مهدي قطبي، فنان تشكيلي مغربي معروف. خريج مدرسة الفنون الجميلة بتولوز، والمدرسة العليا للفنون الجميلة بباريس. لوحاته تعتمد الخط العربي كرمز فني للعالم العربي. حاصل على وسام الفنون والآداب الفرنسي وعلى وسام الاستحقاق الوطني من درجة فارس. هو الرئيس المؤسس لدائرة الصداقة المغربية الفرنسية التي تأسست سنة 1991، كما يعد مؤسسا لدائرة الصداقة الأوروبية المغربية سنة 1998. عينه الملك محمد السادس، منذ 2011، رئيسا للمؤسسة الوطنية للمتاحف، التي تتولى مهمة النهوض بإشعاع الموروث الثقافي المغربي. مرحبا بالفنان المهدي قطبي على إذاعة مونتيكارلو الدولية... لماذا اخترت الخط العربي ليكون في قلب أعمالك التشكيلية؟ أريد ببساطة في البداية أن أصحح تفصيلا صغيرا. أنا أستعمل الكتابة العربية وليس الخط العربي، لأننا حينما نتحدث عن الخط، فيجب علينا أن نحترم قواعد معينة وضعت للخط. أنا على العكس، أدمجت الكتابة العربية في التشكيل الفني، وتركت الحرية لنفسي في استعمال الكتابة العربية بطريقة لا تلتزم بأي نوع من القواعد أو القواعد الرمزية. أي أن أي شخص لا يمكنه أن يقرأ ما كتبت. إنها حروف وضعت أماما بعضها، كموسيقى، تعطي للأشخاص فرصة للسفر. سفر من خلال الكتابة العربية. إذن لماذا اخترت اللغة العربية كتيمة أساسية للوحاتك؟ اخترت الكتابة العربية، منذ بدايات إقامتي في فرنسا التي استمرت 37 سنة. كنت أنحدر من عائلة بسيطة، ولم أعرف حينها لحظات مفرحة في مغرب تلك المرحلة. وحين وصلت إلى فرنسا، لم يسألني الناس من أنا؟ أو من أي عائلة أكون؟ فتحت لي الأبواب وأعطيت لي فرصة من أجل النضوج، وخصوصا من أجل أن أصبح معروفا. إذن انا مدين كثيرا لفرنسا، ولن أستطيع رد الجميل بما يكفي، لهذا البلد الذي فتح لي أبوابه، وتبناني، لهذا أقول باستمرار إنني ولدت من جديد في فرنسا. ترأس منذ 10 سنوات المؤسسة الوطنية للمتاحف التي تتولى النهوض بإشعاع الموروث الثقافي المغربي. كيف يمكن أن تصف باختصار حال ومكانة الثقافة في المغرب؟ بداية، أريد التأكيد، أنه بفضل جلالة الملك محمد السادس، تم إعطاء الثقافة المكانة التي تستحق في مجتمع ما، واليوم بلغنا الاعتراف بمتاحفنا الوطنية عبر العالم بفضل المجهودات والمعارض التي ننظمها. يجب أن نعلم أن المغرب من البلدان العربية والإفريقية القليلة جدا، التي عرض فيها بيكاسو، وكذلك ميرو ومونيه، وأيضا سيزان وفانكوغ واليوم نعرض دولاكروا، وفي الماضي عرضنا غويا.. كل هؤلاء الفنانين مروا من متحف محمد السادس للفن المعاصر، أي أنهم مروا من القارة الإفريقية والعالم العربي. فتحنا كذلك أبواب المتاحف وقمنا بدَمَقْرَطَة الثقافة. حينما نظمنا مثلا البينالي (ملتقى كل سنتين) الأول للعاصمة الرباط، زارنا 130 ألف شخص، وهو أمر غير مسبوق. كلهم مغربيات ومغاربة من الطبقة المتوسطة، وهو ما يعني أننا ربحنا الرهان. ويمكن القول أيضا أن دمقرطة الثقافة وإدماجها كعنصر للتنمية الثقافية والاجتماعية قد نجح. تعتبر الكثير من المنظمات وعلى رأسها اليونيسكو، كما أشرت الثقافة وسيلة فعالة لمكافحة التطرف العنيف، وآلية من آليات التنمية المستدامة. هل يستوعب المسؤولون في المغرب والمنطقة العربية هذا البعد المهم للثقافة؟ أظن أننا اليوم، خاصة مع هذه الجائحة، استوعبنا جميعا أنه بدون ثقافة هناك موت، سواء في قطاع السينما أو القراءة أو الفنون البصرية. حاولنا في مؤسسة متاحف المغرب أن نقرب الثقافة من المواطنين عبر زيارات رقمية عن بعد لمعارضنا، وأطلقنا سلسلة عروض سينمائية بشراكة مع المركز السينمائي المغربي. فعلنا الكثير لنكون حاضرين وتكون الثقافة حاضرة. في المغرب، وهنا أتحدث فقط عن المغرب الذي أعرفه بشكل جيدا، تمكنت الثقافة بفضل الدفعة والمكانة القوية التي أعاطها لها الملك، من تحفيز جامعي الأعمال الفني الذين يسهمون في اقتناء أعمال الفنانين المغاربة الذين يعيشون بشكل جيد من عائد أعمالهم، وهو أمر نادر حتى في الدول الغربية. اليوم، الكثير من العائلات الشابة تفضل اقتناء الأعمال الفنية على اقتناء الفضة أو الذهب، وهذا أمر مهم. الملك نفسه من أكبر جامعي ومقتني التحف الفنية، أليس كذلك؟ حينما كان صاحب الجلالة وليا للعهد، وبعد أن أصباح ملكا بعد ذلك، صار أول جامع للأعمال الفنية، وبالتالي أول مشجع للفن والفنانين، لأنه عندما يسافر عبر البلاد يكتشف فناني كل منطقة، ويغني مجموعته الفنية، واليوم هو مرجع، والكثير الكثير من المغاربة يقلدون هذا المثال الاستثنائي، الذي أعطاه صاحب الجلالة. ماذا عن أفريقيا والفنون الإفريقية؟ أريد أن أؤكد لكم أن صاحب الجلالة منذ توليه العرش جعل المغرب منفتحا على أفريقيا، وهذه السياسة هي أحسن سياسة، لأنه مقاولاتنا وأيضا معارفنا نقتسمها مع إخواننا الأفارقة. قبل ثمان سنوات، طلب منا صاحب الجلال إقامة معرض كبير في كافة أنحاء العاصمة الرباط، حمل اسم "إفريقيا في العاصمة"، وكل الأماكن الثقافية عرضت حينها العمال الفنية الأفريقية، وشكل ذلك نجاحا كبير بالنسبة لنا. في إطار نفس السياسة، أعطانا صاحب الجلالة تعليمات لتأسيس "متحف فنون القارة". نحن أفارقة ومن هذا المنطلق هناك حاجة إلى مثل هذا المتحف، والبناية المقابل التي ترونها وضعها صاحب الجلالة تحت تصرفنا لإنشاء هذا المتحف الذي سيكون القلب الثقافي للقارة الإفريقية. مهدي قطبي يعرف الأوروبيين بشكل جيد، فهو الرئيس المؤسس لدائرة الصداقة المغربية الفرنسية، ومؤسس دائرة الصداقة الأوروبية المغربية. في رأيك لماذا تتردد الكثير من البلدان الأوروبية في إرجاع الموروث الثقافي العربي والإفريقي الذي سلب ويعرض في متاحفها؟ سأقول بكل بساطة، إنه بفضل الأوروبيين تمكنا من إنشاء متاحف للحفاظ على تراثنا. إذا سمحتم لي، أريد أن أسطر على أن فرنسا قررت إرجاع الأعمال والتحف التي سلبت في أفريقيا. أريد أن أخبركم أيضا بشيء مهم، حيث قرر رئيس الجمهورية الفرنسية تعليماته ليكون المغرب صلة وصل في تدريب لإخواننا الأفارقة، أي أننا سنتقاسم خبراتنا مع زملائنا الأفارقة، وسنخلف في متحف فنون القارة، معهدا للتدريب على التراث الأفريقي، لتقاسم التجارب والخبرات، حتى يكون إخواننا الأفارقة أنفسهم قادرين على تلقي وحماية التحف التي ستعاد إليهم. سمعت وقرأت أيضا أن المملكة المتحدة قررت السماح لمصر باستعادة العديد من التحف. أظن أنه يجب علينا التفكير جيدا في هذا الأمر، ففي رأيي يجب أن نقتسم الثقافات مع العالم، أي أن يكون هناك تبادل للتحف والأعمال بين دول الأصل ودول الاستقبال، لأن أحسن طريقة ربما لجعل الأوروبيين منفتحين، أو جعل الناس في بلداننا منفتحين، هي أن نري الآخرين تراث بلدان أخرى. كسؤال أخير، هل يمكن أن نشهد تشكل عالم جديد إذا أعطينا للثقافة أهميتها التي تستحق؟ على الإنسان أن يستوعب أنه يجب عليه أن يكون متضامنا مع الآخرين، وان يفكر فيمن لا يملكون شيئا. وهذه الفترة العصيبة التي عشناها وتساوى فيها الغني والأقل غنى، الفقير والأقل فقرا أمام الجائحة التي لم تفرق بين أي منا وهاجمت الجميع. أظن صادقا ان يكون ذلك درس لنا جميعا. أقول إن الثقافة هي التي ستسمح لنا بالنهوض من جديد، وأنه يجب علينا أن نعطي للثقافة والبدعين المكانة التي يستحقونها، فلولاهم لكانت فترة الجائحة أسوأ. أنا مؤمن بالثقافة كدرع يحمينا ويجعلنا ننهض من جديد. – أشكرك على وقتك مهدي قطبي. – أنا من يشكركم جزيل الشكر.