بمدينة أصيلة، أفسحت الجدران المجال للفنانين المغاربة، الذين أبدعوا ببراعة ودقة لوحات جدارية رائعة، وحولوا المدينة إلى معرض فني حقيقي في الهواء الطلق. وتحت نظرات متفحصة يملؤها حب استطلاع "الزيلاشيين" وزوار مدينة أصيلة، أبدع أحد عشر فنانا تشكيليا مغربيا من مختلف الأجيال والمدارس، منذ 30 يونيو، جداريات ملونة ومختلفة المضامين، منحت رونقا خاصا لجدران مختلف أزقة المدينة بمناسبة النسخة 43 من الموسم الثقافي الدولي لأصيلة. ويهم الأمر الفنانين عبد القادر الأعرج، وعبد القادر المليحي، ونرجس الجباري، وعبد الرافع الكدالي، وضناء الهدروجي، وشعة الخراز، ويوسف الجديدي، ودليلة بن سفاج، ومحاسن الأحرش، ومحمد أمين القصبي، ونعام الشودري، الذين تجاوبوا مع دعوة مؤسسة منتدى أصيلة في إطار ورشة رسم الجداريات التي تنظم منذ عام 1978. ويبقى الدافع الأساسي وراء مشاركة هؤلاء الفنانين ذوي المواهب المتميزة هو الرغبة في ترك بصماتهم على جدران مدينة الفنون. وفي تصريح لقناة M24، القناة التلفزيونية الإخبارية التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، أعربت الفنانة ضناء الهدروجي عن سعادتها بالمشاركة في هذه النسخة من الموسم، مبرزة أن جداريات هذا العام لها طعم خاص جدا، لأنها كلها من إبداع فنانين مغاربة. وبعد أن ذكرت بمشاركتها في ورشة النحت الخاصة بموسم عام 2006، قالت السيدة الهدروجي إنها تشتغل على الذاكرة الجماعية، بما في ذلك على ذكريات وأحداث الماضي، مشيرة إلى أن رسوماتها الجدارية تقدم شخصيات حقيقية قابلتها وأخرى شخصيات خيالية. مفتونة بجمال وسحر أصيلة، اختارت ضناء اللون الأزرق في خلفية اللوحة الجدارية الخاصة بها، والتي تستحضر، حسب رأيها، عمق البحر، أو السماء الهادئة أو الصفاء الساحر الذي تتمتع به هذه المدينة الساحلية، مع استعمال ألوان "دافئة" وخطوط متموجة للتعبير عن الدينامية السياحية التي تعيشها المدينة في فترة الصيف. مزيج من الألوان التي تمنح الزائر شعورا بالبهجة والانتعاش. وقالت هذه الفنانة المبدعة، التي سبق وأن حازت جائزة المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان "لقد وقعت في سحر متعة الهدوء والسكينة التي تنبع من هذه المدينة الفاتنة، التي تشكل نموذجا خاصا للعمارة التاريخية"، مشيرة إلى أن جداريتها تدعو الزائر الى رحلة استثنائية في عالم مليء بالسحر والجمال والعجائب في آن واحد. نفس القصة مع محمد أمين القصبي الذي عبر عن فخره بالمشاركة إلى جانب رسامين مغاربة مشهورين في موسم أصيلة، من خلال عمل لوحات جدارية جميلة لتزيين وإحياء جدران أزقة مسقط رأسه. وأوضح هذا الفنان الزيلاشي الشاب "تستحضر رسوماتي الجدارية موضوع مدينة أصيلة القديمة. لقد استخدمت الأشكال الدائرية والمستطيلات للإشارة إلى الأبواب، بينما تشير الخطوط إلى الأبواب الخشبية"، مشيرا إلى أنه رسم أيضا نصف وجه واقعي يكسر رتابة الأشكال ويمنح الحياة والقليل من النور للوحاته. وقال القصبي إنه شارك منذ أن كان في السادسة من عمره في ورشة أطفال موسم أصيلة، مبرزا أنه أتيحت له الفرصة في العام الماضي لتقديم اثنتين من لوحاته وإبداع أول جدارية له. وبحسب نائب الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، توفيق لزاري، فإن مدينة أصيلة كانت على الدوام بوتقة ثقافية تجمع فنانين من جميع أنحاء العالم، الذين بصموا مشاركتهم بأعمال متنوعة خالدة لا ت نسى، مضيفا أن ورشة الرسم الجداري هذه تندرج ضمن برنامج فعاليات الدورة الصيفية للموسم بمشاركة 11 من أمهر الفنانين المغاربة. وأكد أن هذه النسخة تتميز أيضا بتنظيم ورشة جدارية لأطفال أصيلة، الذين أضاءوا جدران المدينة بلوحات جدارية رائعة مرسومة بعناية فائقة وإبداع كبير، مشيرا إلى أن هناك أنشطة ثقافية وفنية أخرى على قائمة برنامج التظاهرة، بحيث تتضمن هذه الدورة ورشة رسم موسمي، ومعرضين للفنانين المغربيين يوسف الكحفاي ومصطفى مفتاح، ومعرض لأعمال "مشغل أطفال الموسم" ، بالإضافة إلى معرض مخصص لفنانين شباب من مدينة أصيلة (معرض الفنانين الزيلاشيين الشباب) ، و ورشة "الإبداع الأدبي" مخصصة لتلاميذ إعداديات وثانويات مدينة أصيلة. وحسب لزاري، فإن الدورة الخريفية للموسم، التي ستقام في الفترة من 16 أكتوبر إلى 5 نوفمبر بشراكة مع وزارة الثقافة والشباب والتواصل وجماعة أصيلة، سيتخللها تنظيم العديد من الندوات وورش عمل النحت والرسم، مؤكدا أن هذا الحدث يهدف إلى غرس ثقافة فنية وثقافية جديدة وديناميكية خاصة في المنطقة، وكذا تعزيز الحضور الدولي لأصيلة، مدينة الفنون والثقافة. ومن المؤكد أن هذه اللوحات الجدارية الجميلة المنجزة ببراعة ودقة تزين أزقة مدينة أصيلة وتضفي على فضاءاتها أناقة وسحرا فريدا.