سحب مجموعة من المستثمرين يتقدمهم صندوق الاستثمارات العامة السعودي، عرضهم للاستحواذ على نادي نيوكاسل الإنجليزي لكرة القدم، بعد "عملية مطولة" امتدت لأشهر ولاقت انتقادات واسعة على خلفيات حقوقية وتجارية. وبرز الملف إلى دائرة الاهتمام في أبريل الماضي، مع كشف عرض تقدر قيمته ب300 مليون جنيه استرليني (نحو 333 مليون يورو)، للاستحواذ على النادي الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى أواخر القرن التاسع عشر، وتوج بطلا لإنجلترا أربع مرات آخرها في موسم 1926-1927. لكن العرض واجه مواقف سلبية من منظمات غير حكومية تنتقد سجل المملكة في مجال حقوق الانسان، ومن شبكة "بي إن سبورتس" القطرية المالكة لحقوق بث الدوري الممتاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تتهم الرياض بالوقوف خلف قرصنة بث القنوات التابعة لها. وعلى رغم مضي أشهر على اتخاذ المستثمرين خطوات عملية للاستحواذ على النادي المملوك من مايك آشلي، لم يجد العرض طريقه إلى الانجاز. وأقر رئيس رابطة البريمرليغ ريتشارد ماسترز في أواخر يونيو بأن الصفقة "معقّدة"، قبل أن يأتي الخبر اليقين بشأنها أمس الخميس، مع نشر شبكة "سكاي سبورتس" الإنجليزية، بيانا مشتركا عن صندوق الاستثمارات وشركة "بي سي بي كابيتال بارتنرز" والأخوين البريطانيين ديفيد وسايمون روبن. وجاء في البيان "مع تقدير عميق لمجتمع (مدينة) نيوكاسل وأهمية ناديها لكرة القدم، توصلنا إلى قرار بسحب اهتمامنا بالاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم". أضاف البيان "نقوم بذلك بأسف كبير، لأننا كنا متحمسين وملتزمين بشكل كامل للاستثمار في مدينة نيوكاسل العظيمة، وكنا نؤمن بقدرتنا على إعادة النادي إلى المكانة الجديرة بتاريخه، تقاليده، ومشجعيه". وكان صندوق الاستثمارات المرتبط بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على بعد خطوات من اتمام الاستحواذ بمشاركة الآخرين، بعد تسديده في أبريل مبلغا مقدما قيمته 17 مليون جنيه استرليني لمالك النادي. وقت وعدم يقين وتحديات وأدت الأزمة المالية الراهنة التي تسبب بها فيروس كورونا المستجد، إلى خفض القيمة المقدرة أساسا للصفقة التي كانت لتتيح للسعودية (من خلال صندوق رسمي) دخول عالم أحد أهم بطولات كرة القدم الوطنية في العالم، ومن أكثرها استقطابا للمشجعين. لكن هذه الصفقة مرت بمسار طويل طبعته في الآونة الأخيرة تقارير صحافية عن تعثرها في ظل عوائق عدة. وبحسب البيان، اعتبر المستثمرون أن "العملية المطولة في ظل الظروف الراهنة، إضافة إلى عدم اليقين، جعلا من الاستثمار المحتمل غير قابل للنجاح من الجانب التجاري". وأضافوا "كما يحصل غالبا مع الاستثمارات المحتملة في ظروف غير أكيدة، أصبح الوقت بذاته عدوا لهذه الصفقة، لاسيما في ظل هذه المرحلة الصعبة التي تطبعها تحديات فعلية عدة نواجهها جميعا بسبب كوفيد-19". وتابع البيان "كان تركيزنا منصبا على بناء القيمة الطويلة المدى للنادي ومشجعيه والمجتمع، وبقينا ملتزمين التعاون (...) في فترة صعبة من عدم اليقين عالميا والتحديات المهمة للنادي والمشجعين". ولاقى العرض السعودي معارضة واسعة من منظمات حقوقية. وحذرت منظمة العفو الدولية في رسالة إلى ماسترز من "خطر أن تصبح (البطولة) ضحية" في حال صرفت النظر عن حقوق الانسان. وقال فيليكس جايكنز، المسؤول في مكتب المنظمة في بريطانيا، في أبريل لوكالة فرانس برس "إذا تمكن الأمير (محمد بن سلمان) بموجب سلطته على صندوق الاستثمارات العامة، من الاستحواذ على نيوكاسل يونايتد، فإننا نتساءل كيف يمكن لذلك أن يكون إيجابيا لسمعة الدوري الممتاز". وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، سعت رابطة الدوري لاستيضاح الرابط بين صندوق الاستثمارات العامة، والحكومة السعودية لاسيما ولي العهد. كما بعثت شبكة "بي إن" برسالة إلى أندية الدوري تحضها فيها على رفض الصفقة، محذرة من أن "مستقبل النموذج الاقتصادي لكرة القدم على المحك" في حال المضي بالصفقة. وتتهم الشبكة القطرية المالكة لحقوق بث العديد من الأحداث الرياضية، الرياض بالوقوف خلف شبكة "بي آوت كيو" لقرصنة محتواها. وأصدرت منظمة التجارة العالمية في 16 يونيو الماضي، حكما لصالح قطر في خلافها مع السعودية بشأن انتهاك حقوق الملكية الفكرية بسبب القرصنة التي تعرضت لها "بي إن". وسبق للسعودية ان نفت هذه الاتهامات. كما لقي الاستحواذ انتقاد خديجة جنكيز، خطيبة الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده في إسطنبول في العام 2018. وكان ماسترز قد أكد قبل أسابيع أنه سينظر "بشكل كامل" في الدعوات إلى وقف الاستحواذ. وقال في استجواب أمام مجلس العموم البريطاني "في عالم مثالي، حيث تحدث عمليات الاستحواذ بشكل واضح وفي الوقت المناسب، تصبح في بعض الأحيان معقدة". وأشار حينها إلى أن الصفقة لا تزال خاضعة "لاختبار مالكي أندية ومسؤولي رابطة الدوري"، والذين يقيّمون بشكل موضوعي ملاءمة المالكين المحتملين. وعززت السعودية في الفترة الماضية من استثماراتها ونشاطاتها في المجال الرياضي، في خطوات تضعها في سياق "رؤية 2030" التي أعدها ولي العهد، وتهدف الى تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على الإيرادات النفطية. لكن أطرافا عديدين يتهمون المملكة باستخدام الرياضة ل"تلميع" صورتها وصرف الانتباه عن الانتهاكات الحقوقية. وكان مشجعو نيوكاسل يأملون في ان تنقذهم الصفقة من آشلي الذي لم يحظ بشعبية كبرى في 13 عاما على رأس النادي الشمالي، وهبط خلالها فريق نهر "تاين" مرتين إلى دوري المستوى الثاني قبل العودة إلى البريمييرليغ. وسبق لعمليات استحواذ أخرى أن غيّرت من أحوال الأندية رأسا على عقب، أبرزها مانشستر سيتي الذي انتقل إلى ملكية الشيخ الإماراتي منصور بن زايد آل نهيان في 2008، ليحصد سلسلة ألقاب في الأعوام الماضية أبرزها الدوري الإنجليزي الممتاز أربع مرات.