلى إنجلترا، وتحديدا إلى كوفنتري سيتي. بيع حجي ب4 مليون جنيه إسترليني كانت صفقة ديبورتيفو الأضخم، وفي 62 مباراة مع المدرب جوردون ستراخان سجل 12 هدفا. ومع زميله يوسف شيبو، نقلوا تلك الحمى المغربية لمدرجات ريكوه أرينا، التي ارتدى جمهورها "الطرابيش" المغربية تكريما لتألق الثنائي المغربي مع كوفنتري. مجهودات حجي لم تنقذ كوفنتري الذي كان يتهاوى ماديا من الهبوط في 2001 رغم تسجيله لهدفين في شباك أستون فيلا في لقاء الجولة الأخيرة ولكن فيلا عاد وسجل ثلاثية، وضم حجي لصفوفه في الموسم التالي. لكن إذا ذكرنا 2001 بالنسبة لحجي، فعلينا ذكر هدفه الرائع في شباك نادر السيد أيضا.. ما تبقى من رحلات حجي من الأندية لم يكن بنفس روعة ما فات، 3 أعوام عادية في أستون فيلا ورحيل مجاني إلى إسبانيول ثم رحلة خليجية في الإمارات الإماراتي وعودة لأوروبا من بوابة ساربوركن الألماني وبعدها فولا إستش اللوكسمبرجي قبل الاعتزال في 2010. اعتزال وتكريم حجي لم يكن عاديا، أتى بعد الاعتزال ب5 أعوام إلا أنه شهد وجود نجوما رائعين مثل زملاء جيل 1998 ومنتخب نجوم العالم بقيادة الساحر رونالدينيو. ربما لم يحصل حجي على ما يستحقه على مستوى الأندية مقارنة بموهبته الجامحة، لكنه كتب تاريخا كافيا مع أسود الأطلس ليضع نفسه في مصاف الأساطير الإفريقية والعربية. ماذا الآن بالنسبة لحجي؟ اتجه حجي للتدريب بعد الاعتزال حيث كان مدربا مساعدا لأم صلال في قطر، قبل أن يعمل مساعدا لبادو الزاكي في تدريب المغرب ومن بعده هيرفي رينار من أجل إعادة الجيل الذهبي الذي كان حجي في قلبه قبل 18 عاما. أسماء مثل أنور الغازي ونور الدين المرابط وحكيم زياتش وصفيان بوفال ويونس بلهنده بقيادة المخضرم المهدي بن عطية يقدمون أداء جيدا في أوروبا، ويعمل معهم حجي من أجل إعادة أمجاده هو وكاماتشو وبصير ونايبت وشيبو. المغرب التي لم تذهب لكأس العالم منذ 1998 تتأخر عن كوت ديفوار بنقطتين في التصفيات بعد جولتين، وأغلب الظن أن معظم مواليد التسعينيات يريدون رؤية ظهورا لأسود الأطلس في روسيا. كل عام وأنت بخير يا حجي.. نحبك رغم المقصية وهدفك الرهيب في مرمانا. يضيف الكاتب المصري لهذا البورتريه عن النجم المغربي.